رشيد درباس كما حَشْرَجَ العطر في حلق الليمون الذبيح، حشرج الحبر في حلق القلم، فَنَحَّيْتُ مقالتي عن طرابلس المصابة، لأحدثكم عن ابنها وأخيها وعَلَمِها ورونقها، ووزيرها ونائبها وحديقتها الزاهرة التي تأدَّب اليباس عند حدودها. ألا لا بارك الله في دموع الحبر إذا ذرفت حزنًا على "جان"، فما اعتْدتُها إلا بستانًا خصيبًا، يُثْري الريشة بألوانه وسجاياه وثمار كرمه. ألا تَبًّا للخط إذا كان رقيمًا، فأنا لم أعاقره إلا إدمانًا على اكتشاف خزائنه ونشر ملائحها ودُرَرِهَا حتى اتُّهِمْتُ بأني ظِلٌّ خجول لابن عبيد الله. وردني النبأ، فعدت إلى خزانتي، وأخرجت أكياس المسابح التي أهدانيها، وحاولت أن أتذكر كلامه في مزايا كل واحدة منها، وحدَّقْتُ بحباتها التي كان يُقَرِّبُها لي من النور، ليريني محتوياتها النادرة، فلم أرَ فيها إلا وجهه، يطلُّ عليَّ من عمق الكهرمان، باسمًا، لاذعًا، شاتمًا، ناعمًا، صارمًا، صادقًا ناصحًا وحكيمًا... جمعت مسابحي تلك التي شكَّها في خيط الوجدان على مدى نصف قرن، فقرأت فيها عناد الضوء، ولسعني ملمسها بالذكريات، فاكتشفتُ كم تَغَيَّرَتْ طباعي من دون أن أنتبه، فلقد اتسع صدري عما كان...
ادعم الصحافة المستقلة
اشترك في خدمة Premium من "النهار"
اشترك في خدمة Premium من "النهار"
ب 6$ فقط
(هذا المقال مخصّص لمشتركي خدمة بريميوم)
إشترك الأن
هل أنت مشترك؟
تسجيل الدخول