الخميس - 16 أيار 2024

إعلان

الأسرة مصدر أمان لا وسيلة قتل...

المصدر: النهار - فاتن بو حمدان
تواترت حوادث العنف والجرائم الأسرية البشعة
تواترت حوادث العنف والجرائم الأسرية البشعة
A+ A-
تواترت حوادث العنف والجرائم الأسرية البشعة في النطاق العائلي بشكل لافت يدفعنا إلى دق ناقوس الخطر، والبحث عن الأسباب التي أدت إلى ارتكاب جرائم أسرية بشعة، يقتل فيها الإنسان أقرب الناس إليه بدم بارد وفي بعض الأحيان لأسباب تافهة. تستفز هذه الحوادث مشاعراللبنانيين وتثير الرأي العام وتطرح التساؤلات حول أسبابها ودوافعها، وحول الجهات المسؤولة عن بلوغ العنف هذه الدرجة من الخطورة والبشاعة. فتحذير الناس من الأسباب التي قد تدفع بالفرد إلى القتل والأذية والعمل على نشر الوعي الكافي لتجنب هكذا جرائم، هو الهدف الأهم، إذ إن الروابط العائلية هي حجر الأساس في بناء المجتمعات.
إن الأسرة تمثل التربة التي ينمو فيها الطفل منذ مولده فيها، يتلقى القيم الأخلاقية والاجتماعية التي تستقر وتتثبت في أعماقه وتلازمه طوال حياته. فالأسرة السوية التي تؤدي دورها التربوي والتعليمي والتهذيبي بشكل كامل وعلى أسس سليمة تساعد في منع سلوك أبنائها طريق العنف والإجرام، والعكس صحيح.
إن أسباب ارتكاب الجرائم في الأسر متنوعة وكثيرة، تختلف بين مجتمع وآخر وبين حالة وأخرى، إلا أن العوامل والأسباب الاجتماعية المتمثلة في بعض العادات والتقاليد التي تتبعها بعض الأسر بحيث يشعر الرجل أنه لا يستطيع قيادة الأسرة بغير العنف، الضغوط الحياتية نتيجة البطالة وعدم القدرة على تلبية احتياجات الأسرة وسوء العلاقات الاجتماعية بين الأزواج وإنخفاض دخل الفرد وتردي الوضع المعيشي وضغوط العمل وغيرها من العوامل التي تؤدي إلى خلل واضطرابات نفسية تساهم في اللجوء إلى العنف بين أفراد الأسرة. فضلاً عن عدم وعي الآباء والأمهات بأساليب التنشئة الاجتماعية السوية والتربية الصحيحة للأبناء ونقص الوعي الديني وإهمال الزوج أو الزوجة للأبناء بحجة العمل وما يترتب على ذلك من تفكك في الروابط العائلية ولجوء الأبناء إلى أشخاص آخرين قد لا يكونون أسوياء.
مما لا شك فيه أن المجتمع الآمن المستقر هو مطلب الجميع، والإنسان منذ ولادته تكون فطرته سوية ولا يعلم شيئاً عن الإجرام والأذى، لكن البيئة التي ينشأ فيها تغرس فيه سلوكيات سوية وغير سوية، فممارسة أحد الزوجين العنف ضد الآخر أو قهر أحد الزوجين للطرف الأضعف في الأسرة المتمثل بالأطفال يؤدي إلى ارتكاب الجرائم الأسرية لتفريغ شحنة القهر، إذ إن تعرضهم للعنف اللفظي أو الجسدي أو المعنوي يجعلهم معقدين نفسياً ولديهم قابلية لردّ القهر مع تقدمهم في السن ومعاملة الناس بقسوة خوفاً من الرضوخ والضعف، وهذا ما يسمى بعلم الإجتماع بـ"دائرة القهر الجهنمية"، كما وأن عدم إحاطة الأهل بأبنائهم يجعل هؤلاء يتأثرون بالعنف المستشري في الشارع وفي بعض الألعاب وأفلام العنف والإثارة وإظهار بطولة البلطجي وانتصار الشر على الخير، وفي بعض المؤسسات التربوية التي لا تركز كثيراً على الجوانب التربوية بقدر تركيزها على التعليم، إذ يعتبر الخبراء أن أسباب العنف والجريمة تنبع من ثلاث بيئات وهي الأسرة أولاً ثم الشارع والمدرسة.
إن تردي الأوضاع المعيشية في لبنان مؤخراً وارتفاع معدل البطالة والغلاء الفاحش، وارتفاع نسبة الفقر والضغوطات النفسية والمادية التي يتعرض لها الفرد، والاختلال العقلي والنفسي وإدمان المخدرات، التي تؤدي إلى توتر العلاقات بين أفراد الأسرة لتطيح الدفء العائلي، ساهمت بتفشي الجرائم منها السرقة والاختلاس وأهمها القتل، إلا أن الفقر وانعدام الطبقة الوسطى في المجتمع ليست إلا عوامل صغيرة ضمن سلسلة عوامل أخرى، وأولها سهولة الخروج عن القانون.
إن القضية خطيرة وتزداد سوءاً في ظل غياب رؤية حقيقية لعلاجها واستمرار الأسباب المؤدية إليها، لهذا لا بد من تحرّك جماعي من المجتمع المدني والمؤسسات التربوية والدينية مع وضع ضوابط إعلامية لكيفية تغطية هذه الحوادث لتسليط الضوء على خطورة الجرائم الأسرية خاصة وجرائم القتل عامة، منعاً من الترويج لها. على أفراد الأسرة التخفيف من حدة الخلافات في ما بينهم والبحث عن وسائل أخرى لتفريغ الطاقة السلبية الكامنة في داخلهم حتى تكون الأسرة مصدر أمان لا وسيلة قتل، وينبغي على المؤسسات الدينية والاجتماعية والجمعيات الأهلية والأحزاب الفاعلة أن تقوم بدورها في نشر الوعي الديني وثقافة مجتمعية معتدلة تواجه بها تلك الظاهرة، والتوسع في البرامج التأهيلية للشباب التي تساعد على مواجهة الصعوبات.
إن العمل على نشر ثقافة الحوار داخل الأسرة وإصلاح السلوكيات غير الجيدة والعمل على منع انتشار السلوكيات الإجرامية في المجتمع أمر بالغ الأهمية، فكما قال عمر بن عبد العزيز "الصلاح من الله والأدب من الآباء".





الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم