الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

انتخابات شدّ العصب أو إعادة الانقسامات؟

المصدر: "النهار"
من احتجاجات سابقة على الوضع الاقتصاديّ (نبيل إسماعيل).
من احتجاجات سابقة على الوضع الاقتصاديّ (نبيل إسماعيل).
A+ A-
لا جمرك على الكلام في الحملات الانتخابية الرامية إلى شدّ العصب لدى كلّ فريق سياسي من أجل حشد الداعمين له ومناصريه وحضّهم على عدم المقاطعة والاعتكاف عن التصويت.
 
ولكن جولات رئيس التيار العوني جبران باسيل تتّخذ منحى مختلفاً في رأي أفرقاء سياسيين ومراقبين حياديين، على خلفيّة جملة أمور، قد يكون من أبرزها أن باسيل عمد إلى القيام بحملات انتخابية له في المناطق من أجل دحض التوجّهات الشعبية التي نشأت في انتفاضة 17 تشرين الأول 2019، والتي كانت وجّهت ضدّ الطبقة السياسية مع حصة الأسد للتيار العوني الممسك بالسلطة على مختلف مستوياتها، وضدّه شخصياً.
 
الجولات الانتخابية راهناً تعيد تسليط الضوء على تلك الجولات التي كان يقوم بها باسيل قبل الانتفاضة، وسط خطابات استفزازية في كلّ المناطق التي زارها، والتي كانت تؤدّي إلى إشعال المشاعر الطائفية والسياسية على حدّ سواء. ويعتبر البعض أن الخطاب الاستفزازي الأبرز، الذي قد يكون ساهم في تسريع انطلاق الانتفاضة واستهداف العهد وتياره بشكل خاص، هو الخطاب الذي ألقاه باسيل في 13 تشرين الأول 2019 قبل أربعة أيام فقط من انطلاق الانتفاضة، مهدّداً فيه بقلب الطاولة والذهاب إلى سوريا.
 
الجولات الانتخابية الراهنة تستعيد الخطاب الاستفزازيّ نفسه في جولات، ترفضها المناطق انطلاقاً من اعتبارها تتحدّى مشاعر الناس في فقرهم وجوعهم وضياع جنى أعمارهم، إنّما معتمداً على خطاب تحشيديّ كان بدأه ضد حزب "القوات اللبنانية" تحديداً. ويجد المراقبون أن باسيل أكثر من سائر الأفرقاء السياسيين الذين يستخدمون الخطاب السياسي والعداء للآخر من أجل تحفيز المناصرين وحضّهم على التصويت، لأنّ مقاربة الانهيار ومسبّباته على مختلف المستويات مُحرج له باعتباره سيشمله بالمسؤولية عنه فيما يدخل العهد الأشهر الأخيرة له في الحكم.
 
هل يشتري العداء لـ"القوات اللبنانية" دعماً مسيحيّاً للتيار العوني، في وقت لا يستطيع هذا الأخير تسعير الخصومة مع حركة "أمل" والرئيس نبيه بري، وهو محرج في التحالف معه لحصد ما أمكنه من أصوات تجعله متقدّماً على خصمه المسيحي؟
يستبعد المراقبون قدرة التيار على تحفيز المستقلّين أو المحايدين غير المتحزّبين على التصويت له، فيما تظهير باسيل خطاباً استفزازياً قد يخدم خصومه أكثر ممّا يخدمه لاعتبارات تتعلّق بمعاناة الناس، التي تحمّل العهد مسؤولية الوصول إلى ما وصل إليه لبنان، وذلك في وقت بدت فيه الاصطفافات السياسيّة كأنها ترسو بنجاح قبل أسبوعين من الانتخابات على واقع ترك لبنان للمحور الذي يشكّله "حزب الله"، والذي لا ينفصل عنه التيار العوني بل يشكّل جزءاً مهمّاً من أكثريته المرتقبة، بعدما فشل هذا الأخير في تمييز نفسه أو رسم خطّ واضح بينه وبين حليفه الشيعيّ، أو الدفع نحو كتلة كبيرة أيّاً تكن رافضة وممانعة لاسترخاء لبنان لهذا المحور.
 
الإشكالية الأهمّ في هذا السياق هو الشرخ الذي يتمّ إحداثه مجدّداً في الوسط المسيحي، والذي بات يتعدّى الانتخابات إلى انقسام حادّ، بدأ يترجم نفسه في الأعوام الأخيرة، بعد الانهيار المدوي لـ"تفاهم معراب". استعادة زمن العام 1989 - 1990 في الأدبيات المسيحية واللبنانية غدا مهلكاً للطائفة ولبنان أكثر من أيّ وقت مضى، فيما المسيحيّون خسروا أبرز ركائز قوة وجودهم في لبنان بانهيار القطاع المصرفيّ والتربويّ والجامعيّ والصحيّ وانهيار المؤسّسات، وهو ما لا يتحمّل العهد وحده مسؤوليّته، ولكنه ساهم فيه ولم يمنعه، في الوقت الذي سيزور البابا فرنسيس لبنان في حزيران المقبل تحت وطأة المخاوف الكبيرة من زوال المسيحيين من لبنان وزواله كصيغة جامعة متوازنة بين أبنائه من كل الطوائف. يُضاف إلى ذلك ما يعتقده كثيرون من تشكيل المسيحيين مجدّداً واجهة لخلافات عميقة سياسية وغير سياسية بين الطوائف والمذاهب، تنحصر ترجمتها بهم وحدهم، فيما تحتدم المعركة الداخليّة حول رئاسة الجمهورية. ومع أنّ ثمّة استبعاداً سياسيّاً وديبلوماسياً لإمكان تمديد ولاية الرئيس ميشال عون بانتخاب صهره، لاعتبارات لا تتعلّق بالعقوبات الأميركية فحسب بل لرفضه داخليّاً واقليميّاً ودوليّاً، يُعتقد أن "حزب الله" ربما يستخدم إبقاء باسيل في التنافس إلى رئاسة الجمهورية من باب توظيف هذه الورقة للمساومة كما فعل تماماً في 2008، وقبل تخلّيه عن دعم العماد ميشال عون إلى الرئاسة لمصلحة العماد ميشال سليمان.
 
لذلك، فإنّ صورة الانقسام المسيحي الجادّ تخفي امتلاك الأكثرية لدى المسيحيين، لا التنافس الرئاسي فقط، في ضوء تراجع التيار العوني، ولكن في ظلّ رغبته الجامحة منذ العام 1989 في منع "القوات اللبنانية" من التمتع بهذه الأكثرية، تماماً وفق ما يلتقي التيار بذلك مع حليفه الشيعي ومع المحور الإقليمي الذي ينتمي إليه.
 
 
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم