الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

صنّاع حروب الفوضى

المصدر: "النهار"
خالد الطراح
خالد الطراح
في ظل التطور للإعلام الالكتروني الحالي وتنوع منصات التواصل الاجتماعي، فقد باتت هناك سوق رائجة لصناع حروب الفوضى (أ ف ب).
في ظل التطور للإعلام الالكتروني الحالي وتنوع منصات التواصل الاجتماعي، فقد باتت هناك سوق رائجة لصناع حروب الفوضى (أ ف ب).
A+ A-
 
 
كشاهد على جزء من تاريخ إعلامي عربي وخليجي في العاصمة البريطانية لسنوات طويلة، وهو جزء من مرحلة فاقدة اللون والوزن والقيمة المهنية، أتذكر حادثة تنكر أخلاقي لإعلامي خليجي ربطتني فيه علاقة رسمية محدودة الزمن والأفق.
 
فقد كان هذا الإعلامي يتربع على رئاسة قصيرة العمر لمجلة خليجية-عربية، ولأسباب مهنية بحتة أدركتها من أصدقاء أعزاء يتمتعون برجاحة القرار والرأي واقرب مني الى صناعة القرار في هذا المحيط المعني، ان الإعلامي المعني كان له غاية انانية وطموح سياسي ومادي غير مشروع أخلاقياً وقانوناً.
 
أدت سلوكياته وانحرافاته المهنية الى صدور قرار إعفاء الإعلامي المتقلب، الذي تحول بقدرة قادر الى شخصية شرسة بالموقف والرأي ضد بلده، حيث اندفع بتهور شديد باحثاً عن منبر لبث سمومه وتبني سموم غيره في آن واحد، عبر نافذة إعلامية عربية مشبوهة لا يعرفها إلا من يمولها ويتسول من خلالها.
استمر الوضع ربما لبضع سنوات وبدت ملامح تدهور الوضع المعيشي لهذا الشخص حتى أصبح يخرج من أي نافذة إعلامية وحنفية للثرثرة، بهدف الانتقام من وطنه إعلامياً وتحقيق غايات قبيحة شكلاً ومضموناً. 
 
في الوقت عينه كان هناك في العاصمة البريطانية لندن وأخرى أوروبية أكثر من دكان وبقالة تشغل ميكروفونات وكاميرات لاستهداف الدول الخليجية، ومنها الكويت، لممارسة الابتزاز بأساليب طلب الدعم المادي مقابل فقط إذاعة وبث مواد لمصلحة جهات وجماعات وأفراد، للابتزاز السياسي والمادي.
 
احتضنت هذه الدكاكين مشروع صاحب الاستعداء الاعلامي ضد وطنه لبعض الزمن، لكن الحياة في عاصمة كلندن مكلفة جداً، مما جعله يدرك ان هذا الابتزاز غير مجد، حيث لم يحرك كل الضجيج المفتعل ساكناً في طرف او ركن في بلاده، بل الضرر كان عليه وعلى أسرته منذ بداية المشوار الانتقامي.
 
امتثل في نهاية المطاف صاحب المشروع المفتعل الى الواقع، وأيقن بأن محاولاته البائسة في تصويب هدف واحد ضد وطنه لم ولن يفلح.
 
حينها لجأ الى وسائل شتى للبحث عن عفو القيادة السياسية لبلاده، وهو ما حصل فعلاً، فصاحب القرار الرسمي كان أكثر حكمة في التعامل مع هذه النماذج، بعيداً من عقوبة السجن أو المحاكمة او الاغتيال. 
 
تصورت آنذاك، أن يستوعب من مر بهذه الدهاليز المتسخة الدرس وأن يسلك درب العقلانية فعلاً وقولاً، لكنه سرعان ما عاد الى خياله المريض في الانضمام الى قافلة الذباب الالكتروني مستغلاً ظروف الخلاف الخليجي-الخليجي لترجيح كفة ضد اخرى وتأجيج الوضع ككل.
 
يعيش على وضعنا العربي الذي يزداد انقساماً على نفسه وتردياً وتدهوراً، هؤلاء المتسولون إعلامياً وسياسياً، فمثلما هناك تجار حروب الفوضى، هناك ايضا تجار الأزمات على مستويات مختلفة وفي اتجاهات عبثية شتى، وهم برأي الوجه الجديد لصناع الحروب غير المسلحة.  
 
الخلافات العربية وما أكثرها تزداد اشتعالاً وعمقاً، ليس بسبب حجم الخلاف السياسي وطبيعته بقدر التغذية الإعلامية لهوة الخلاف ونشوء الحروب الاعلامية وما يترتب على ذلك من فوضى سياسية، التي تجعل الحل السلمي والديبلوماسي وأي تحكيم ووساطة مستحيلة، من دون ادراك ان النهاية الحتمية في خسارة كافة أطراف الخلاف والنزاع، وانه لن يخرج طرف واحد منتصراً، بل إن شعوب ودول الخلاف سيكونون أول المتضررين والمستفيد الوحيد هو مخططات أطماع لدول وجهات اخرى.
 
في ظل التطور للإعلام الالكتروني الحالي وتنوع منصات التواصل الاجتماعي، فقد باتت هناك سوق رائجة لصناع حروب الفوضى أكثر من زمن الاعلام الورقي والمسموع والمرئي، بل أصبحت أدوات لدول صديقة وشقيقة ضد بعضها البعض، بينما العدو الخارجي الحقيقي خارج الحسبة القومية!
 
 
 
*كاتب كويتي
 

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم