الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

ثقافة الإنجاز... أزمة تعصف بالرياضة العربية (2-3)

المصدر: "النهار"
الإنجازات... أزمة عربية
الإنجازات... أزمة عربية
A+ A-
تحقيق – أحمد حجازي
ثقافة الإنجاز... أزمة تواجه الرياضة العربية، فهناك قلة وعي في التعامل مع الرياضيين سواء من الناحية التدريبية أو النفسية أو الاجتماعية، ورغم أن هذه الثقافة زرعت التحدي في نفوس عدد كبير من الرياضيين من أجل النحت في الصخر للوصول إلى الإنجاز، إلا أنها أيضاً أطاحت بأبطال مكانهم الطبيعي على منصات التتويج العالمية.
مع كل حدث دولي أو دورة أولمبية صيفية كانت أو شتوية، يعلو كعب الألعاب الفردية في الشارع العربي، ويبدأ الجمهور في ترديد أسماء لاعبين في ألعاب مختلفة يمثلون الأمل في تحقيق ميدالية عالمية أو أولمبية، وعندما يحقق البطل الإنجاز، يتحول إلى نجم الشباك ويخطف الأضواء من نجوم، ودائماً ما يجد الرياضي تسلط الإعلام عليه فرصة ذهبية كي يطرح مشاكله وهمومه في التدريبات وتنفيذ برامج الإعداد والمشاكل التي تواجهه في عمله أو دراسته بسبب عدم وجود تفرغ رياضي، والمكافآت الضعيفة التي يحصل عليها والتي لا تكفي قوت يومه، ويشعر البطل أنه عاد للحياة من جديد.

والأغرب من ذلك أن صاحب الإنجاز لا يتصدر المشهد، بل يتصدره من يبحثون عن الأضواء من مسؤولين وإداريين ليس له دور في صناعة البطل بل دورهم يعرقل الطموحات ويحبط الرياضي في أول مشاركة بعد الإنجاز، وليس بغريب أن يتصدر المسؤول مشهد الأضواء والشهرة و"الشو" في وسائل الإعلام والبطل يلعب دور "الكومبارس".

رويداً رويداً تنتهي "موجة" الإنجاز ويعود البطل من جديد للتدريبات ليجد نفس العقبات والمشاكل التي تواجهه من دون أن يجد لها حلاً، هكذا يعيش كل أبطالنا في الوطن العربي، وهم عكس الأبطال الذين خدمتهم الظروف وتم إعدادهم في الخارج سواء في أميركا أو أوروبا، وهذه النوعية تعيش وتتدرب طبقاً لبرامج احترافية كبيرة، للدرجة التي لا تجد لديه الوقت للاحتفال بالإنجاز سوى أيام وربما ساعات، فالتدريب لا يتوقف نهائياً، وهناك مقولة تدريبية تؤكد أن اللاعب في الألعاب الفردية الذي يتوقف عن التدريب لمدة يوم يتأخر عن زملائه 10 أيام ومن يتوقف عن التدريب لمدة أسبوع يتأخر 3 شهور، وهذه قاعدة في عالم التدريب.

هذا الفارق بين لاعب يتدرب وسط المعاناة وآخر يعيش في عالم الاحتراف، وهو الفارق أيضاً بين بطل قادر على صناعة الإنجاز ولا يجد البيئة المناسبة فيهرب منها ويبحث عن "لقمة العيش" وبين آخر توافرت له كل الظروف للاستمرار في المجال الرياضي.

من منا يدرك حجم المعاناة لأبطال "لقمة العيش" الذين تحدوا الظروف ليس فقط في الحياة بل في الملاعب والصالات، في تحدٍ غير متكافئ مع عوامل طبيعية يصعب التحكم فيها كسرعة الرياح والأمطار والضباب وسرعة الأمواج في بعض الألعاب، وكلها عوامل كفيلة بخروجهم من أي منافسة "صفر اليدين" بعد سنوات من الإعداد والتدريب والسفر والجهد والتفاني من أجل لحظة واحدة تترجم فيها تلك المساعي إلى إنجاز مشرف تُرفع فيه الرايات وتمنح خلاله الأوسمة.

ويؤكد الدكتور وائل الرفاعي اختصاصي الطب النفسي الرياضي بجامعة حلوان بمصر في تصريحات خاصة أن تهيئة الرؤية والاتجاهات النفسية السلبية من قبل المسؤولين عن الرياضة تؤثر بشكل مباشر على الممارسين والدوافع المرتبطة بالممارسة، لا سيما التوجه الاجتماعي والشهرة في الألعاب الجماعية والتصنيف الطبقي للرياضة والممارسين لصالح الرياضات الجماعية، فضلاً عن أن الإعلام الرياضي يسلط الضوء على تلك الألعاب خصوصاً كرة القدم.

ويضيف: "مثل هذه الظروف قد تولد عند اللاعب احتراقاً نفسياً مما يؤدي إلى إحساسه بالعجز وفقدان الاهتمام بنفسه وضعف الإبداع في المجال الرياضي، كما قد تنتاب اللاعب حالات من التشاؤم واللامبالاة وانخفاض مستوى التركيز مما يجعله أكثر عرضة من غيره للإصابات الرياضية، والعديد من الظواهر السلبية الأخرى التي تدفعه في النهاية لترك الرياضة".

كما يوضح الرفاعي أن رياضيي الألعاب الفردية قد يتعرضوا بسهولة لظاهرة الاحتراق النفسي نتيجة ضعف التقدير المعنوي والمادي ويقول: "حظيت ظاهرة الاحتراق النفسي باهتمام العديد من الباحثين في المجال الرياضي نظراً لآثارها السلبية على إنجازات الرياضيين في مجال التدريب والمنافسة، حيث يتحول الإخفاق المتكرر في البطولات وعدم تحقيق الأهداف المرجوة إلى حالة من الاحتراق النفسي التي تقود الرياضي إلى الابتعاد الكلي أو الجزئي عن ممارسة التدريب الناتج من حالات من الشعور الانفعالي السلبي، واذا لم تعالج بشكل علمي وسليم، فذلك يعني أننا سنخسر الرياضي لكونه سيبتعد عن المشاركة في التدريب والمنافسات، وهو الأمر الذي يتكرر كثيراً في عالمنا العربي مع أبنائنا الرياضيين في العديد من الألعاب الفردية التي تكون بعيدة من دائرة الاهتمام والتركيز سواء من المسؤولين والقائمين على الرياضة أو من خلال المتابعة الإعلامية التي لا تتناسب مع حجم الجهود المبذولة والطموحات المنشودة".

وعن الحلول لتجنب حدوث هذه الظاهرة الخطيرة، يرى الرفاعي أن التثقيف بأهمية الألعاب الفردية يبدأ من الأسرة والمدرسة وتكوين شخصية الأبناء والبنات وتحديد رغباتهم وميولهم الرياضية مسؤولية الأسرة أولاً، بما يتناسب مع قدرة كل شخص وإمكانياته البدنية والفسيولوجية وعدم ممارسة الضغوط عليه من أجل اختيار رياضة معينة قد يكون الأب سجل فيها أي تقدم أو نجاح، لأن ممارسة الرياضة ليست بالتوريث للأبناء فحسب إنما هي رغبات واستعداد نفسي من الدرجة الأولى لضمان الاستمرارية والعطاء بعد ذلك، ومن ثم يأتي دور المدرسة بالتعريف بأبطال الرياضات الأخرى الذين رفعوا راية أوطانهم في كبرى المحافل فضلا عن رفع معدل الوعي بالقوانين وتاريخ الألعاب وسبب نشأتها.

شمروخ: الإعلام يشارك في إحباط أبطال الألعاب الشهيدة

يؤكد الدكتور نبيل محمد شمروخ أستاذ علم الاجتماع الرياضي وعميد كلية التربية الرياضية بجامعة اليرموك بالأردن في تصريحات خاصة أنه بالرغم من وجود العديد من المواقع والصفحات الرياضية المختلفة على الشبكة العنكبوتية، إلا أن المحتوى العربي في أكبر المواقع الرياضية المتخصصة يمنح كرة القدم 95.8% والنسبة المتبقية موزعة على سيل الألعاب الفردية، أو كما يطلق عليها الألعاب الشهيدة، وهو الأمر الذي يعكس ما وصلته إليه تلك الألعاب التي يبزغ نجمها كل 4 سنوات فقط مع اقتراب انطلاق دورة الألعاب الأولمبية.

ويقول: "المؤثر الأساسي على أي شخص هو بيئته الاجتماعية والأمر الخطير عندما يرتبط بالأطفال الذين يتأثرون بما تهتم به الأسر من خلال متابعات وسائل الإعلام التي تركز في الأساس على كرة القدم، مما سيجعل الطفل في النهاية متابعاً لكرة القدم، ولو أراد ممارسة لعبة، سيكون خياره العاطفي الأساسي هو الساحرة المستديرة، وحتى لو مارس رياضة أخرى، سيكون لأنها المتاحة وليس لرغبته بها، الأمر الذي سينعكس على إنجازاته ومدى استعداده للتضحية من أجل التطور في اللعبة، كما أن المدرسة هي الحاضنة الأولى في تشكيل شخصية الفئات العمرية الصغيرة وتعريفها بالمفاهيم والثقافة الرياضية لا تقتصر على لعبة بعينها لتكون جزءاً مهماً من حياتهم ، وصولاً إلى أبطال متميزين لديهم من المواهب والقدرات ما يمكنهم من تحقيق التنافسية، واعتلاء منصات التتويج في مختلف الرياضات، عربياً وإقليمياً ودولياً".

عسكر: الألعاب الفردية إنجازات كبيرة وشعبية قليلة

وأكد الدكتور عبدالرحمن صادق عسكر الأمين العام المساعد للمجلس الأعلى للشباب والرياضة بمملكة البحرين في تصريحات خاصة أن التركيز لا يقتصر فقط على كرة القدم، رغم أنها اللعبة الشعبية الأولى في العالم، مستشهدا على ذلك بالإنجازات والنجاحات الكبيرة التي حققتها الألعاب الفردية وفي طليعتها ألعاب القوى والتي منحت المملكة أول ميدالية ذهبية في دورة الألعاب الأولمبية بأولمبياد ريو 2016 بالإضافة إلى الإنجاز التاريخي الذي حققه منتخب ألعاب القوى للرجال والسيدات مؤخراً بآسياد جاكرتا وبالمبانغ 2018 بحصول أبطال أم الألعاب على 25 ميدالية ملونة بينها 12 ذهبية و6 فضيات و7 برونزيات لتسجل مملكة البحرين افضل مشاركة لها في دورة الألعاب الآسيوية.

وأضاف: "ندرك تماما بأن كرة القدم تعد اللعبة الشعبية الأولى، ولذلك فإنها تحظى باهتمام كبير ونصيب وافر من الاهتمام والدعم، إلا أننا نسعى لتقديم كافة أشكال الدعم والمساندة لباقي الألعاب الفردية الأخرى، ولذلك فقد منحنا الفرصة لـعدد من الألعاب الفردية بالمشاركة في الآسياد مؤخرا، كما فتحنا الباب لدخول ألعاب فردية جديدة مثل المصارعة والجوجيتسو ورياضات فردية أخرى".

وأوضح عسكر أن رصيد الألعاب الفردية يبقى أقل من حيث الشعبية والجماهيرية في الوطن العربي مقارنة بكرة القدم لكن ذلك لم يبقها خارج الحسابات في البحرين لأننا ندرك أهمية دعم كافة الألعاب ما دام هناك ممارسون ومحبون لها يملكون القدرة على تمثيل المملكة بصورة مشرفة، كما أنه تم توفير البنى التحتية لتلك الاتحادات والعديد من أوجه الدعم الأخرى لنشر وتعزيز ثقافة ممارسة الألعاب الفردية خصوصا وأن الألعاب الفردية تشكل ركيزة أساسية في حصد الميداليات الملونة بالألعاب الأولمبية والآسيوية.

المجالي: قلة الوعي أزمة و"الجماعية" ما زالت الأعلى

قال ناصر المجالي أمين عام اللجنة الأولمبية الأردنية في تصريحات خاصة أن المجال الرياضي في الوطن العربي قد اتخذ منعطفاً آخر في الآونة الأخيرة بسبب ظهور شبكات التواصل الاجتماعي والثورة التكنولوجية، التي ساهمت إلى حد ما في رفع الوعي لدى الشعوب العربية بالرياضة والرياضيين والجهود التي يبذلونها في تمثيل أوطانهم، لا سيما وأن لقب "الجندي" أصبح ملازماً لأي رياضي على اعتبار أنه يذود عن العلم ويسعى لرفعه في مختلف البطولات التي يشارك بها.

وتابع: "كانت رياضتا كرة القدم وكرة السلة هما الرياضتين الأشهر في الوسط الرياضي، بسبب الإقبال الإعلامي عليهما، إلا أن هذا لم يمنع الزحف الكبير للرياضات الفردية والتي أصبحت تقارع بمستجداتها الرياضات الأخرى وتزاحمها في صدارة عناوين الصحف، والمتابع للرياضة العربية في سنواتها القليلة الماضية يدرك مدى التطور الذي تتخذه المنظومة العربية في رفع سوية الرياضات الفردية واثبات أحقيتها في الظهور على المنصات العالمية الأمر الذي أخرج العديد من الأبطال والذين كتبوا حروف أسمائهم بالذهب في البطولات العالمية والأولمبية".

وعن الخطوات العملية التي اتخذتها اللجنة الأولمبية الأردنية لضبط الكفة وإعادة الرونق لألعاب الفردية، قال: "ندرك أهمية رفع الوعي بأهمية الرياضات الفردية وأهمية اللاعبين الذين ينافسون فيها والجهود الكبيرة التي يبذلونها أثناء تمثيلهم البلد في المحافل الدولية، لهذا دأبت اللجنة الأولمبية الأردنية على تبني الخطط والاستراتيجيات التي من شأنها إعلاء الرياضات الفردية وتسليط الضوء على الإنجازات التي تتحقق من خلالها، والأمر لا يختلف عن الماضي ، حيث تعتبر الرياضات الفردية في الأردن هي الأكثر انجازاً مقارنة بنظيرتها الجماعية، لا سيما بعد الإنجاز الأولمبي الكبير الذي تحقق من خلال لاعب التايكواندو أحمد أبو غوش الذي أحرز الميدالية الذهبية في دورة الألعاب الأولمبية التي أقيمت في العاصمة البرازيلية ريو دي جانيرو في صيف عام 2016 الأمر الذي ساهم في بيع أكثر من 50000 بدلة تايكواندو، وكان لهذا الإنجاز وغيره من الإنجازات السابقة التي تحققت من خلال رياضات الملاكمة، والكاراتيه، والجوجيتسو وغيرها من الرياضات التي ساهمت إلى حد كبير في رفع الوعي بأهمية الرياضات الفردية على مستوى المملكة الأردنية، ومنذ اطلاق الإستراتيجية الوطنية للرياضة الأردنية قبل عام 2016، انصب التركيز والاهتمام الإعلامي على كل الرياضات سواء كانت فردية أو جماعية، وأصبح خلف كل رياضة عدسة وصحافي لنقل المعلومة والإنجاز للمجتمع الأردني لتشجيع هؤلاء اللاعبين على مواصلة مشوارهم في تحقيق الانجازات".
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم