الخميس - 16 أيار 2024

إعلان

الشخص المناسب في المكان المناسب

المصدر: النهار -الاب شربل شلالا – أستاذ جامعيّ
نشدّد في الخطابات الرسميّة والأحاديث اليوميّة على ضرورة أن يكون الشخص المناسب في المكان المناسب في الإدارات العامة
نشدّد في الخطابات الرسميّة والأحاديث اليوميّة على ضرورة أن يكون الشخص المناسب في المكان المناسب في الإدارات العامة
A+ A-
نشدّد في الخطابات الرسميّة والأحاديث اليوميّة على ضرورة أن يكون الشخص المناسب في المكان المناسب في الإدارات العامة. في المقابل نتصرّف وكأنّه من غير المناسب أن يكون الشخص المناسب في المكان المناسب، ليبقى المواطن تحت سلطة الجهل. هذا الانفصام في التعاطي مع مسألة جوهريّة، هو آفة كبيرة في مجتمعنا اللبنانيّ. نتمنّى الخير في قلوبنا وننجذب الى الشرّ في أفعالنا. نحبّ الوطن في خطاباتنا ونرميه يوميّاً برصاص أنانيّاتنا. نريده وطناً قويّاً لكلّ مواطن ومواطنة، في حين أنّنا نسعى إراديّاً أو عن غير إرادة لنبقى مرتهنين للمصالح الضيّقة ولمن يريد إضعاف الوطن. نستنكر كلّ السلوكيات غير النزيهة في حين أنّنا نستغلّ كلّ فرصة متاحة لسرقة البلد ونهبه ودفع الراغبين بإحداث فرق في هذه التركيبة النتنة إلى الاستسلام والرّحيل.
لقد سلّمنا إراديّاً معظم مراكز القرار إلى أناس غير مناسبين وساهمنا في ازدياد العنف والجهل والاستبداد والظلم. لقد قبلنا بأن يتبوّأ أشخاص لمراكز حساسة في الدولة أو في المؤسسات العامّة، لأنّهم فقط مدعومون من مراجع مدنيّة أو عسكريّة أو روحيّة: لقد شجّعنا الزبائنية وفتحنا الطريق واسعاً أمام اللّصوص لسرقة الأحلام ودفن القيم والمبادئ لأنّها تخيفهم وتغربلهم وتنقّي المجتمع من أفعالهم السيئة.
للأسف هناك أشخاص في وطننا تقوم مهمّتهم الأساسيّة على اختيار غير الكفوئين لوضعهم في مراكز عامّة يَسهل الاستفادة من جهلهم وتزلّمهم لتبقى المؤسسات والإدارات مشلولة فيسهل نهبها وتمرير المشاريع المشبوهة والتنفيعات الخاصّة.
إنّ رَفْضنا للشخص المناسب في المكان المناسب يعود إلى خوفنا من الاستقامة والنزاهة ومن كلّ المعايير المهنيّة والوطنيّة التي تمنع كلّ من يحاول أن يتسلّل إلى مراكز القرار ليحوّلها إلى مغارة لصوص. إنّ الشخص المناسب هو الذي يرتقي بالوطن وبالإنسان إلى مستوى يليق بالإنسانيّة التي تجمعنا وتوحّدنا وتجعلنا قادرين على العيش معاً والعمل من أجل الخير العام. لا يمكن أن ندع أوطاننا تتحوّل إلى أنظمة تعسّفية شموليّة، تقصي أصحاب الكفاءات والمهارات المتميّزة، وتشجع المتحكّمين بالمال والسلطة ليفرغوا المؤسسات والإدارات من كلّ المقوّمات الأساسيّة الضروريّة لرقي الإنسان وسعادته. إنّ وصول الأشخاص غير المناسبين إلى مراكز القرار جريمة بحق الإنسان والوطن.
كلّ شخص منّا مدعو ليكون حريصاً، من موقعه، على الرسالة التي أوكلت إليه لخدمة الإنسان وتطوّر المجتمع. فلا يشعر أيّ مواطن أنّه مغبون أو مسروق أو مقيّد بسلاسل الزبائنيّة التي تمنعه من وضع مقدّراته في خدمة وطنه.
لا شكّ أنّ أصحاب الإرادات الصالحة والساعين لحياة فاضلة يستنبطون طرقاً جديدة لتغيير الذهنيات التي اعتادت على الاستغلال والإهمال ويتّحدون لخلق حالة من الخير ويكسرون سلاسل الخوف والتردّد. لا أعتقد أنّه يمكننا مواجهة الشر بالتكلّم عنه دائماً بل بتوسيع فسحة الخير والسلام وتنمية القدرات الذاتيّة لوضعها في عمليّة البناء.
في الختام، لا بدّ من أن نتدرّب على التعرّف جيّداً على مهاراتنا المتنوّعة وأن يكون لدينا الجرأة على رفض كلّ ما لا يتناسب معها وأن نتميّز بالمناقبية التي تجعل من أفعالنا وسلوكيّاتنا مجالاً لخدمة الإنسان. آن الأوان لنبتعد عن ذهنيّة التسلّط ونتعاون مع بعضنا بعضًا بكلّ حريّة ومسؤوليّة. فالمناصب زائلة ومحصورة في الزمان والمكان، أمّا الإنسان فهو منفتح على الحياة التي لا تزول مع خروجه من هذا الزمان.

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم