خطوتان

قبل منتصف الحقيقة بخطوتين، زخّات المطر تقبّل شفاه نافذتي، فتسقيني كأس العبور إلى الممرّات الخارجة عن المعقول.
بعد منتصف الليل بخطوتين، موجات الريح تطرق بابيَ الخشبيَّ، فتصافح أوراقي المبعثرة على جبين الانتظار.
بعد جنوح الروح نحو خاصرة الصباح، لم يعد للمستحيل مكانٌ يختبئ فيه من شدّة الهذيان.
عند سقوط الظهيرة فوق عتبات الشوارع، لم تجد سوى ظلّ صوته المغتال بطلقات الزمن. في أثناء نوم الفجر على زند الحلم، رقصت على أنغام الطقوس الجديدة فتعانق الألم مع رعشة الفرح. دعك من هذه الكلمات وتعال فكّر معي، كيف يمكنني أن أجتاز هاتين الخطوتين؟ لقد مللت الوقوف تحت مظلّة مثقوبة منذ ردح من الزمن، لم يعرف حتّى أصحابها لماذا يتمسّكون بها؟
ماذا عليَّ أن أفعل يا سعيد؟ خطوتان فقط، عندما قرّرت العبور نحو ذاك السحر الذي بدّل كلّ ثياب الحياة، ارتجفت قدماي، تراجعتا إلى الخلف بسرعة، أحسست بشيء ما يقذفني نحو عنق السماء، فاستسلمت فجأة. ماذا عليَّ أن أفعل حتى أقطع سلسلة الخوف الواهية التي قيّدتني طوال سنوات حياتي؟
هل أذهب إلى لحظات جنونيّة تعيد اللامعقول إلى المعقول، وتكسر خرافة الخوف اللعين؟
لقد تعبت يا سعيد من العيش في كنف الثنائيّات.. موت بطيء... موت سريع... حياة بدون حياة... أمل بدون أمل...
لكِ الخيار يا ريهام، لكن لا تنسي أنّ الولادة من الخاصرة نازفة جدّاً ومؤلمة، لكنّها بداية حياة مثل اجتياز الخطوتين.