السبت - 27 نيسان 2024

إعلان

لعنة الشرق التسوّل جريمة يُعاقبُ عليها المتفرّجون

المصدر: النهار - هدى غازي
التسوّل جريمة يُعاقبُ عليها المتفرّجون
التسوّل جريمة يُعاقبُ عليها المتفرّجون
A+ A-
الطفولة هي روح الحياة... نفحات البراءة التي تستعمر قلوبنا منذ الصغر، وعلى أسسها تسنّ قوانين الاكتمال..
عالم البدايات المفعم بالطهر والنقاء..
أرض الأحلام التي تحمل أشجارها ثماراً كالدرر..
لوحات تنبثق من ألوانها أجمل الضحكات..
قلوب صافية تتشرّب الحبّ وتعيد للحياة نكهتها الشهيّة..
مشاعر لا تعرف القسوة وتبشّر بالأمان إن جار الزمان
تمطر حبّاً فتبلسم النفوس المتعبة..
تصويرٌ منطقيّ لصفحات العمر المخمليّة والمفعمة بالصفاء والشفافية. ومن حق كلّ طفل أن يشعر بالأمان، وأن يحظى بالرعاية كيلا يقع ضحيّة الانحراف والعنف والاستغلال.
وعند انعدام الرعاية العائليّة، فعلى الدولة المحترمة أن توفّر سبل العيش الكريم للصغار تجنباً لما قد ينجم عن إهمالها من دمار،
بغضّ النّظر عن اتّساع دائرة العوز، وعن الفقر المستشري وسبل العيش المتعثرة، التي يواجهها الكثيرون؛ فإن ظاهرة التسوّل عند الأطفال تشوّه وجه الإنسانية، وتجعلنا نعيد النظر في طبيعة معدن نخوتنا وعواطفنا المركونة على رفوف اللامبالاة..
أوصانا رسولنا محمد عليه الصلاة والسلام بالرفق والرأفة بالأطفال، فقال "ليس منّا من لم يرحم صغيرنا". وكان يقبّل كلّ طفل يراه، وكذلك سيدنا المسيح عليه السلام حيث قال: «دَعُوا ٱلْأَوْلَادَ يَأْتُونَ إِلَيَّ وَلَا تَمْنَعُوهُمْ لِأَنَّ لِمِثْلِ هَؤُلَاءِ مَلَكُوتَ ٱلسَّمَاوَاتِ».
ولو كنّا نتّبع تعاليم الديانات أو حتى ما يمليه علينا الضمير الإنساني لما سمحنا لهذه الانتهاكات بأن تُصبح مجرّد أمور طبيعيّة نتعايش معها، وكأن شيئاً لم يكن..
قد نتغاضى عن رؤية متسوّل شاب، ونبرّر لأنفسنا بحتميّة قدرته على طرق أبواب العمل النزيه، ولكن بأيّ حجّة نرتق ثقوب تقبّلنا طواف الأطفال في الشوارع، وانتشارهم على أبواب المتاجر، وتسمّرهم عند الإشارات وتحمّلهم لموجات البرد القارس طوال فصل الشتاء ولأشعة الشمس الحارقة أثناء فصل الصيف.
يأبى العقل والمنطق تقبّل هذا الانحلال الأخلاقيّ والإنسانيّ، ولن نحمّل الفقر والحاجة مسؤوليّة تفشّي هذه الظاهرة بعد التحقيق والاستفسار من معظم الأطفال المتسوّلين؛ فهناك جماعات تمتهن التسوّل وتجد فيه وسيلة سهلة لكسب المال، فتجنّد ما تيسر من الأطفال، وتجبرهم على العمل غصباً تحت وطأة التهديد والتعنيف، وببرنامج مدروس من قبل فاقدي الضمائر، وبحدّ أدنى للغلّة طوال النهار كي يسمح لهم بعد الحصول عليها بالانصراف.
رأيتهم يبكون بحرقة، ويتوجّعون، وسألت أكثر من طفل عن السبب فسمعت العجب!
"علي" ابن الأعوام الستة أنهكه التعب أمام متجر الحلوى، وكانت تنهيدة دمعته تفطر القلب..
"سلمى" ابنة الأعوام التسعة أجبرت على المشي حافية القدمين في البرد القارس كي تثير شفقة المارة واهتمامهم.
وغيرهم من الأطفال الذين يتعرّضون للإساءة والاستغلال والحرمان تحت تهديد العنف.
وتقع محاربة هذه الفاجعة الإنسانية على عاتق الجهات الرسمية المتقاعسة عن إنشاء لجان لمكافحة التسوّل. فعندما يحلّ الظلام تجد السيّارات تقلّهم من أماكن تسوّلهم جملة، وتعيدهم في ساعات الصباح الباكرة إلى نفس المكان…
ولو كان الأمر يتعلّق بالحاجة فهناك العديد من الجمعيات التي تقدّم يد العون للمحتاجين.
لكنني على يقين بأنّ هؤلاء الضعفاء يتمّ استغلالهم من قبل الشياطين ويجدون فيهم مدراراً للربح المشين.
إن حالة السبات العميق التي تعترينا حول هذه الظاهرة تجعلنا نعّبد الطرقات لمن وراءهم، فكلّما زاد تفاعلنا وتعاطفنا مع الأطفال راحوا يضخّون في الساحات وجوهاً جديدة بأعمار صغيرة وحالات مبتكرة خطيرة لجني الأرباح الكبيرة..
وإن تعثرت الرقابة علينا بالسبل البديلة
أطعموهم ولا تعطوهم
اكسوهم وحرّروهم
كلّموهم وأفهموهم
"من تعود على الذّل لن يتحرّر من أسر العبودية"
وها هم أعداء الرحمة يهضمون حقوق الطفولة، ويسلبون عصافيرها الكبرياء، ويعلمونهم تجرع الإهانة كالماء.
ولو همدت عزائمنا في مواجهة هذه الجريمة الأكثر فظاعة فسيحتّم علينا تقبّل هذا الجرح العميق في جسد الإنسانية وآثاره البليغة في شرخ المجتمعات.
ولنتذكر إذن
بأن الطفولة لا تهان والتسول إعدام لكرامة الإنسان…

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم