الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

انتهاء لبنان

المصدر: النهار - مصباح ماجد الساكت
لبنان قطعة "السما"، لبنان الجبل والبحر "بنصف ساعة"، لبنان الأمل، الحلم ولبنان سويسرا الشرق...
لبنان قطعة "السما"، لبنان الجبل والبحر "بنصف ساعة"، لبنان الأمل، الحلم ولبنان سويسرا الشرق...
A+ A-
لبنان قطعة "السما"، لبنان الجبل والبحر "بنصف ساعة"، لبنان الأمل، الحلم ولبنان سويسرا الشرق... كل هذه كانت مسميات تتشنف لها الآذان ويتردد صداها باعتزاز في أنحاء العالم أجمع. لكن خلف هذه المسميات تختبئ الحقيقة المرة، الحقيقة التي آثر اللبنانيون إنكارها على مدى سنوات. هذا الإعراض لم يكن يوماً ليغير في حقيقة الأمر شيئاً... حقيقة "انتهاء لبنان" الذي نعرف. فمهد الحرف في العناية الفائقة منذ 15 عاماً، استمرت خلافات أبنائه بإنهاكه حتى بات في موت سريري ونحن بانتظار الإعلان الرسمي الأبشع... إعلان وفاته.
لا يمكن أن أنسى خطاباً سمعته في العام 2006 لا أذكر من ألقاه، لكنني أذكر معناه جيداً وقد جاء فيه: "أيها اللبنانيون علينا الاستيقاظ، فبينما نحن نتلهى في خلافاتنا وندمر وطننا، محيطنا يعمل ليأخذ دورنا". مرت هذه الكلمات على مسامع اللبنانيين مرور الكرام، لا بل نسيها وتجاهلها معظمهم حتى اصطدموا مكرهين اليوم بالحقيقة المرة!! قد انتهينا.
فلبنان، منذ نشأته ارتكز على أربعة عوامل أساسية أدت إلى ازدهاره. اللبنة الأساسية لهذه العوامل كانت "الحياد" الذي ينادي به ويحمل لواءه اليوم البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي. لبنان الكبير وقف منذ العام 1920 على الحياد فيما كانت الدول العربية تخوض صراعات طاحنة مع العدو الإسرائيلي ما ساهم بمحافظة لبنان على موقفه المبدئي المعادي للعدو الإسرائيلي و"اللايت" في الصراع العسكري.
هذا ما ساعده على تأمين استقرار جزئي شكل تالياً عامل جذب للاستثمارات العربية والأجنبية كونه كان الأرض العربية المستقرة الوحيدة. فمنذ أن أدخل لبنان في الصراعات والمحاور الدولية في العام 1975 فقدنا هذه الميزة ومعها ملايين الاستثمارات.
كذلك، كان مرفأ بيروت – المنافس التاريخي لمرفأ حيفا- يلعب دور الرئة العربية على المتوسط، فقد كان المرفأ العربي الوحيد الذي تنطلق منه شاحنات "الترانزيت" نحو العالم العربي. أما اليوم ومع العزلة العربية التي نعيشها بسبب من أخذ لبنان رهينة بيد المحور الإيراني ومع توقيع اتفاق أبراهام – السلام الخليجي – الإسرائيلي- قد فقد مرفأ بيروت هذا الدور. خصوصاً مع ما يحكى عن نية شركة موانئ دبي وصندوق أبو ظبي للاستثمار استثمار حوالي 600 مليون دولار لتطوير مرفأ حيفا مع فتح خط الترانزيت بين إسرائيل والخليج عبر الأردن.
الميزة الثالثة التي خسرها لبنا أيضاً، كانت الثقة في قطاعه المصرفي، فتسمية سويسرا الشرق أطلقت على لبنان في خمسينيات القرن الماضي بسبب نظامه المصرفي الآمن والحر الذي يتسم بالسرية والثقة. هذه الميزة أجهضها الساسة اللبنانيون بسبب العزلة والوضع الاقتصادي المتردي الذي أوصلونا إليه بفسادهم وصفقاتهم مع ما رافقه من تقدم للخدمات المصرفية وقوانين السرية الخاصة بها في محيطنا العربي.
الميزة الرابعة والأخيرة كانت فسحة التحرر والحرية التي كان يؤمنها لبنان كمتنفس للشباب العربي الذي يريد الاستجمام والسياحة بعيداً عن القيود التي كانت مفروضة على المجتمعات في بعض الدول العربية. كذلك هذه الميزة قضى عليها من جرنا الى معاداة الدول العربية فلم يعد لبنان وجهة العرب الأولى.
إذا هذا هو لبنان الذي قضى عليه وأنهاه الانصياع لسياسية المحاور الإقليمية والابتعاد عن "الحياد"، هذا اللبنان اليوم أمام مفترق طرق خطر، فإما أن نتمسك بدعوة البطريركية المارونية للحياد لمحاولة تعويض ما فاتنا... وإما فلننعَ لبناننا.

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم