الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

هل نخاطر بالعودة إلى المدارس؟ أطبّاء لـ"النهار": "لا للتسرّع فالوضع الوبائي لا يزال مقلقاً"

ليلي جرجس
ليلي جرجس
تصوير حسن عسل.
تصوير حسن عسل.
A+ A-
أثار إعلان وزارتي الصحّة والتربيةاللبنانيتين الخطّةَ الصحّية، التي ستواكب إعادة فتح القطاع التربوي في نهاية شهر شباط، خوفاً وقلقاً في ظلّ التفشّي الوبائي في لبنان. 
 
وقد أظهرت دراستين لبنانيتين أنّ معظم الحالات التي تم تسجيلها أخيراً تعود إلى السلالة الجديدة المتحوّرة لفيروس كورونا. وهذا ما يفسّر التفشّي الكبير الحاصل، بالإضافة إلى ما شهدته الأعياد من تجمّعات. وبرغم تأكيد المعنيين التزامهم المعايير والإجراءات الأساسية في المدارس والكلّيات، وفرض التباعد ووضع الكمامات، والإبلاغ عن الحالات وعزلها قبل الذهاب إلى المنزل، إلّا أنّ ما شهدناه من انتهاكات وعدم الإبلاغ عن كلّ الحالات التي سُجلت في بعض المدارس يثير هواجس عند الكثيرين.
 
هل يكفي إجراء الفحص السريع لتفادي الكارثة الصحّية؟ بات معلوماً أنّ المنظمات الدولية قدمت ثمانين ألف فحص سريع لخدمة القطاع التربوي. فهل يكفي ذلك لحمايته؟ صحيح أنّ الحديث عن تأمين خمسين ألف لقاح من استرازينكا للقطاع التربوي، كبادرة أطلقتها الجامعة اللبنانية، يُعطي الأمل في زيادة الجهود للوصول إلى المناعة المنشودة، لكن إلى حين تحقيق ذلك مَن يضمن الالتزام بكلّ المعايير في ظلّ الفوضى التي شهدناها في بعض المدارس والكلّيات؟
برأي وزير التربية في حكومة تصريف الأعمال طارق المجذوب أنّ "تعليم الأونلاين غير كاف. وهناك حاجة ملحّة للعودة إلى المدارس والتعليم المدمج". وهذا يستدعي تلقيح الأساتذة والطلّاب، وخصوصاً مَن هم في الصفوف الثانوية، داعياً أن تكون السياسة في خدمة التربية لا العكس.
 
هذا الإلحاح للعودة إلى التعليم المدمج يُقابله تخوّف بعض الأطبّاء والأهالي في ظلّ المسار الوبائي الذي ما زال غير مستقر، فمؤشرات تفشّي الفيروس ما زالت مقلقة، وخصوصاً نسبة الفحوص الإيجابية التي ما زالت مرتفعة برغم انخفاض الإصابات اليومية. فكيف يُقيّم الأطبّاء هذا القرار؟ 
 
ما زلنا في خطر
يشرح رئيس قسم العناية الفائقة في مستشفى الجامعة الأميركية في بيروت والأمراض الصدرية، الدكتور بيار بو خليل، أنّ "عودة المدارس تعني الاختلاط. وعليه، كلما انتظرنا أكثر كان ذلك أفضل. حسب توصيات الـCDC يجب أن يكون معدّل الإصابات دون 10 على 100 ألف خلال 7 أيام، حتى يكون الخطر قليلاً، أما في لبنان فهناك 2000-3000 على 6 ملايين، ما يعني أننا ما زلنا في منطقة الخطر". 
وعن فتح المدارس في ظل حملة التطعيم التي بدأت، يشدّد على أنّ "كمية اللقاح التي وصلت إلى لبنان ضئيلة ولن تؤثر على مسار الوباء، فيُفضَل عدم فتح المدارس إلّا عندما يصبح عدد الإصابات أقل من 600، وما زلنا بعيدين عن هذا الرقم في الوقت الحالي". إذاً فتح المدارس سيزيد خطر انتقال الفيروس.
بين التحدّيات والاستثناءات
أما إذا انخفضت الأعداد وكان لا بدّ من العودة إلى المدارس، فعلينا أن نعرف أنّ على القطاع التربوي الالتزام بالإرشادات الوقائية بأقصى الدرجات، وضمان عدم تشارك الكتب والأغراض المدرسية. "لذلك، لاتخاذ خيار فتح المدارس يجب السيطرة على الفيروس أولاً، ودراسة وضع كلّ مدرسة على حدة. لأننا نعلم أنّ هناك مدارس مجهّزة، فيما المدارس الأخرى غير مجهّزة وغير قادرة على التماشي مع الإجراءات والإرشادات الوقائية".
وأشار إلى أنّ "التعليم داخل الصفّ يحتاج إلى تهوئة مستمرّة (علماً أنّ التهوئة في فصل الشتاء أصعب من فصل الربيع والصيف). لذلك علينا أن نكون متيقظين وحذرين في كيفية تطبيق كلّ المعايير، سواء في عدد الطلّاب داخل الصف أو النظافة المستمرة أو التهوئة. لأنّ شخصاً واحداً مصاباً يمكن أن ينقل العدوى لزملائه".
 
تفاوت في التجهيزات بين المدارس
طالب وزير الصحّة بتطعيم القطاع التربوي في المرحلة الثانية لا الثالثة، لأنّ التربية توازي أهميّتها الصحّة. هل تؤيّد تطعيم الطلّاب والأساتذة؟ برأي بو خليل أننا "بحاجة إلى تطعيم 70-80% من سكان لبنان للوصول إلى المناعة الجماعية وتأمين الحماية المنشودة من الفيروس. وإذا تعذّر الوصول إلى هذه النسبة فسيظل الفيروس متحوّراً وينتشر في المجتمع. ومع ذلك، تستند الأولوية التي وضعتها وزارة الصحّة إلى توصيات منظمة الصحّة العالمية، ويجب احترامها وعدم خرقها لأيّ سبب من الأسباب".
من ناحية أخرى، لم تقفل معظم الدول المدارس في المرحلة الأولى بل عند اشتداد الموجة الثانية من الفيروس. إلا أنّ الاختلاف بيننا وبينهم هو أنّ المدارس عندهم مجهّزة أكثر مقارنة بالمدارس اللبنانية، التي تتفاوت تجهيزاتها بين واحدة وأخرى. 
يقول بو خليل: "أنا مع فتح المدارس لكن ليس في الوقت الراهن. وأرى، شخصياً، أنّ من المبكر اللجوء إلى فتحها اليوم في ظلّ تفشي الوباء في لبنان. لذلك يجب انتظار انخفاض الأرقام إلى ما دون الألف إصابة يومية حتى يقلّ الخطر. ويبقى الأهمّ العودة إلى كلّ مدرسة، ودراسة مدى قدرتها وتجهيزاتها لتكون العودة إليها آمنة، وتحصل على استثناء فتح أبوابها. إلا أنّ ذلك يتطلب جهداً وعملاً إضافياً، لتحديد المدارس التي يمكن أن تفتح وتلك التي يجب أن تُبقي التعليم عن بُعد. لأنّ قرار فتح كلّ المدارس بشكل كامل سيؤدي إلى ارتفاع الخطر، ولا نريد تكرار السيناريو الذي حصل في الأعياد".
 
مخاوف مشتركة
ما يتخوّف منه بو خليل، يؤكده الاختصاصي في الأمراض الجرثومية الدكتور بيار أبي حنا، الذي عبّر لـ"النهار العربي" عن هواجسه وقلقه من هذه الخطوة في هذه المرحلة. يقول: "فتح المدارس في هذا الوقت فيه مخاطرة، وخصوصاً أننا بدأنا نلمس انخفاضاً في عدد الإصابات. فهل علينا المخاطرة في ارتفاع الأرقام من جديد. يُفضّل عدم اتخاذ قرار العودة إلى التعليم المدمج قبل انخفاض نسبة الفحوصات الإيجابية، لأنّ النسبة ما زالت مرتفعة. وبالأمس بلغت 19%، وهذه النسبة لا تزال مرتفعة ومؤشر مقلق للتفشّي الوبائي المجتمعي.
وأشار إلى أنه "في أميركا أظهرت دراسة، أنّ المدارس التي فتحت أبوابها وفق معايير وإجراءات وقائية صارمة منعت انتقال العدوى من المدرسة إلى المجتمع. لكن هل لدينا القدرة على تطبيق التدابير الصارمة والقاسية التي طُبّقت في أميركا. وضعنا في لبنان مختلف وغير متشابه. من المهمّ معرفة أنّ الموضوع قابل للتنفيذ، ولكنه يتطلب جهداً وإمكانات لتأمين هذه التجهيزات الوقائية. نعرف أنّ هناك بعض المدارس لا تملك التجهيزات التي تتلاءم مع متطلبات الوقاية والحماية من الفيروس، وعلينا العودة إلى واقعنا اللبناني للبحث وتطبيق معايير السلامة".
 
لعدم التسرّع
لذلك ينصح أبي حنا بعدم "التسرّع في العودة إلى المدارس، وخصوصاً في ظل التحورات التي شهدناها في الآونة الأخيرة للفيروس، وإن اتُخذ قرار العودة يجب أن يكون القرار مدروساً".
أما التطعيم، فيؤكد اختصاصي الأمراض الجرثومية أنه "إذا أرادوا فتح المدارس يجب تطعيم القطاع التربوي دون شك، للتخفيف من مخاطر انتقال العدوى. مع العلم أنّ اللقاح يُعطى لمَن هم فوق الـ16 عاماً. لذلك من المهمّ وضع كلّ السيناريوهات المحتملة ودراستها، وضمان كلّ الإجراءات الوقائية بشكل صحيح للعودة إلى المدارس. ويبقى الأهمّ عدم التسرّع في هذه المرحلة، لأننا لا نريد تكرار ما حصل في الأسابيع الماضية". 
فهل ننجح في هذا التحدّي؟ الجواب في الأيام المقبلة!
 
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم