الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

صداقة باسيل ونصرالله: صديق صديقي هو عدوي

المصدر: "النهار"
باسيل(تصوير مارك فياض)
باسيل(تصوير مارك فياض)
A+ A-
غسان صليبي
 
"باسيل استعان بي كصديق وانا استعنت بالرئيس بري كصديق"، هكذا رد نصرالله على دعوة باسيل له منذ اسبوع للتدخل كصديق لإحلال الحق في مسألة تأليف الحكومة، مؤكدا انه بدأ باستجابة طلب باسيل وهو يقوم بالمساعي اللازمة.
دخلت "الصداقة" قاموس اللغة السياسية في لبنان، او بالاحرى استولت السياسة على مفهوم الصداقة وجعلته في خدمتها. فباسيل، الذي تأهل سياسيا بفضل المصاهرة، وبدا له ان لا فرق بين العائلية والمواطنية، وان لا قانون ولا دستور يحكم العلاقات السياسية، ها هو يستعين بـ"الصداقة" ليعالج بها المشكلات السياسية. فلا مشكلة عنده في ان يجيّر لنصرالله باسم الصداقة، ما يمثله حزبيا وبرلمانيا، والمطلوب من نصرالله بدوره ان يحكم هو أيضا با
بالنسبة إلى الرجلين، لا تتعارض الصداقة، القائمة على العلاقات الشخصية، مع المصلحة الجماعية والعامة. فالزعيم لا يعترف بتضارب المصالح، فهو يجسد بشخصه في آن واحد، المصلحة الشخصية والمصلحة العامة. وهو لا يعترف أيضا بالقاعدة القانونية التي تمنع التداخل بين المصلحتين الشخصية والعامة.
في العادة تُستخدم كلمة "أخ" للعلاقات العائلية، وكلمة "رفيق" للعلاقات الحزبية او النقابية، وكلمة "زميل" لعلاقات العمل، وكلمة "مواطن" للعلاقات بين البشر في الاطار الوطني. في مجتمعاتنا التي تطغى عليها العائلية، تتنطح كلمة "أخ" وتترقى، لتصف العلاقة بين المواطنين، خاصة عندما يتعلق الامر بالعلاقة بين مواطنين من طائفتين او مذهبين مختلفين، فيقول المسلم مثلا "الاخوة المسيحيين" ويقول المسيحي "الاخوة المسلمين".
جديد باسيل ونصرالله، هو ادخالهما مفهوم الصداقة، القائم على معيار العلاقات العاطفية، الى مجال يحدد فيه القانون العلاقات بين البشر، المبنية على مفهوم حقوق المواطنين بغض النظر عن القرب او البعد العاطفي بينهم.
للمفارقة العجيبة، يأتي ادخال مفهوم الصداقة من اجل معالجة قضية "الحقوق"، المسيحية او الاسلامية، في عرف جبران باسيل.
 
مشكلة الصداقة بين باسيل ونصرالله من جهة ونصرالله وبري من جهة أخرى، انها تؤدي من موقع باسيل الى معادلة "صديق صديقي هو عدوي"، اي الى عكس المتعارف عليه في المنطق القائل ان "صديق صديقي هو صديقي". فإما ان نكون امام تجديد في علم المنطق ام ان الصداقة المحكي عنها بين باسيل ونصرالله او بين الاخير وبري، تشكو من عطب ما. يقول المثل "إعرف اسرارهم من صغارهم". فالذي يتتبع ما يقوله صغارهم بعضهم في حقّ بعض، من شتائم واتهامات، اي ما يقوله اتباع بري وباسيل ونصرالله، يعرف ان ما يسمونه صداقة، لا علاقة له بالصداقة القائمة على الصدق والمحبة، بل هي علاقة مرتبطة حصريا بما تقتضيه منافع السلطة والمحاصصة. بعد ان مسخت المنظومة الحاكمة معنى الوطن والسياسة والاقتصاد والمقاومة والقانون والدستور، ها هي تنقضّ على مفهوم الصداقة لتجعله مطية لأكاذيبها. الاستيلاء على اللغة وعلى معنى الاحاسيس هو اعلى مراتب الاستبداد.
 
في نص لي سابق منشور في "النهار" ("الكيميائية المفقودة بين الرئيسين عون وبري"، ٣٠ كانون الثاني ٢٠١٨)، حاولت ان افهم اسباب العلاقة المتوترة دائما بين الرئيسين، وتوصلت الى الفرضية التالية: "ان احد الاسباب لغياب "الكيمياء" بين الطرفين، هو العلاقة المشتركة والقوية مع "حزب الله"، بصفته صاحب النفوذ الاقوى في البلد، والذي يربطه بالإثنين تحالف منفصل ووثيق. تكاد هذه العلاقة السياسية الثلاثية الضلع، لكن القائمة على ثنائيتين متوازيتين، تشبه العلاقة الفريدة التي تقوم في العائلة حيث تعدد الزوجات، وما ينجم عنها من حساسية مفرطة وغيرة وتنافس ضروس بين الزوجة وضرّتها. في اوضاع كهذه، الزوج وحده قادر على وقف الصراع وربما فقط الى حين. لكن الزوج في حالتنا كثير المشاغل وهو يعمل داخل البلد وخارجه ليهتم بعائلته الممتدة، وهو يهمل بالتالي بعض الشيء عائلته الصغيرة. كما انه على الارجح لن يتدخل الا عندما يصل الخلاف الى "المطبخ" مما قد يهدد باحتراق الطبخة".
 
العلاقة بين الزوج والزوجة ليست علاقة صداقة، وقد دلت التجارب ان تحولها الى صداقة دونها صعوبات جمة. لكنها مثل الصداقة، علاقة عاطفية. بهذا المعنى يمكنني ان افهم استخدام باسيل تعبير "الصداقة"، ففي ذلك شيء من التمويه اللاواعي عن علاقة عاطفية، لكن من نوع آخر.
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم