الإثنين - 20 أيار 2024

إعلان

نقيب كتائبي الهوى يحظى بأصوات المنظومة... انتكاسة "الصيادلة ينتفضون" في مواجهة السلطة

المصدر: "النهار"
جودي الأسمر
جودي الأسمر
النقيب جو سلوم. (تصوير مارك فياض)
النقيب جو سلوم. (تصوير مارك فياض)
A+ A-
على مسافة أسبوع من انتكاسة قوى التغيير المنبثقة من 17 تشرين في انتخابات المحامين، تكرّر المشهد في نقابة الصيادلة أمس الأحد، حين مُنيت لائحة "الصيادلة ينتفضون" بخسارة نتجت عن تحالف قوى في السلطة وخارجها ضدّها. هكذا انتصر مرشّح كتائبي الهوى مدعوم من أحزاب بعضها في السلطة والمنظومة في انتخابات نقابة الصيادلة في لبنان. انتُخب جو سلوم نقيباً (1134 صوتاً) من تجمّع "نقابتي سندي" الذي فاز كذلك بـ10 مقاعد موزعة على مجلس النقابة وصندوق التقاعد والمجلس التأديبي، وحصلت "نقابة الضمير المهني" المدعومة من السلطة على 5 مقاعد، فيما حصدت لائحة "الصيادلة ينتفضون" التي تضمّ مستقلين وتغييريين مقعدين فقط، وخسر مرشّحها فرج سعادة (995 صوتاً) معركة النقيب.
الخسارات المدوّية للتغييريين في النقابات، باستثناء المهندسين في بيروت، مشفوعة بانتخابات الصيادلة بمؤشّرات تنطوي أولاً على الفوضى الفضائحية في تنظيم انتخابات نقابة الصيادلة التي كانت ولا تزال تستأثر بها أحزاب السلطة وتعطي صورة بليغة عن أدائها، وثانياً استمرار لعبة الدعم الخفيّ للمرشّحين ثمّ الاعتراف به عند النجاح، وثالثاً في تكتيل أحزاب السلطة التحالفات وكسرها بهدف دعم أحد مرشّحيها بأيّ ثمن ولو على حساب مبادئها السياسية.
واجهت لائحة "الصيادلة ينتفضون" لائحتين تمثّلان أحزاباً أغلبها في السلطة هما "نقابة الضمير المهني" و"نقابتي سندي"، فيما مُنيت "نحو نقابة مستقلة" بخسارة كاملة بعدما حظي مرشّحها لمنصب النقيب ناجي جرمانوس بدعم موقت من أحزاب السلطة عند عدول زياد نصّور (نقابة الضمير المهني) عن خوض معركة النقيب، ليتراجع الأخير عن قراره فيخوض الانتخابات ويخسرها.

التحالفات المعلنة
في لبنان القائم على المحاصصة الطائفية، يقضي العرف في نقابة الصيادلة بالمداورة في انتخاب نقيب مسيحي وآخر مسلم، فنُظّم استحقاق 2021 لانتخاب نقيب مسيحي خلفاً للنقيب السابق غسّان الأمين.
أمّا مجلس النقابة، فيضمّ 12 عضواً بمن فيهم النقيب، على قاعدة المناصفة، بما يعني أنّ المجلس الحالي يضمّ 6 أعضاء مسلمين و5 مسيحيين إلى جانب النقيب المسيحي جو سلوم.
إلا أن المعركة دارت على منصب النقيب المسيحي وعشرة أعضاء، لأن ولاية أحد الأعضاء تستمرّ حتى العام المقبل، كما شمل الانتخاب أعضاء صندوق التقاعد، والمجلس التأديبي.
على مستوى التحالفات، ضمّت "نقابتي سندي" مرشّحين كتائبيين وآخرين مدعومين من "التيّار الوطني الحرّ". ودعم "الضمير المهني" تيّار "المستقبل" و"حزب الله" وحركة "أمل" والحزب "السوري القومي الاجتماعي"، فيما تمسّك رئيس لائحة "نحو نقابة مستقلة" ناجي جرمانوس، بالتشديد على استقلالية لائحته، إلّا أنّه كان يستقطب دعم أحزاب سياسية حين تراجع نصّور عن الترشح للنقابة، ليعدل الأخير عن التراجع.
هكذا عمدت أحزاب في المنظومة إلى توسيع مروحة دعمها لثلاث لوائح، فواجهت تجمّع "الصيادلة ينتفضون" الذي اختار مرشحين مؤمنين بالمسار التغييري التشريني، وانتقى 23 اسماً ليخوض "معركة يسارية" ضدّ السلطة.

أصوات "حزب الله" و"القوّات اللبنانية"
أعادت الدورة الثانية إيقاد المعركة، وكسرت التحالفات الأولية بين الأحزاب التي خلطت أوراقها في دراسة أرقام الجولة الأولى وقياس مدى التزام حلفائها.
وأكثر ما قلب الموازين هو تجيير "حزب الله" أصواته للمرشّح المستقل فرج سعادة، ودعم "القوّات اللبنانية" للمرشح جو سلّوم بحسب مصادر نقابيّة، إلّا أنّ "القوّات اللبنانية" تتمسّك بنفيها الانخراط في معركة الصّيادلة، مستندة إلى بيان نشرته قبل أيّام، أعلنت فيه الآتي: "لن ندعم أيّاً من اللوائح المتنافسة في الانتخابات النقابية"، وأكدت أنّها "لم تُرشّح أيّاً من أعضائها إلى أيّ مركز ضمن اللوائح المطروحة".
وفي سؤال "النهار" للنقيب الفائز جو سلّوم عن دعمه من "القوّات اللبنانية" والأحزاب عموماً، فضّل "عدم الحديث في مواقف الأحزاب"، مضيفاً أنّ "الصيادلة جميعهم ينتمون الى هذه النقابة، وكلّ صيدليّ مارس قناعاته في التصويت حسب تطلعاته، لذلك لا أنظر إلى هذا الموضوع من الزاوية الحزبية. ومؤشّر الكثافة في التصويت دليل على إيمان الصيادلة بهذا الاستحقاق، بالرغم من صعوبات التنقل وتكاليفه، لأنّ الصيادلة يريدون الانتصار على معاناتهم ويريدون التغيير النقابي الذي يعلو على أيّ انتماء سياسي".

أمّا منافسه الخاسر فرج سعادة الذي مثّل "الصيادلة ينتفضون" في معركة النقيب، فيورد لـ"النهار" أنّه حظي في الدورة الثانية بأصوات من "حزب الله" لأسباب خلافيّة بينه وبين حركة "أمل" ظهرت في نتائج الدورة الأولى. وعند بدء المعركة الثانية، أعلنت "حركة أمل" دعمها لجو سلّوم، وتلاها "تيّار المستقبل"، وجيّر ناجي جرمانوس أصواته للنقيب سلّوم، و"أمّا "القوّات اللبنانية" التي تنفي أيّ تدخّل في انتخابات النقابة، فنشرت رئيستها في مصلحة الصيادلة هيلين شمّاس تسجيلاً صوتياً تدعو محازبيها للتصويت لجو سلّوم مرشّح "نقابتي سندي". كما كانت شمّاس داعمة لترشّح بهية فاضل (نقابتي سندي)، وكنّا قد التقينا خلال تشكيل اللوائح في انطلياس لكننا لم نضمّها إلى لائحتنا"، وفق تعبير سعادة.

وأضاف سعادة: "كانت "القوّات" قد اقترحت أن أدعم سلّوم في حال تنافسه مع نصّور، وأنّها ستدعمني في حال تنافسي مع الأخير، لكنّني رفضت إعطاء أيّ التزام"، و"طرحت في الدورة الثانية على "القوّات اللبنانية" و"التيّار الوطني الحرّ" و"حزب الله" وضع الخلافات السياسية جانباً ودعم مشروعي النقابي، في ضوء أنّ الدكتور سلّوم لم يطرح برنامجاً، لكن "القوّات اللبنانية" رفضت".
ومن غير المستغرب أن "تحسم الجولة الثانية البلوكات السياسية التي بقيت موجودة فأدلت بأصواتها، فيما غادر الكثيرون بسبب الاكتظاظ والفوضى"، إلّا أنّ "تجمّع "الصيادلة ينتفضون" فخور بهذا الإنجاز في وجه تدخلات أخطبوطية للمنظومة ودعمها المعلن وغير المعلن لثلاث لوائح".

هل يستمرّ فرج سعادة بالمعركة التغييرية من داخل النقابة؟
يقول: "للأسف، النتيجة أفرزت مجلساً غير متجانس، ولا يمتلك رؤية. ومن الصعب جداً أن يدفع للتغيير عضو واحد من أصل 11 تصادر المنظومة قراراتهم. أدرس مع رفاقي قرار استقالتي المحتملة من المجلس".

هكذا فازت السلطة
إذن، ينطوي المسار وخواتيمه في انتخابات الصيادلة في لبنان على لعبة أحزاب السلطة الخائفة من الخسارة في سائر الانتخابات النقابية 2021، فحسمت قرارها بأن تدعم سرّاً مرشّحين ينفون خلال حملاتهم أيّ انتماء حزبي، بالرغم من تاريخهم الواضح في الأحزاب، التي تعود لتكشف عن دعمها لمرشّحيها يوم الانتخابات وخصوصاً في حال فوزهم، فتتقاسم غنائم النجاح. لا تريد السلطة الاعتراف بالخسارة، في بلد يعيش مآسي ومزاجاً شعبياً أسقطها أخلاقياً، فعمدت أحزابها إلى نشر بياناتٍ، تركت فيها الحريّة لمنتسبيها في انتخاب من يَرونه مناسباً، وأعادت الكارتيلات الحزبية موضعة أصواتها لتصبّ ضدّ من لا تؤيّده، أكثر من كونها أصواتاً تدعم مرشّحاً قريباً منها سياسياً وتؤيّد مشروعه.
وينتسب إلى النقابة اليوم، 11 ألف صيدلي، سدّد منهم نحو 8000 رسوم الاشتراك واقترع منهم 4170 صيدلياً حسب الأرقام الأولية. وإذ كان الإقبال الخجول مرجّحاً كما في الاستحقاقات السابقة، إلى جانب أزمة المحروقات التي تصعّب تنقلات جميع الصيادلة للإدلاء بأصواتهم في بيروت، فضلاً عن هجرة مئات الصيادلة والإحباط العام، حملت الانتخابات مفاجأة في تزاحم غير مسبوق للصيادلة الذين تلاصقوا في بهو المركز، فتناقل المراقبون المشهد بعنوان "انتخابات الصيادلة برعاية كورونا" فيما من المفترض أن تكون أكثر النقابات حرصاً على الإجراءات الوقائية.
 
طائفية ولا بديل علمانياً
تلبّست المعركة النقابية للصيادلة الهواجس المسيطرة على كلّ شأن عام في لبنان ومنبعها الطائفية. وبرز هذا الصوت لدى مكوّنات مسيحيّة اعترضت على كسر العرف في الدورة الأولى التي أظهرت فوز أكثرية مسلمة، ومن بينها حزب "القوّات اللبنانية" الذي أصدر بياناً يرفض "سابقة كسر الأعراف"، وهدّد بمقاطعة الانتخابات.
وبالرغم من المناصفة، ظهر هاجس الوجود الأقلّوي في كواليس الحملة. والواقع أنّ ديموغرافيا الصيادلة تعكس غلبة المسلمين عددياً على المسيحيين على خلفية هجرة مهنيين مسيحيين واستمرار جامعات محسوبة على الثنائي الشيعي في تخريج عشرات الصيادلة المسلمين سنوياً.
ويرى هذا الخطاب أن الواقع ساعد على سيطرة "حزب الله" وحركة "أمل" و"التيّار الوطني الحرّ" على الإمساك بزمام نقابة الصيادلة لعدّة دورات سابقة، والأهمّ أنّ النقيب المسيحي اليوم ينتخبه صيادلة مسلمون.
وحصيلة كلّ الأمر، أنّ ذراع "السلطة" في نقابة الصيادلة انتقلت من الثنائي الشيعي إلى الكتائب الذي يحمل خطاباً معادياً للسلطة، لكن مرشّحه نال أصواتاً من أحزاب في المنظومة. فهل تسقط قشور الاختلاف في الخطاب العام أمام مسألة ردع أيّ محاولة حقيقية للتغيير؟





الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم