الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

عندما تذهب السلطة إلى "جهنم"!

حمزة عليان
حمزة عليان
"الدولة تذهب إلى جهنم" (تعبيرية- "النهار").
"الدولة تذهب إلى جهنم" (تعبيرية- "النهار").
A+ A-
وضعتُ المشهد السياسي اللبناني أمامي ورحت أقيس عليه ما قرأت، كنا نجهل أن السياسة لها وجه يشبه "الغسيل الوسخ". فقد تعلمنا أن الأخلاق هي جزء من العمل السياسي. ولم نعهد بمن يربط بين السياسة والفساد! 
 
أخذنا عن أساتذتنا أن السياسة هي "أشرف" الوظائف لاعتنائها بمصالح وأمن الناس، تبين لنا بالممارسة أن من امتهن العمل السياسي عمل على زهق الأرواح وحفر القبور لأبناء وطنه وجعلهم بلا مستقبل.. بحيث لم يعودوا بحاجة لتخطيط ولا لمستقبل! 
 
درسنا في الجامعة أن على رجل الدولة التمييز بين السياسة والسلطة، تفاجأنا بالمدرسة اللبنانية الحديثة أن السلطة هي الجائزة الكبرى التي يلهثون وراءها في حين أن الدولة تذهب إلى "جهنم"! 
 
إلى وقت قريب كنا ننظر إلى "الزعيم" أو "القائد" بمثابة الأب الروحي والملهم، كما في كتب التاريخ اللبناني أيام "الإستعمار" وفي عهد "الرخاء"، اليوم ابتُلينا بوجوه أدمنت على خلق هالة حول نفسها ومنحت ذواتها صفات القداسة والوكالة عن "الله" وعن الطائفة وراحت تحرق الأخضر واليابس بإثارتها العصبيات وتعليم أنصارهم ثقافة "مناعة القطيع". 
 
أخبار القادة وتجارب التاريخ تسرد فظائع لاأخلاقية في السياسات والحروب، لكنها لا تصمد لحظات أمام فضائح بعض السياسيين اللبنانيين الذين سجلوا أرقاماً قياسية بالجرائم التي ارتكبوها بحق شعبهم وأبناء جلدتهم وخرجوا منها سالمين، ومتوجين بشارات النصر! 
 
من وجهة نظر علماء الاجتماع فالخطاب السياسي "ظاهرة إنسانية" متعددة الأبعاد ومجال مهم في عملية صنع القرار وإدارة الأزمات ومن واقع المعايشة لخطابات السياسيين اللبنانيين، أن غالبيتهم مصابون بعقدة العظمة والجنون والهبل وهي حالة نادرة في عالم السياسيين المحترمين. 
 
وقفنا على تجارب ناجحة لأمم وشعوب طرقت باب المستقبل، واستفادت من الاستشراف كعلم وفن ومهارة لتشكيل جديد للحياة، وآمنت بأن المستقبل يصنع ولا يتوقع، وإن الاستعانة بالخيال السياسي هي العقل العابر للحدود، أما نحن فقد استعنّا بالغيبيات والأساطير والخرافات. فهذه "العدة" لا مثيل لها في الأدبيات السياسية اللبنانية، وعندنا القدرة على أن ننافس الكبار في هذا المضمار! 
 
لقد حفظت لنا كتب الآداب والتاريخ ما ارتبط به القادة من خيالات ونبوءات عبر مقولاتهم. فهذا غاندي ارتبط خياله السياسي بالروحانية، وتشرشل بالقدرة على التنبؤ، وديغول بمحاكاة طموح وآمال شعبه بالتغيير.. 
 
نبحث عن المحلل السياسي لمعرفة واقع الصراع في أي بلد وفي ظل قاعدة ثابتة، أنه لا ثوابت في المصالح، فالتغيير سمة الحياة، فحاجات الأفراد كما قوانين الدول ليست ثابتة على طول الخط... وإذا شئت معرفة ماذا يدور في لبنان فعليك البحث عن مفاتيح الدكاكين لمن يطلق عليهم محللين سياسيين. فوراء كل زعيم محلل سياسي، وما إن تغُص بما يغرفون ستخرج مبللاً بالعرق والندامة، لأنهم لا يمتلكون مواصفات المحلل والقائمة على المصداقية في الطرح والقدرة على استخدام أدوات التحليل، وغياب الرؤية الوطنية، وانعدام الثقافة والأخلاق. 
 
قمة البلاء هو بالصراع على السلطة... فإذا كانت الناس تتصارع على حاجاتها الرئيسية مثل الطعام والملبس والمسكن والبقاء والتعبير عن الذات والحرية، فإن "صناع القرار" في لبنان عندما يتقاتلون على من يمسك بالسلطة تسقط كل القيم والثوابت الوطنية. 
 
أنسب بيئة لدراسة تضارب المصالح تجدها في الساحة اللبنانية، فهي مرآة عاكسة لما يجري فيها عبر "وكلاء" معتمدين للاعبين الإقليميين والكبار. ففي هذا الملعب تختبر النظريات السياسية من عدمها، وتتعلم كيف تتم القيادة من الخلف! والتوازن في الخارج والإكراه بفرض المعادلات الجديدة والمناورات القذرة وسياسة الاحتواء والعصر! فالإلمام بها كفيل بأن يمنح دارسها القدرة على معرفة طبيعة الصراعات وكيفية إدارة الأزمات. 
 
قلما نجد في المكتبات العربية كتباً تتناول فن أو علم إدارة الأزمة السياسية، لكنني وجدت في كتاب الدكتور محمد حمود البغيلي "مدخل إلى إدارة الأزمة السياسية" ضالتي والتي أوحت لي فكرة هذا المقال، اخترت منه وبتصرف ما يخدم الفكرة، فله الشكر على جهده البحثي المتميز.
 
* إعلامي لبناني مقيم في الكويت
 

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم