الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

"السيناريو الايطالي" في لبنان... أطباء يفنّدون عبر "النهار" الحقيقة والوهم

المصدر: النهار، كارين اليان وليلي جرجس
ما حقيقة الوصول إلى السيناريو الإيطالي في لبنان؟
ما حقيقة الوصول إلى السيناريو الإيطالي في لبنان؟
A+ A-

 

"هذه الليلة كارثية شبيهة بالسيناريو الإيطالي" تغريدة من طبيب في الجامعة الأميركية أثارت خوفاً وتساؤلات كثيرة، وما تحدث به أكد عليه طبيب آخر في مستشفى اوتيل ديو الذي كشف اننا "امام كابوس، احموا أنفسكم".


هذه الليلة لا تُشبه أي ليالٍ أخرى "حتى الساعة خلال مناوبتي الليلية، ثلاثة مرضى أدخلوا العناية الفائقة في وحدة الكوفيد أحدهم اصبح تحت التنفس الإصطناعي. والسهرة بعدها بأولها #الكوفيد_حقيقة". هذه التغريدات التي كتبتها كل من الطبيبين لم تنجح في إيصالنا إليهما، الأول محا تغريدته فيما الثاني لم يتحدث وتم تحويلنا إلى طبيب آخر للحديث في حالة المستشفيات وحقيقة الوضع الكارثي


أسئلة كثيرة طُرحت، هل هناك محاولة لإخفاء الحقيقة أم مبالغة في الوصف؟ الإتصالات التي أجريت مع أطباء ومتخصصين في الأمراض الجرثومية في مستشفيات مختلفة تؤكد أن وضع لبنان لا يُشبه السيناريو الإيطالي، وحتى الإسباني برغم من توصيف وزير الصحة بالأمس أننا أقرب إلى هذا السيناريو بسبب ارتفاع الإصابات بهذه الوتيرة المخيفة

 

وبعدما استطاع لبنان احتواء الوباء في مرحلته الأولى، ترتفع في الفترة الأخيرة أعداد الإصابات بشكل مرعب. يدخل اللبناني في نفق جديد يجهل إلى اين يمكن أن يودي به في ظل مخاوف من تكرار المشهد الإيطالي مع كورونا وعدم قدرة المستشفيات على استيعاب الاعداد المتزايدة. المعدلات تتزايد في وتيرة متسارعة وتأتي تصريحات بعض الأطباء في وسائل الإعلام ووسائل التواصل الإجتماعي لتزيد من مخاوف اللبنانيين وقلقهم على المرحلة المقبلة.

 

فماذا كشف الأطباء لـ"النهار"، وهل الوصف يختلف عن أرض الواقع في مستشفيات لبنان؟

 

 

د. سهى كنج: لا يمكن المقاربة بين لبنان والسيناريو الإيطالي!


توضح رئيسة قسم الأمراض الجرثومية في مستشفى الجامعة الأميركية في بيروت الدكتورة سهى كنج في حديثها لـ"النهار" أن هناك بعض الأطباء الذين وصفوا الوضع الطبي في المستشفيات بالسيناريو الكارثي، وهذه مبالغة ولا يجوز المقارنة. في الواقع لا أوافق الحديث أو الآراء التي تقول اننا وصلنا إلى السيناريو الإيطالي ولم نصل بعد إلى قرار اختيار المريض الذي يجب ان يعالج والمريض الذي نتوقف عن اسعافه أو ننزع عنه الجهاز التنفسي
صحيح أن الأرقام في لبنان مخيفة جداً وترتفع في وتيرة متزايدة وهذا ما يدفعنا إلى الحذر أكثر ولكن التشبيه بالسيناريو الإيطالي غير دقيق أقله في المرحلة الحالية، ولم نصل بعد إلى مرحلة ترفض فيها المستشفيات علاج مرضى. وما يحصل اليوم أن هناك مستشفيات ترفض استقبال المريض لأنها غير مجهزة لمعالجة كورونا ويتمّ تحويل المريض إلى مستشفى متخصص لمعالجة كورونا، أو عدم وجود أسرة في هذا المستشفى وحالة الشخص لا تستدعي المعالجة في المستشفى ويمكن معالجة حالته في المنزل
في حين أن الواقع في إيطاليا كان مختلفاً حيث كان يقرر الطاقم الطبي من يتلقى العلاج من المرضى ومن يجب تركه ليموت
بالإضافة إلى أن هناك مستشفيات خاصة عدة لم تأخذ مسؤولية تحضير وتجهيز معالجة كورونا، ولكن بعد صدور قرار من وزارة الصحة فرض على كل المستشفيات الخاصة تخصيص أسرة لمرضى كورونا وتدريب الطواقم الطبية لتحمل هذا العبء والمشاركة في هذه المعركة. ونأمل متابعة تطبيق هذه القرارات، وأدعو وزارة الصحة والمسؤولين التأكد على أرض الواقع من معالجة هذه المستشفيات لمرضى الكورونا


أما بالنسبة إلى مرضى العناية الفائقة فتتراوح أعمارهم بين 50 والـ80 وهم يعانون من أمراض او مشاكل صحية أو هم كبار السن وقد نُقلت العدوى منهم من أحد افراد أو العاملين في المنزل. وتبقى هناك حالات استثنائية للشباب احتاجوا العناية الفائقة ويعانون من السرطان او يتناولون أدوية تخفض المناعة أو لديهم مشاكل صحية. ويحتاج المريض في العناية إلى البقاء لأيام طويلة وأحياناً اكثر من شهر للتعافي، وغالبية المرضى يعانون من نقص الأوكسجين، بينما يحتاج جزء منهم إلى غسيل الكلى والذي يُشكّل ضغطاً إضافياً في القطاع الاستشفائي والصحي

د. عبد الرحمن البرزي: السيناريو اللبناني لا يُشبه أي سيناريو آخر في العالم

 
برأي الاختصاصي في الأمراض الجرثومية الدكتور عبد الرحمن البزري أنه "لدينا سيناريو لبناني واضح، فعندما لجأنا إلى الحجر بعد ظهور الفيروس في لبنان واكتشاف الحالات، وبرغم من الجهود الحثيثة والمانحين إلا أننا لم نشهد على تجهيز المستشفيات الخاصة كما كان مفروضاً. وعند العودة إلى الحياة وفق القيود لمسنا التفلت في الإلتزام
أما بالنسبة إلى تشبيه لبنان بالسيناريو الإيطالي فهذا غير دقيق وكلاهما مختلف، في ايطاليا كان حجم الكارثة كبيراً بداية حيث لاحظنا زخماً كبيراً ولمسوا حجم المشكلة حيث ظهر تفشي الفيروس في المستشفيات نتيجة الحالات الكبيرة التي لجأت إلى طلب الرعاية الطبية
كما أن الهرم البشري مختلف، ففي لبنان القاعدة الكبيرة مؤلفة من الفئة الشبابية في حين أن القارة الأوروبية معروفة بكبار السن
أضف إلى ذلك، أن ايطاليا مع كل خطورة وضعها كان لديها مقومات النهوض، في حين للأسف في ظل الظروف السياسية والاقتصادية يصعب الاستنهاض بهذا البلد خصوصاً في القطاع الصحي والمالي.
إذاً، وضعنا في لبنان دقيق، وباتت الأرقام اليومية المسجلة عادية بالنسبة إلى الناس


مشيراً إلى أن "الإستعدادات الطبية لم تتماشَ مع حجم الأرقام، نشهد تقاذفاً وجدلاً في تحمل المسؤولية، وقد حوّلت المستشفيات الخاصة اشكالية عدم مشاركتها في معركة كورونا من تقصير في الإستعدادت إلى عجز مالي. لقد حوّلت النقاش من طبي إلى مادي، وهم يديرون الأزمة من باب تجاري وليس طبياً.
علماً أن هناك بعض المستشفيات التي تضع حوالى 20 إلى 30 مريضاً على لائحة الإنتظار للمعالجة من #كورونا، في حين ترفض مستشفيات خاصة أخرى في توسيع اقسام لمعالجة مرضى الكورونا. ونتيجة ارتفاع الإصابات بهذه الوتيرة السريعة والكبيرة يصبح المرضى الذين يحتاجون إلى الرعاية الطبية والدخول إلى العناية الفائقة أكبر


د. بيار إده : النقص في الطاقم التمريضي المخصص لمعالجة مرضى كورونا 

يؤكد رئيس قسم العناية الفائقة والإختصاصي في الأمراض الصدرية والإنعاش في مستشفى سيدة المعونات الجامعي الدكتور بيار إدّه في حديثه لـ"النهار" أننا لم نصل بعد إلى المشهد الإيطالي ولكن متخوفون منه لأننا شاهدنا ما جرى هناك وكيف كان المرضى ينتظرون في أروقة المستشفيات لتلقي العلاج، والاختيار بين من يعيش ومن يموت
لقد وصلنا إلى القدرة الإستيعابية للجهاز الطبي والتمريضي وعدد الأسرة، والمشكلة اليوم تكمن في النقص في الممرضين والمساعدين لهم لمعالجة مرضى الكورونا وليس في أجهزة التنفس. لذلك علينا أولاً تأمين الطاقم الطبي والأسرّة قبل الحديث عن السيناريو الإيطالي وعدم وجود أجهزة تنفس كافية للمرضى
أما بالنسبة إلى المرضى الموجودين اليوم في العناية الفائقة في مستشفى المعونات فتتراوح أعمارهم بين الـ45 والـ90 عاماً، ومعدل مكوثهم في العناية حوالى 20 يوماً ، ولا يمكن انتزاع الجهاز التنفسي ونقله إلى غرفة عادية، لذلك يحتاج إلى مراقبة لأنه لا يزال ضعيفاً ويتطلب متابعة طبية قبل التأكد من إمكانية نقله إلى غرفة عادية لا تُشكّل خطراً عليه
في الموجة الأولى سجل لبنان نسبة وفيات بين 2.3 و3% في حين بلغت في بعض الدول 8%، أما ما نشهده اليوم لا يتخطى الـ1% . لعبت الحرارة دوراً في التقليل من حدّة الفيروس، وعلينا إنتظار الخريف والشتاء والوقت سيكشف لنا إذا أصبح الفيروس ضعيفاً أم أن خبرتنا في معالجة الحالات أقوى.

 

مستشفى "أوتيل ديو دو فرانس"

 

قد يختلف المشهد بين المستشفيات وتحديداً بين المستشفيات الخاصة وتلك الحكومية وفق ما يوضح المدير الطبي في مستشفى "أوتيل ديو دو فرانس" الدكتور جورج دبر، إذ يبدو "الحديث بهذه الصورة عن أوضاع المستشفيات عامةً في ما يتعلّق بكورونا غير دقيق. فلا يمكن القول إن المستشفيات تتخطى قدرتها الاستيعابية وقد لا تعود قادرة على استقبال المرضى". فيحرص على التمييز بين المستشفيات الخاصة وتلك الحكومية وأيضاً بين المستشفيات الخاصة التي خصصت قسماً منها لمرضى كورونا وتلك التي لم تفعل لأسباب عديدة. فمن أصل 150 مستشفى لا يتخطى عدد تلك التي خصصت أقساماً لكورونا الـ10 أو 15 مستشفى. ولم تقتصر الرعاية التي تقدّم هنا على مرضى كورونا بل تستمر خدمات هذه المستشفيات الباقية بشكل طبيعي كما في الايام العادية لاعتبار أنه لا يمكن أن تتوقف عن تقديم الرعاية الطبية لباقي المرضى. أما المستشفيات الصغيرة فلم تشارك في استقبال مرضى كورونا لأسباب مختلفة. وفي ما يتعلّق بمستشفى أوتيل ديو، فيتوافر 15 سريراً لكورونا و6 للعناية الفائقة. مع ارتفاع أعداد الإصابات بهذا الشكل الكبير، تم العمل على زيادة أعداد الأسرة لتصل إلى 30 وفق ما يوضحه دبر. ويؤكد أنه من شهر آذار الماضي تحضرت المستشفيات لجائحة كورونا وحينها لم تكن الخطورة أقل مما هي عليه في المرحلة الحالية. إلا أن عدد الحالات اليوم أكثر بكثير مقارنة بالسابق. لكن حتى اليوم ثمة حالات كثيرة تتعافى وتخرج من المستشفى ونسبة عالية من المرضى الذين لا تظهر لديهم أعراض المرض.

ووفق ما يوضح دبر، لا يمكن التحدث عن عدم قدرة المستشفيات على استقبال المرضى لان المستشفيات المعنية خصصت أقساماً خاصة لكورونا وهي لا تستقبل مرضى كورونا حصراً، فيما تستمر الجهود لزيادة القدرة الاستيعابية لاستقبال أعداد كبرى من المرضى إذا كانت هناك حاجة لذلك.

 

مستشفى سيدة المعونات

في حديثه مع "النهار"، أوضح المدير الطبي لمستشفى سيدة المعونات في جبيل الدكتور زياد خوري أن أعداد الإصابات في تزايد ملحوظ في الفترة الأخيرة وهذا ما يبدو واضحاً من معدلات النتائج الإيجابية المتزايدة من معدل الفحوص العام الذي يجرى مقارنة بالسابق. فمن الواضح أن أعداد الإصابات يزيد على الأرض وفق ما تظهره الفحوص. ووفق ما يوضحه خوري، كان مستشفى سيدة المعونات من أوائل المستشفيات التي نظمت نفسها تحضيراً لاستقبال المصابين بكورونا فخُصص فيها مبنى كامل لكورونا مع مختبرات في خارج حرم المستشفى ومركز استشارات أيضاً مخصص لكورونا. ولا يبدو بالنسبة لخوري أن المشكلة في أعداد الأسرة التي يمكن أن تستقبل المرضى على اعتبار أن ثمة أعداداً كافية منها. في المقابل، تكمن المشكلة في عدم توافر أعداد كافية من الطاقم الطبي. فيشير إلى ان المستشفى لا يجبر أحداً من الطاقم الطبي على العمل في قسم كورونا فهذا الموضوع اختياري وقد يتخوف البعض من العدوى لهم أو لعائلاتهم. كما أن الأزمة الاقتصادية دفعت البعض غلى الرحيل مما ساهم أكثر بعد في تناقص أعداد العاملين.

وبالنسبة إلى الأسرة المخصصة لكورونا حالياً فهي ممتلئة دائماً ولا يمكن العمل على زيادتها على الرغم من ان ذلك ممكن لعدم توافر الطاقم الطبي اللازم لتقديم الرعاية للمصابين. فالمستشفى قادر على زيادة أعداد الأسرة المخصصة لكورونا وثمة مساعٍ لذلك لكن إذ يحتاج كل قسم إلى 4 ممرضات مثلاً يتبادلن الدوامات بين الليل والنهار إضافة إلى الأطباء. ثمة حاجة إلى زيادة أعداد الاسرة لكن يجب أولاً زيادة أعداد العناصر من الطاقم الطبي لاستقبال المزيد من المرضى، وفق ما يوضحه خوري.

 

مستشفى الحريري الحكومي

الطبيب الاختصاصي في الأمراض الجرثومية في مستشفى الحريري الحكومي الدكتور بيار أبي حنا شدّد على أهمية الوعي بين الناس لأن المستشفيات شارفت فعلاً على البلوغ الحد الاقصى من قدرتها الاستيعابية كما كان قد أوضح وزير الصحة مراراً. وكان مستشفى الحريري قد عمل على زيادة قدرته الاستيعابية في مراحل سابقة لكن أعداد الإصابات المتزايدة تدعو للقلق. من هنا اهمية التشديد على الوعي الذي يعتبر أكثر ما يمكن أن يعوّل عليه. فالاستهتار ليس مسموحاً في هذه المرحلة لأن أعداد الإصابات تتزايد بشكل كبير ومعها تزيد الصعوبة في تأمين أسرّة للمصابين في المستشفيات. لذلك يؤكد أبي حنا أن الوعي ضروري ليحمي كل فرد نفسه والمحيطين وتحمل المسؤولية لا يفترض إلا إجراءات بسيطة باتت معروفة هي استخدام الكمامة والتباعد الاجتماعي والحفاظ على مسافة آمنة وغسل اليدين بشكل متكرر وعدم الوجود في الأماكن المكتظة خصوصاً إذا كانت مغلقة. فهذه التدابير البسيطة كفيلة بالحد من انتشار الوباء والحفاظ على معدلات يمكن التعامل معها بشكل أسهل لا يزيد من الضغوط على المستشفيات والجسم الطبي.

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم