السبت - 27 نيسان 2024

إعلان

ما زالت الكويت ولاّدة أفكار وتعايش الأضداد

المصدر: "النهار"
حمزة عليان
حمزة عليان
الكويت (تعبيرية- أ ف ب).
الكويت (تعبيرية- أ ف ب).
A+ A-
الجدل حول الليبرالية في العالم العربي يشبه الجدل حول جنس الملائكة!
 
أصحاب التوجهات الإسلامية ينعتون النخب العربية والمثقفين العرب بالتفسخ والانحلال والتشبّه بالغرب، وهذا من وجهة نظرهم "تخريب" للهوية الإسلامية والعربية! 
 
وفي الساحة الكويتية تقرأ حوارات وأحياناً "مكابرات ندّية" بين مَن يحمل الفكر الليبرالي و"الإسلاميين" ومن عدة اتجاهات سلفية وإخوانية وما خرج منها من مدارس واتجاهات ودكاكين. 
 
الكاتب والزميل يوسف عبدالرحمن تناول في إحدى مقالاته اليومية كتاباً حديثاً مترجماً صدر عن "عالم المعرفة" بعنوان: "لماذا فشلت الليبرالية؟" وفيه إسقاط على تيار الليبرالية في الكويت، ووصفه بأنه "منكفئ وحراكه عدم" اللّهم إلا جهود فردية من "الأخ العزيز أنور الرشيد" الذي حاول جاهداً أن يحيي الليبرالية في مقالاته! 
 
ثم طرح عدة أسئلة واقعية عن دورهم في عصر الطفرة الإلكترونية ومتى تتحقق إنجازاتهم على أرض الواقع، لكنه أنهى تساؤلاته "بالجزم" بأنها لا تصلح "لأمة العرب". 
 
لم يترك الزميل أنور الرشيد الفرصة تفوته فكان ردّه باعتباره أول من تقدم بطلب ترخيص "جمعية الليبراليين الكويتية" أن الوزارة المعنية رفضت منحه هذا الحق لمجرد ورود كلمة "الليبرالية" بالإسم، ناهيك عن أن منتسبي التيار الليبرالي "محاسبون ويسجنون على الكلمة"، بينما الإسلاميون ينعمون بالمال وبالمناصب والمنابر ودعم الدولة لهم! متفاخراً بما قدمته الليبرالية من إنجازات للبشرية في الوقت الذي تم فيه تكفير وقتل علماء مسلمين. 
 
الجدل متواصل وليس وليد اللحظة وإن كانت تلك الجمعية التي لم ترَ النور أول مؤسسة مجتمع مدني في الخليج العربي تقبل في منظومة "الإتحاد العربي الليبرالي" لكنها جوبهت بمعاداة "قوى التخلف، ليس فقط لأنشطتها بل لكامل وجودها"، على حد تعبير الكاتب أحمد الصراف. 
 
قد تكون الكويت فضاءً مرناً في الحريات، ولديها قابلية لتوليد الأفكار وساحة متسعة ولا بأس بها، قياساً للدول الخليجية الأخرى، في ما يتعلق بالمناظرات المفتوحة عبر المنابر الإعلامية بين أنصار التيار الليبرالي وأنصار الإخوان والسلف والشيعة من الإسلاميين. 
 
فالصحافة الكويتية "تزخر" بالكتّاب الليبراليين والإسلاميين وغالباً ما تجد في الصحيفة نفسها كاتباً ليبرالياً وجاره إسلامياً، كما هي حال الزميلين والكاتبين أحمد الصراف ومبارك الدويلة على صفحات الزميلة "القبس" على سبيل المثال وفي غيرها من الصحف. 
 
قد يكون مفهوم الليبرالية من أكثر القضايا المثارة والتي تعرضت إلى نوع من سوء الفهم والتدليس بعد أن أصابها التشويه، كما ينظر إليها الكاتب حامد الحمود. ولذلك يرى الحاجة لتطوير مقياس للكشف عن الليبرالية وفقاً لمرجعيتها المتفق عليها. 
 
فالقول إن 6% من طلبة جامعة الكويت كما ظهر في أحد الاستطلاعات لمعرفة توجهاتهم السياسية، لم يجانبه الصواب ومشكوك فيه، علماً أن الكاتب الحمود خاض عدة محاورات بشأن العلاقة بين "الإخوان" و "الليبراليين" وتشكيكه بالمقولة التي تقول إن الإخوان لجأوا إلى العنف في الخمسينيات، مستغرباً هذا "التجني، لأنه لم يكن هناك تنظيم أو حزب عربي في تلك الفترة لم يلجأ إلى العنف". 
 
في طليعة الليبراليين الكويتيين والمدافعين عنهم الكاتب حسن العيسى في جريدة "الجريدة" والذي وضع إطاراً للمنازلات الفكرية وأجاب عن أسباب التراجع الليبرالي باعتبار أن ما نعيشه اليوم هو وضع "شاذ وانكفاء ظلامي" لم يكن ليحدث لولا الثورة الإيرانية وهزيمة 1967 وإحلال القومية الدينية محل القومية العربية، ولولا تصدر الأنظمة المحافظة بالخليج للقيم المتزمته، ومراهنة أميركا على الحركات الدينية وقمع الأنظمة العربية لشعوبها". وبعبارة أوضح، فعنده أنه لا توجد ديمقراطية حقيقية إذا لم تقم على أسس ليبرالية. 
 
هذه السجالات تقودنا إلى الساحة الإسلامية وهي بدورها تعاني من "نزعات الترنح والتراجع" على المستوى العربي والخليجي، بعد فشلها في مصر (تجربة محمد مرسي) وانفلاتها وتسخيرها لحسابات لاعبين إقليميين كبار على حساب الشعوب واستقرارها (في لبنان وفلسطين والعراق) وغيرها من الدول العربية. 
عثرات الليبراليين ليست وحدها، فالمعاناة بالتشرذم والتراجع أصابت "الإسلاميين" أيضاً، وفي كلا الحالتين تبدو معركة العرب مع المستقبل في مكان آخر، فنحن ما زلنا نتلمّس معالم هذا المجهول وسط الحروب الداخلية والتقتيل والتدمير، وهزيمتنا الكبرى أمام "عدوة العرب" إسرائيل وأمام أنفسنا وشعوبنا المطحونة والمكسورة.
 
 
*إعلامي وباحث لبناني مقيم في الكويت 
 
 
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم