الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

نداءٌ مُشَفَّرٌ إلى الحرّيّة والأحرار

المصدر: "النهار"
عقل العويط
عقل العويط
اللوحة لزينة نادر.
اللوحة لزينة نادر.
A+ A-
مَن يكسرُ مَن، الشاعرُ أم القصيدة، الشمسُ أم القمر، الأصلُ أم الظلّ، الينبوعُ أم النهر، الشجرةُ أم ثمرتها، قلبي أم عقله، الجسدُ أم رغبتي فيه، اللوحةُ أم الملوانة، العازفُ أم قائد الأوركسترا، الحرّيّةُ أم الأحرار؟

ينكسرُ قلبي سرًّا، كلَّ يوم، وبصمتٍ، لكي لا تنكسرَ المرآةُ المحفوظةُ في عينيَّ، فيراها الآخرون مكسورةً في عينيَّ. وكما تفوحُ نبتةُ الحبقِ من تلقائِها، كلّما فكّرتْ في الماء، بل كلّما لاحتْ غيمةٌ افتراضيّةٌ في الأفقِ المختبئ خلفَ البنايةِ الملاصقة، يفوحُ جرحٌ في أعماقِ النخاعِ الشوكيّ، يُذكّرني ببول إيلوار، بأنسي الحاج، بفؤاد سليمان، بجبران خليل، بالسمفونيّة التاسعة، بكارل أورف، بمايلز ديفيز، بالحلّاج، بمار أفرام السريانيّ، بفيروز، بإيلّا فيتزجيرالد...

النسيمُ الجريحُ المالحُ الذي يمرُّ عبرَ الجدارِ الإسمنتيِّ المسدود، آتيًا من الميناء، حاملًا معه أعباءَ الكارثة، أراهُ من خلال الشرفة، ساكتًا على الجرحِ المُملَّح، لا يقولُ إلّا صباح الخير، ثمّ يُكمِلُ طريقَه مسلّمًا بالطريقةِ ذاتها على الصابرين والحالمين والموتى والمفقودين والجيرانِ المسكورِ خاطرِهم للأسباب المعروفة.

لا يكسرُ شاعرٌ قصيدتَه، ولا القصيدةُ الشاعرَ، ولا الشمسُ القمرَ، ولا أصلٌ ظلَّه، ولا الينبوعُ النهرَ، ولا النهرُ الينبوعَ، ولا الشجرةُ ثمرتَها، ولا قلبي عقلَه، ولا العقلُ القلبَ، ولا الجسدُ رغبتَه، ولا اللوحةُ ملوانَتها، ولا الموسيقى قائدَ الأوركسترا، ولا الحرّيّةُ الأحرارَ، ولا الأحرارُ الحرّيّةَ.

الفائضُ يفيضُ لئلّا ينفجر. وعندما يطفحُ الكيلُ، ينزفُ العقلُ. وعندما يلفظُ البركانُ الحممَ، وتتشلّقُ الثلوجُ، ترتفعُ الجسورُ فوقَ الأوديةِ السحيقةِ، ليعبرَ عليها المنتظرون. وعندما تنضجُ ثمرةٌ على أمِّها، لا تتأفّفُ بها الأمّ، ولا بها تضيقُ ذرعًا. وعندما تسقطُ الثمرةُ لاإرديًّا، لئلّا تُحمِّلَ الغصنَ أوزارَ ثقلِها، لا يشيحُ الغصنُ ولا الشجرةُ وجهَهما عن الثمرة لئلّا تُصابَ بالضجرِ واليأس، أو تُمنى برائحةِ الغدر.

يَصلُني هذا النداءُ المشفَّرُ في البريدِ الافتراضيِّ، حاملًا ختمَهُ المأسويَّ، 4 آب 2020، وممهورًا بتاريخِهِ الأصليّ، 17 تشرين الأوّل 2019، ومضمَّخًا بأفكارِهِ، أفكارِ الصيفِ والخريفِ التي تكهربُ الشتاءَ والربيعَ، وكلَّ شتاءٍ وربيع.

على غلافِ الطردِ البريديّ الحاملِ هذا النداءَ المُشفَّرَ، عبارةُ "يُسلَّمُ علنَا جهارًا، وبالحبرِ، كما يتسلّمُ الأحرارُ الحرّيّةَ".

وقد اقتضى التنويه.
[email protected]

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم