الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

آثار جانبيّة لدى طفل تلقّى جرعة من دواء السرطان الملوّث في لبنان… "قتل ممنهج"!

المصدر: النهار
ليلي جرجس
ليلي جرجس
أدوية مزوّرة تدخل إلى الأسواق اللبنانيّة بطريقة غير شرعيّة.
أدوية مزوّرة تدخل إلى الأسواق اللبنانيّة بطريقة غير شرعيّة.
A+ A-
ضجّت أمس حادثة ضبط دواء من منتج "ميتوتريكسات" عيار 50 ملغ (METHOTREX 50mg) لتفتح الباب أمام التهريب غير الشرعيّ، والأدوية غير الآمنة التي يحصل عليها المواطن نتيجة انقطاع الأدوية أو تسويقها وفق أسعار السوق السوداء. كارثة الأدوية المهرّبة غير المراقبة جريمة في حدّ ذاتها تقترفها شبكات التهريب في غياب رسميّ، وتخلّي المصرف المركزي عن دعمه الكامل للأدوية السرطانية والمزمنة.
 
معابر مفتوحة، أدوية غير شرعية متلاعب بها وملوّثة، غياب المختبر المركزي الوطني، وفوضى داخلية في سوق الدواء... أسباب كثيرة أدّت إلى استغلال أرواح المرضى اليائسين الذين يبحثون عن حبّة دواء، حتى ولو كان مغشوشاً.
 
دخل أحد الأطفال إلى أحد المستشفيات اللبنانية لتلقّي جرعته من المستحضر الطبي (Methotrexate) Methotrex 50mg الخاص بعلاج السرطان، ظنّ الأهل أنّ ولدهم يتلقى العلاج المناسب رغم تأمينه بطريقة غير شرعية، لكنّ الآثار الجانبية الضارة التي عانى منها الطفل كشفت ما هو أخطر من ذلك.
 
هذه الفضيحة أشبه بقمة الجليد التي تخفي ما هو أعظم وأخطر، وتؤكّد مرة أخرى على العقم الإصلاحيّ للسوق الدوائي في ظلّ غياب مقصود للمختبر المركزي للرقابة الدوائية، الذي بقي مجرّد وعد يتيم في دولة فاسدة.
 
سارعت وزارة الصحة اللبنانية إلى إصدار بيان توضيحيّ لما جرى، بعد إصدار منظمة الصحة العالمية تحذيراً في شأن وجود دفعة ملوّثة من منتج "ميتوتريكسات" عيار 50 ملغ في إقليم المنظمة لشرق المتوسط.
 
وأكّدت وزارة الصحة قرار سحب الطبخة المزورة من الأسواق اللبنانية ومنع تداوله بعد ضبطه في اليمن ولبنان. علماً أنّ هذا الدواء غير مسجل في لبنان، وتمّ ادخاله إلى البلاد عبر طرق غير شرعية.
 
وشدّدت على أنّ الوزارة "ستتابع هذا الملفّ لإظهار المتورّطين فيه واتّخاذ الإجراءات اللّازمة في حقّهم". لكنّ هذا الوعد يبقى وعداً، والحوادث السابقة لأدوية مزوّرة ومغشوشة بقيت في أدراج القضاة من دون محاسبة أحد، تثبت أنّ الانتهاكات والجرائم الصحية المرتكبة في حقّ المرضى كثيرة.
 
 
 
وربما يعتبر رئيس حملة "الصحة حقّ وكرامة" الدكتور اسماعيل سكرية أكثر العارفين بملفات الفساد في الأدوية غير الآمنة والمهرّبة، والقضايا المقدمة إلى القضاء في مسيرته الطويلة لأكثر من 26 سنة أكبر دليل على أنّ للتجار وشبكات التهريب الكلمة الفاصلة في ظلّ غياب المحاسبة والمحاكمة في أيّ من الملفات الصحية.
 
ويوضح سكرية في حديث لـ"النهار" أنّ "ما جرى يفتح الباب أمام مواضيع وانتهاكات كثيرة نتحدث عنها منذ عشرات السنين، بدءاً من المناشدة بإنشاء مختبر مركزي وصولاً إلى عرض استيراد الدواء من دولة إلى أخرى، ومنها السويد، حيث رفضت الدولة اللبنانية العرض بسبب السمسرة والسرقة. أضف إلى ذلك غياب الرقابة في ظلّ الفوضى والتهريب والنهب".
 
ويضيف سكرية أنّ "بعض الأدوية المستوردة بطريقة شرعية كشفت أنّها ملوثة وغير آمنة، فكيف إذا دخلت بطريقة غير شرعية؟ وما نشهده منذ سنوات من استغلال لغياب المختبر المركزي لفحص أيّ دواء يدخل إلى لبنان، وبالتالي أقولها بالفم الملآن أنّ سوق الدواء في لبنان غير آمن إلى حدّ ما، (الأمن الدوائي شبه مفقود في لبنان).
 
وقد زادت هذه الظاهرة في الآونة الأخيرة نتيجة تسلسل التهريب الممنهج، وغياب الرقابة وانهيار الليرة اللبنانية.
 
 
وعن الأدوية الملوثة والفضائح السابقة، يذكر سكرية أنّ "اللائحة تطول، وبالعودة إلى العام 2007 كشفتُ عن وجود حقن سرطان من ماء وملح تسبّبت في وفاة مريضتين، وقد بلغت كلفة الحقنة الواحدة حوالى 2000 دولار. ولا ننسى دواء الـplavix الذي أدّى إلى وفاة ابن الـ 45 عاماً لأنّه كان مزوّراً بنسبة 40 في المئة. وفي العام 2008، أعطى طبيب سرطان الأطفال نصف الحقنة فقط حتى يبيع النصف الآخر من الجرعة، ورغم  إحالته إلى التفتيش المركزي والقضاء، إلّا أنّه بدعم من أحد الأحزاب تمّ نقله إلى مكان آخر من دون محاسبة".
 
وسنبقى نسمع بهذه الفضائح والجرائم التي تُرتكب في حقّ المرضى، طالما أنّه في أيام العزّ ووجود الدولة كنّا نُسجّل انتهاكات، فكيف في هذا الوضع وفي ظلّ انهيار الدولة والفوضى والتهريب.
 
التجارب السابقة كانت كفيلة في أن تجعل سكرية مقتنعاً أنّه "لن يصدر قراراً قضائياً، وقضية منى بعلبكي ومستشفى الحريري مع الأدوية الهندية التي تسبّبت بوفاة عدد من المرضى أكبر دليل على غياب المحاسبة والمحاكمة."
 
وعن خطورة تلقّي أدوية ملوّثة بالبكتيريا، يشرح رئيس مركز أبحاث الأمراض الجرثوميّة في الجامعة الأميركية والاختصاصيّ في طبّ الأطفال البروفيسور غسان دبيبو لـ"النهار" أنّ "بكتيريا الزائفة الزنجارية (Pseudomonas aeruginosa) التي وجدت في الدواء تعيش عادة في الأماكن الرطبة أو في الماء، وتعتبر سبباً مكرّراً لتلوث معدات وأمصال طبية وحتى أدوية في العالم. وهذه ليست المرة الأولى التي يُسجّل فيها تلوّث بهذه البكتيريا لمادة تستخدم في العناية الطبية."
 
وعادة تكون هناك إجراءات مشدّدة للحفاظ على جودة الأدوية للتأكّد من عدم وجود أيّ مكوّن خارج عن تركيبة الدواء، بما في ذلك الميكروبات التي قد تُسبّب مشاكل صحية. لذلك ليس مفاجئاً أن نسمع بهذه الحادثة، خصوصاً اذا كان تصنيع الدواء يُجرى في مكان يفتقر إلى معايير الجودة العالية، كما أنّ غياب المختبر المركزيّ يمنع مراقبة وفحص الأدوية التي تدخل البلد".
 
 
وعن خطورة هذه البكتيريا، يؤكّد دبيبو أنّه "في حال إعطاء الدواء عبر الوريد لطفل حتّى لو كان سليماً يمكن أن يؤدّي إلى التهابات حادة في الدم قد يكون خطيراً وقاتلاً في حال عدم معالجته سريعاً. فهذه البكيتيريا تُسبب التهابات حادّة في الدم خصوصاً عند الأطفال (مرضى السرطان أو أمراض الروماتيزم أو يتناولون أدوية تُضعف المناعة)، وكبار السنّ الذين يعانون من ضعف المناعة.
 
والسخرية أنّ هذا الدواء يُضعف المناعة وبالتالي نحن أمام نتيجتين كارثيّتين: فهو من جهة يُضعف المناعة ومن جهة أخرى يعطي الدواء الملوّث بكتيريا تستغلّ ضعف المناعة لتُسبّب مشاكل صحية خطيرة، وهذا ما يُفسّر خطورة هذا الدواء."
 
والجدير بالذكر أنّ هذا الدواء عادة يُعطى لمرضى سرطان الأطفال أو لعلاج روماتيزم الأطفال للسيطرة على العوارض.
ويشدّد دبيبو على أنّ "الأطفال الذين تلقّوا الدواء الملوّث، يجب أن يتلقّوا بسرعة علاجًا مباشرًا بأدوية مضادة للالتهابات تعالج هذه البكتيريا. وعليه، إذا أُعطيت في الوقت المناسب، في أولى ساعات الالتهاب، يكون التجاوب ممتازاً.
 
 
 
وعن العوارض التي تُسجّل بعد تلقّي الجرعة الملوثة، فهي تظهر وفق دبيبو خلال ساعات بعد تلقيها، لأنّ إعطاءها في الوريد يؤدّي إلى انتقال البكتيريا في الدم وتكاثرها. وأبرز هذه العوارض تتمثل بارتفاع في الحرارة، التعرّق، رجفة قوية، هبوط في الضغط وتسارع في دقّات القلب، وفقدان الوعي وضيق في التنفّس.
 
أمّا في حال إعطائه على شكل حبوب، فالوضع يكون أرحم لأنّ هذه البكتيريا تدخل عبر الفم وعادة لا تُسبّب مشاكل إذا كانت الحموضة جيدة في المعدة، ولا يأخذ المريض أدوية مضادة للحموضة. وقد تُسبّب البكتيريا مشاكل اذا كان المريض يعاني من جروح في المريء أو المعدة أو المصران الدقيق، في حال كانت الكمية المأخوذة كبيرة. ولكنّ المشكلة تكون أكبر عند إعطاء الدواء في الوريد.
 

أمّا بالنسبة إلى نقيب الصيادلة الذي دعا منذ فترة إلى تشديد الرقابة على الأدوية المهربة، ومعظمها مغشوش وغير آمن، يؤكّد لـ"النهار" إلى أنّ "المهمّة الأساسيّة اليوم أن تواصل وزارة الصحة متابعاتها في هذا الملفّ لمعرفة عدد العبوات الموزّعة والتي دخلت الأراضي اللبنانية بطريقة غير شرعية، وبعضها منتشر في المستشفيات. كما يجب معرفة عدد الأطفال الذين تلقّوا هذا الدواء، خصوصاً أنّ هذه البكتيريا الموجودة في هذا المنتج خطيرة وقد تُسبّب الوفاة بنسبة 61 في المئة للأطفال الأصحّاء"
وعليه، يرى سلّوم أنه "يجب اتّخاذ الاحتياطات اللازمة والسريعة في هذا الموضوع، وما جرى هو تأكيد لما نادينا به سابقاً حول خطورة الأدوية المهرّبة والمغشوشة التي تدخل إلى الأسواق اللبنانية، والتي قد تكون قاتلة وتُسبّب وفاة المرضى.
 
ويشير نقيب الصيادلة إلى أنّ "هذه العبوات تُعطى في المستشفيات لأنّها تُحقن في الوريد، وقد يُسلّم التاجر الدواء من خلال التهريب غير الشرعي وغالباً عبر شنط مغلقة، وما جرى أنّ الطفل الذي تلقّى الدواء عانى من آثار جانبية، حيث بلّغت المستشفى الوزارة ومنظمة الصحة العالمية لمعرفة ملابسات ما جرى".
 
وما يتخوّف منه سلّوم أنّ هذه الحادثة ظهرت إلى العلن وهي رأس الجليد لما هو أخطر، وكلّ فترة نسمع بوجود أدوية سرطانية مزوّرة أو مغشوشة وغير آمنة، وبالتالي هذا جزء من كلّ.
 

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم