الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

أزمة الفريش دولار وعمليات التلقيح الصناعي في لبنان... "أمومة معلّقة"

المصدر: النهار
ليلي جرجس
ليلي جرجس
حلم الأمومة معلّق في لبنان.
حلم الأمومة معلّق في لبنان.
A+ A-
سنتان مضتا على زواج هالة، ولم تنجح محاولاتها في الحمل وإنجاب طفل. هذا الحلم الذي كانت تنتظره يوماً بعد يوم بدأ يخفت نجمه مع الأزمة الاقتصادية. الوقت ليس لصحالها، فهي أسيرة الوقت والمال، لأنها تعاني من مشكلة صحية تحتاج إلى متابعة طبية ومحاولات عدّة. لم يعد الموضوع محصوراً بقدرتها على الإنجاب بل بالتكلفة الماديّة التي عليها أن تدفعها لتحقّق حلم الأمومة.

تروي هالة لـ"النهار" أنها كانت في مراجعة لطبيبها النسائي للبحث في الخيارات المتاحة، "فمنذ سنتين نحاول إنجاب طفل ولم يُكتب لمحاولاتنا النّجاح. وبعد استشارة الطبيب تبيّن أنّني أعاني من تليّف في الرّحم، بالإضافة إلى وجود ثآليل، وأحتاج إلى استئصالها حتى لا تتحوّل إلى خطر سرطانيّ. أعرف أنّني لستُ في مرحلة حرجة من عمري، لكنّني لا أملك كلّ الوقت نتيجة مشكلتي الصحيّة، التي قد تعاود، ولا يمكن لأحد أن يعطي ضمانات".

وتُضيف "عمري 34 عاماً فقط، وأعرف أن الوقت أصبح عدويّ الآن، لأنّني لستُ أحارب فقط وضعي الصحيّ، وإنما أحارب الوقت لتأمين المال حتّى أتمكّن من الخضوع لعملية التلقيح الصناعيّ (IVF). فالطبيب أمهلني 6 أشهر لإجرائها قبل أن تسوء حالة الرحم، ممّا قد يؤدّي إلى خسارته بالكامل".

هكذا وجدت هالة نفسها مقيّدة بحلم أمومتها المعلّقة بين أملها في أن تصبح أماً يوماً ما وبين الوقت والتكلفة المحدودة بأشهر قبل أن تفقد فرصتها. الأمر ليس سهلاً؛ فرغبتها في الإنجاب تجتاحها، وتسعى، لكنّها لا يمكن أن تتجاهل حقيقة الواقع. هي مدركة تماماً أنها لا تملك ثمن هذه العملية، كما لا تملك الوقت كلّه حتى تؤجّل تحقيق حلمها إلى السنوات المقبلة، وهي عالقة هناك لا تملك سوى الدّعاء والأمل.
 
 

وتشرح هالة أن "تكلفة العملية تبلغ نحو 2000$ فريش وتشمل الدواء والتلقيح، إلا أن راتبي وراتب زوجي ما زال على الليرة اللبنانية، وليس سهلاً تأمين هذا المبلغ في هذه الظروف، خصوصاً أن لديك فواتير ومدفوعات شهريّة لا يُمكن تأجيلها. لذلك، لن أفقد الأمل، وسأحاول، وفي حال لم أنجح سيكون علينا أن نبحث عن أمل آخر، سواء بالتبنّي أو بالتخلّي عن فكرة إنجاب طفل".

وتعترف هالة بأنّ "من الصعب أن تعلّقي حلمك فقط لأنك لا تملكين المال، أو لأنّ الظروف الاقتصادية في البلد وأزمة الدولار تحول دون تحقيق ذلك. لم نكن في الماضي نعاني من هذه المشكلة. كانت مشكلتي صحيّة، ونجحت في معالجتها، أمّا اليوم فالموضوع متعلّق بالتكلفة، بالإضافة إلى أن لا ضمانة في نجاح التلقيح من المرة الأولى.
سنمضي سوياً، أنا وزوجي في هذا المشوار، وسنبقى معًا بغضّ النظر عن إمكانية إنجاب الطفل. نحن نحبّ بعضنا، ولن يقف شيء بوجه حبّنا. سنحاول، ولن نيأس، وسننتظر ما سيخبّئه لنا الغد".

وعن تكلفة الـIVF والفروقات بين مرحلة ما قبل الأزمة واليوم، تؤكّد مستشارة العقم عند الرجال والنساء الدكتورة جيسيكا عازوري، في حديثها لـ"النهار"، بأن "تكلفة عملية التلقيح كانت تبلغ نحو 2500 $، إلا أننا شهدنا تغيّرات عدّة في بداية الأزمة، حين بدأنا نُقسّم هذه التكلفة بين 500$، ويكون باقي المبلغ بالليرة اللبنانية. ولكن بعد أن اشترط المستوردون الدفع لهم بالدولار، أصبحنا مضطرين إلى زيادة التعرفة بالدولار، وبالتالي قسّمت التكلفة مناصفة بين ليرة لبنانيّة والدولار".

ومع ذلك، تُشير عازوري إلى أننا "نعيش في هذا البلد، ونعرف تماماً ما يمرّ به المواطن. لذلك لن يقف المال عائقاً أمام ثنائيّ يسعيان إلى إنجاب طفل. وبالتالي، يجري الثنائي عمليّة التلقيح، ويدفع قسمًا من التكلفة، ويستكمل الباقي تباعًا حسب قدرته الشهريّة".
 

تشدّد عازوري على أن "التحدّي اليوم يتمثّل في إبقاء المتخصّصين في لبنان، ومنعهم من الهجرة إلى الخارج، بعد حصولهم على فرص عمل جيّدة. لذلك، علينا أن نحفّزهم على البقاء من خلال تقديرنا لجهودهم، وإنصافهم أيضاً بالرواتب؛ وهذا ما يحتّم علينا الزيادة حتى نتمكّن من تسيير العمل والبقاء في هذا البلد".

ما تتحدّث عنه، لا يختلف عمّا يشرحه الاختصاصيّ في العقم وطفل الأنبوب الدكتور برنار كساب في حديثه لـ"النهار"، حيث يقول إن "نسبة الإقبال على التلقيح الصناعي تراجعت بنسبة 30-50%، لا سيما أن نسبة نجاحها من المرة الأولى لا تتخطّى الـ50%، في حين انخفضت نسبة الإنجاب الطبيعي إلى 20%".
 
ومع ذلك، يؤكّد أن "التكلفة انخفضت في ميدان التلقيح الصناعي بنسبة 30-40% عمّا كانت عليه سابقاً، ولكن تكلفة الدواء ارتفعت بعد رفع الدّعم أكثر تكلفة التلقيح الصناعي".

ويشير كساب إلى أن الموضوع ليس مرتبطًا بمشكلة واحدة، وإنّما بمشكلات عدّة، منها سنّ المرأة (خصوصاً في سنّ الأربعين حين تتراجع حظوظها في الحمل)، والأزمة الاقتصادية التي أثّرت على شريحة لا بأس بها في قدرتها على إجراء عمليّة التلقيح. ولكن لا يُمكن تعميم التكلفة على الجميع، فالخدمة والعمل الطبيّان يختلفان بين مركز وآخر، وتختلف التكلفة بين نوع جراحة وأخرى. ولكننا لمسنا حقيقة تراجعاً في الإقبال، ونتفهّم الأمر، لأن التكلفة أصبحت أكبر من قدرة كثيرين على تحمّلها".

 
 
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم