الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

مولود جديد

المصدر: النهار - سناء نصره
إنه مولودٌ جديد. تستقبلُهُ الحياةُ. في بيت الجيران.
إنه مولودٌ جديد. تستقبلُهُ الحياةُ. في بيت الجيران.
A+ A-
انهمرت الأمطار غزيرةً بعد انقطاعٍ طويل. عانقتها حبيبات التراب بامتنانٍ شديد، عناقاً انبعثت منه رائحةُ عشقٍ مميزة. ثم احتضنتها في أعماقها بلهفة؛ فقد عانت طويلاً من الظمأ الصيفي القاحل.
كانت بيوت القرية متجاورة. وكانت أضواءُ المصابيح الخافتة تتسلل من نوافذها الصغيرة. لقد بدأ المساءُ يبث
أنفاسَه الأولى.
جلسَت تتأمل المشهدَ الرائع. من خلال شرفتها المطلة على تلال القرية وسهولها الخصبة، مستمتعةً باحتساء رشفاتٍ لذيذة من القهوة الساخنة التي ملأَ عبقُها أرجاءَ المنزل.
وخلف شجرة زيتونٍ معمَّرَة، لمحَت قطةً مسرعةً تلتجئ إلى طابونٍ قديم تحتمي بهِ من المطر.
ورأت بعضَ الفلاحين يحثونَ الخطى إلى بيوتِهم ، بعد ساعاتٍ طويلةٍ من العمل الدؤوب في الأرض. حاملين فؤوسهم على أكتافهم. واقينَ رؤوسهم بكوفية العز والشموخ التي لم تتوانَ يوماً عن حمايتهم من الحرّ والقرّ، وتزينهِم بملامح الأصالة والوَقار. وعلى تلك التلال المقابلة لشرفتها شاهدَت الأشجار الباسقة وقد انفرجت أساريرُها؛ بعد أن أزالت زخاتُ المطر ما علق بها من شوائب الشر والبشر. فقالت في نفسها:
أبشِري أيتها الشجراتُ الجميلة. ستغسلكِ السماءُ مراراً وتَكراراً قبل أن تُهديَكِ مجدداً ثيابَكِ الخضراء اليانعة.
وفي ساعات الليل انخفضت درجات الحرارة، واشتدت البرودة، فبدأت حباتُ البرَد تتساقط في الفضاء كبلوراتٍ من اللؤلؤ النادر. وأخذت تقرع زجاجَ نافذتها، ما أثار
" شهيتها" ثانيةً لمتابعة المشهد الذي لطالما أحبته منذ
الطفولة.
وهناك. في السماء البعيدة. كان برقٌ خاطفٌ يشق غمار الظلام، ورعدٌ هادرٌ يصدح أرجاءَ الكون خارِقاً صمته
وهدوءَه.
كم أنت رائعٌ يا فصلَ الشتاء. إنك تدعونا إلى التأمل في ملكوت الخالق. وتعلمنا دروساً عظيمةً في الكرم والعطاء.
وتمنح قلوبَنا الدفءَ والمحبة أضعافَ ما يُصيبنا من البرد والشقاء. !
استمرت في تأملاتِها حيناً إلى أن دغدغ الكرى أجفانَها.
فآوت إلى فراشها، واستسلمَت إلى نومٍ عميق.
وفي الصباح استيقظَت على صوت بكاء، ولكنه بكاءٌ عذب.
إنه مولودٌ جديد. تستقبلُهُ الحياةُ. في بيت الجيران.



حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم