أحدث بيان وزارة الخارجيّة اللبنانيّة، عن الأزمة الأوكرانيّة بلبلة سياسية في الداخل اللبناني، حيث شهد انقساماً كبيراً حول مضمونه.
وأبلغت أوساط عين التينة "النهار" تعليقاً على هذا البيان أنّه صدر بعيداً عنها بما فهم منه أنّه لم يجر التشاور معها أو استمزاجها في الموقف الذي صدر.
أمّا "حزب الله" فقال على لسان عضو كتلة "الوفاء للمقاومة النائب إبراهيم الموسوي، "ينأون بأنفسهم ويدَّعون الحياد حيث يشاؤون، ويتدخّلون ويدينون أيضاً حيث يشاؤون، أمر عجيب غريب"، وسأل "أيّ سياسة خارجية يتبعها لبنان، وأين مصلحة لبنان في ذلك؟ تفضّل وزير خارجيّتنا عبدالله بوحبيب، وأوضِح لنا الأمر".
واستمرّ البيان في التفاعل وانتقل الى داخل جلسة مجلس الوزراء، وعلمت "النهار" أنّ وزير العمل مصطفى بيرم سأل السبب الذي دفع لبنان إلى إصدار مثل هذا البيان، خصوصاً أنّه يناقض المساعي التي تدّعي الحكومة اللبنانيّة أنّها تبذلها في رفض التدخّل بشؤون الدول، وتمنّى لو كان الموقف مدار تشاور واتّفاق قبل إصداره وتوريط جميع اللبنانيين به.
لكن في المقابل، رحّبت العواصم الأوروبية بمضامينه. في السياق، زار سفيرا فرنسا وألمانيا لدى لبنان وزير الخارجية والمغتربين عبد الله بوحبيب لشكر لبنان على البيان حول الأزمة الأوكرانية - الروسية، وتمنّيا استمرار لبنان على موقفه هذا، وطلبا مشاركة لبنان في تبنّي القرار المقدّم أمام مجلس الأمن حول الأزمة والتصويت عليه في الجمعية العامة لاحقاً.
وأبلغ بوحبيب السفيرين أنّ "موقف لبنان ثابت ونابع من حرصه بالالتزام بمبادئ الشرعية الدولية والقانون الدوليّ التي تشكّل الضمانة الأساسيّة لحماية السلم والانتظام الدوليين وسلامة أراضي الدول الصغيرة، خصوصاً وأنّ لبنان عانى الأمرّين من الاحتلال الإسرائيليّ وانتهاكاته المستمرّة حتّى اليوم".
كما أبلغ الوزير السفيرين الألماني والفرنسي "امتناع لبنان عن المشاركة في تبنّي القرار المقدّم أمام مجلس الأمن، وأنّه سيتمّ دراسة الموقف اللبنانيّ لناحية التصويت في حال إحالة القرار على الجمعية العامة بالتشاور مع المجموعة العربية". وفي هذا السياق، أضاف بوحبيب أنّ "الموقف اللبناني ليس موجّهاً ضدّ روسيا الاتّحادية أو أيّ دولة أخرى صديقة، وإنّما موقف مبدئيّ وراسخ اتّخذه وسيتّخذه لبنان في كلّ أزمة مشابهة".
وأشار بو حبيب الى أنّه التقى بالأمس سفير روسيا الاتّحادية لدى لبنان، وأعرب له عن أسفه وأنّ لبنان بصدد إصدار بيان إدانة للعمليّة العسكرية الروسية، وأنّ "هذا الموقف غير موجّه ضدّ دولته، ولا نرغب أن يؤثّر على العلاقة الثنائيّة الوطيدة". تجدر الإشارة إلى أنّ الاجتماعات التي عقدها الوزير مع كلّ من سفراء أوكرانيا، بولندا، رومانيا، فرنسا وألمانيا أتت في سياق البحث بموضوع مناقشة احتمال إجلاء اللبنانيين من أوكرانيا، وفقاً لتطوّر الأوضاع الأمنيّة.
بدورها ردّت سفارة روسيا الاتّحادية في لبنان على بيان وزارة الخارجية والمغتربين اللبنانية.
وأكّدت السفارة أنّ "بيان وزارة الخارجيّة أثار الدهشة لدينا بمخالفتها سياسة النأي بالنفس واتّخاذها طرفاً ضدّ طرف آخر في هذه الأحداث، علماً أنّ روسيا لم توفّر جهداً في المساهمة بنهوض واستقرار الجمهورية اللبنانية".
وأعلنت في بيان أنّ "أساس سياسة روسيا الاتّحادية ليست سياسة التعدّي على المصالح الأوكرانية بل حفظاً للأمن القومي الروسيّ، بفعل التهديدات التي شكّلها نظام كييف بعد تنصّله من تنفيذ العديد من الاتّفاقيات ولاسيّما اتفاقيّات مينسك".
وتابعت: "إضافة إلى أنّ روسيا لم تشنّ حرباً بل هي عملية خاصّة تهدف إلى حماية مواطنين روس وبناء على طلب جمهوريّتي دونيتسك ولوغانسك بعد اعتراف رئيس روسيا الاتّحادية فلاديمير بوتين باستقلالهما".
وختمت: "نؤكّد أنّ روسيا تسعى دوماً لإرساء السلام وتعزيز الأمن ومحاربة كلّ الأشكال العدائيّة وأن يكون لكلّ دولة الحقّ في حماية أمنها القومي بما في ذلك حماية مواطنيها".
وكان لبنان أدان اجتياح الأراضي الأوكرانية، داعياً روسيا إلى "وقف العمليات العسكرية فوراً وسحب قواتها منها والعودة إلى منطق الحوار والتفاوض كوسيلة أمثل لحلّ النزاع القائم بما يحفظ سيادة وأمن وهواجس الطرفين، ويسهم في تجنيب شعبي البلدين والقارّة الأوروبية والعالم مآسي الحروب ولوعتها".
في السياق، قالت وزارة الخارجية والمغتربين إنّ الموقف اللبنانيّ جاء "انطلاقاً من تمسّك لبنان بالمبادئ الراسخة والناظمة للشرعية الدولية التي ترعى الأمن والسلم الدوليين، وفي طليعتها مبدأ احترام سيادة الدول ووحدة أراضيها وأمن حدودها، وإيماناً منه بوجوب حلّ النزاعات كافّة التي قد تنشأ بين الدول بالوسائل السلميّة، أي عبر التفاوض، ومن خلال آليات الوساطة التي يلحظها القانون الدوليّ الذي ينبغي أن يبقى الملاذ الأوحد للدول تحت مظلّة الأمم المتّحدة".
كذلك، لفتت الخارجية إلى أنّ لبنان دان الغزو الروسيّ "نظراً لما شهده تاريخه الحديث من اجتياحات عسكريّة لأراضيه ألحقت به وبشعبه أفدح الخسائر التي امتدّ أثرها البالغ لسنوات طويلة على استقراره وازدهاره".