الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

بهجت وإيلي، صداقة أساسها "شوف الفَرْق، وما تفرِّق"

المصدر: النهار - ريبيكا مرهج
صورة لإيلي وبهجت يتعاونان في العمل
صورة لإيلي وبهجت يتعاونان في العمل
A+ A-
لا يبخل بهجت في الحديث عن جدّيه وباقي أفراد أسرته. "أبو أنس وأم أنس عجوزان، يبلغ أحدهما التسعة والسبعين عامًا من العمر، فيما الأخرى هي في السادسة والستين. يقطنان معنا، أي عائلة إبنهما أنس، في منزلٍ متواضعٍ في جبيل".
حالَ خوف العائلة من فيروس كورونا دون مقابلة أبو أنس وأم أنس. لكن حفيدهما البكر بهجت، وهو شاب في التاسعة عشرة من عمره، يعمل في متجر للمواد الغذائية في جبيل، كفيل بإظهار مدى فخره بما يفعله من أجل جدّه وجدّته فيما هما يخلدان للراحة في المنزل. "لقد شقيا كثيراً من أجلنا، وحان اليوم دورنا لردّ الجميل، فالأهم الحصول على بركة كبار السّن" يقول بهجت.
كل أفراد العائلة المؤلفة من أب وأم وأخ وأخت صغرى، يعملون لكسب لقمة العيش، لتأمين دواء كبار السن، وتعليم الشقيقة الصغيرة، بعدما جارت عليهم الحرب في سوريا وهجّرتهم إلى ... معاناة أخرى! وكأنها دوّامة متواصلة من أداء الواجب والعمل في مواجهة وضع اقتصادي سيئ يُرخي بظلاله الثقيلة على حياة العائلة المكافحة. "عمّي في الغربة يساعدنا ماديًا إذ يرسل لنا بعض المال لتأمين دواء جدّي وجدّتي، ومنظمة الأمم المتحدة تمدّنا، بين الحين والآخر، بمواد غذائية، وتعطينا المال لشراء المازوت في شهري البرد القارس من كل سنة. كما كانت سابقًا تتكفّل بتأمين التنقل لشقيقتي إلى المدرسة ومنها" يقول بهجت وهو يعدّد، بجديّة بالغة، مصادر الدعم القليل الذي يسند "خابية" حاجاتهم. لكن أساريره تنفرج ما إن يأتي على ذكر إيلي. "لا يمكنني أن أنسى صاحب عملي إيلي الذي يمدّني وعائلتي بالمساعدة في الكثير من الأحيان وبعدّة طرق، كتأمين الملابس، والمواد الغذائية أو المال. هو لم يتركنا يومًا نقاسي من أي معاناة، رغم أنه، في نظر كثيرين، ليس مضطرّاً لمساعدتنا ونحن من غير جنسيته، ونظرًا لوجود الكثير من العائلات اللبنانية التي هي بحاجة أيضاً إلى مساعدة".
تمييزٌ، وإن التزم به كثيرون، لا يستسلم له جيران العائلة السورية. "عائلتي خجولة وهادئة ولا تزعج أحدًا" على حدّ قول بهجت. "كل علاقاتنا مع محيطنا جيدة، بل ممتازة في أحيان كثيرة، لدرجة أنّ الجميع في محيطنا يشعرنا وكأننا لم نغادر وطننا يومًا، بما أنّ معاملتهم لنا تعوّض شيئًا من شعورنا بافتقاد الوطن".
لا يتردّد إيلي، صاحب متجرالمواد الغذائية الذي يعمل فيه بهجت، عن الحديث عن علاقته المميزة بعائلة "صديقه"، على حدّ قوله. "علاقتي معهم قائمة على الإحترام أوّلًا، والصداقة ثانيًا. فأنا اعتبرهم مثل عائلتي. أحبّ جدّه وجدّته جدًا. لهما لسان دافئ، فلا تصدر عنهما إلا الكلمة الطيّبة فقط". ويقابل إيلي استغراب الكثيرين أمر مساعدته لعائلة بهجت بابتسامة عريضة ومبرّرات لا يرقى إليها أي احتمال مناقشة: "كلنا اليوم نمرّ بأوقات عصيبة وأيامٍ صعبة وأحوال ضيّقة وأزمة خانقة. من يستطيع أن يقف إلى جانب شقيقه الإنسان، بغض النظر عن لونه أو جنسيته، يجب أن يفعل ذلك. فكلنا أبناء الله، ومن يعمل خيرًا سيلقى ضعفه". أمّا تخصيصه هذه العائلة بالذات بالمساعدة، فلسبب بديهي: "إنها عائلة مثلها مثل غيرها من العائلات، يحقّ لها بالعيش الكريم وبالحصول على أبسط حقوق الحياة المسلوبة منا في وطننا، للأسف. وبما أنّ الدولة لا تتحرّك، بل لا تحرّك ساكنًا في هذا الخصوص، أصبح دورنا كأفراد مهمًا للغاية اليوم، بل أهمّ من أي وقت مضى". ويشدّد إيلي على عمق محبته لعائلة بهجت مشيرًا إلى أنّ مساعدته لأفرادها لم تكن يومًا مباشرة، بل يؤمّنها لهم بطرق مخفية، من خلال بهجت، "لكي لا ينتابهم شعور كلنا نكرهه!".
عندما بلغ كلام إيلي مسامع بهجت، علت الابتسامة ثغر الشاب واغرورقت عيناه بالدموع. "علاقتي بإيلي مميزة. ليست علاقة ربّ عمل وموظف، بل نحن بمثابة شقيقين يساعد أحدنا الآخر، نقف جنبًا إلى جنب في كل الظروف، مهما قسَت". وتمتدّ أواصر المحبة والألفة لتشمل علاقة بهجت بزملائه والزبائن. " تربطني بزملائي علاقات وطيدة، فهم أهلي وأعزّ الأصدقاء على قلبي. بلال زميل عزيز وشربل صديقي الدائم. يساعداني في كل شيء". وللزبائن أيضًا حصّة من تعليقات الشاب المهذبة واللائقة.
يضع إيلي يده على كتف بهجت ويقول:" عَ سْلامته، بهجت ما في منه. الكل يحبّه ويحترمه هو وعائلته، فهو إسم على مسمى يُدخل البهجة إلى قلوبنا عندما يتعكّر يومنا". يتدخّل بلال ليضيف: " صحيحٌ أنّ بهجت من بلدٍ آخر، لكن طباعه ووفاءه وصداقته تخطّت كل الحدود، فأضحى بالنسبة لي أخًا لم تلده أمي".
احترام متبادل وتعاون في مواجهة المصاعب والاختلافات، ... وصفة ناجحة لإلغاء الحواجز وإسقاط نزعات التمييز وإزالة الحدود ... النفسية.


الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم