الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

شابة لم تزر بلدتها يوماً... ممنوعة من الانتخاب!

المصدر: "النهار"
رين بوموسى
رين بوموسى
كنيسة في بلدة كفرسلوان.
كنيسة في بلدة كفرسلوان.
A+ A-
هل حقاً انتهت حرب 13 نيسان 1975؟ سؤال مفتوح على ما نعيشه في هذه الأيام التي بات وصفها بالصعبة لا يعبّر عن السقوط المدمّر الذي نحن فيه.

13 نيسان... كم تمنّى اللبناني نسيان هذا التاريخ وإلغاءه من رزنامة الأيام وذاكرة الأجيال! كم ردّد منذ انتهاء الحرب "تنذكر وما تنعاد"، وظلت تُعاد بأشكال أخرى. تاريخ لم يكن إلا لمآسٍ اختزلت سنوات من الدم والقتل والتفجير والنزف المتمادي حدّ انتقاله من الآباء إلى الأبناء. 13 نيسان يوم فظيع من الذاكرة الجماعية اللبنانية، نحاول مسحه من دون جدوى، فإذا بصوت المدافع والبارود يهدأ، لندخل في مرحلة شعارها "أمرّ من المرّ".

نحن في مرحلة بات فيها اللبناني سجين همومه وسجين الفظاعة. لقد بات سجيناً في بلده! والسجين "يشتهي" زمن الحرب على ما يعيشه في هذه الحرب الاقتصادية المُنهِكة، ليتحوّل لسان حاله من "تنذكر وما تنعاد" إلى "أيام الحرب كنّا عايشين أحسن"!.

هل من الطبيعي أن يتمنّى المرء العودة إلى الحرب؟ أإلى هذه الدرجة بات الوضع أصعب من إيجاد كلمات مناسبة لوصف ما يعيشه اللبناني اليوم، حتى يرغب في العودة إلى زمن المتاريس والمعارك؟ "دولارنا عم بحلّق، خبز ما في، كهرباء ما في، مازوت وبنزين كلّو بالدولار، وبعدين؟".
 


كلّ سنة مثل هذا اليوم، أشاء رفع الصوت عالياً آملة أن تبلغ أصداء صرختي أحداً، إلا أنّ ثقتي بهؤلاء اهتزّت. لمن أشكو أنني بلغت الثلاثين ولا أزال لا أعرف بلدتي ولم أزرها يوماً؟ لم أستطع أن أعيد بناء منزل تهدّم قبل أكثر من 40 عاماً. رحل جديّ وجدّتي تباعاً، وحلم العودة يتبدّد سنة بعد سنة.

بلدتي كفرسلوان هي البلدة الوحيدة التي لم تتم فيها المصالحة حتى اليوم والأسباب متشعبة.

لا تهمني الأسباب بل العودة التي نسعى إليها منذ سنوات وسنوات ولا حلول جديّة.

شابة لم يكفها أنها تهجّرت وعائلتها من "قريتها"، كادت تخسر حياتها، وحياة أحبائها في لحظة إجرام دمّرت بيروت وحياة شعب بأكمله. نسخة جديدة لحرب من نوع آخر، إذ إننا لا نزال نكتشف كل يوم مزيداً من فصول عذابات جهنّم وننحدر نزولاً من دون رادع.

شابة يضيق بها الأفق لتسأل في كل لحظة: من أنا؟ لماذا لا أزال هنا؟ إلى أيّ بلد أنتمي؟ أين هويتي؟ أين ثقتي بنفسي وبالناس الذين يحيطون بي؟ أقف في طابور للحصول على أدنى مقوّمات الحياة، أحاول جاهدة تأمين دواء والديّ بالواسطة! أين نحن؟ في أي طابق تنتهي هذه الجهنّم التي يحدّثوننا عنها؟ كيف نستمر في هذه الظروف؟ للمرة الأولى أشعر بالإحباط، وبأنّ هذا الواقع الحزين لم يُبقِ لنا نَفَساً.

نعم، أنا كباقي اللبنانيين محرومة من أدنى حقوقي. نعم، شعور الإحباط يتملّكني ويعصف بي. ماذا عليّ أن أفعل؟ يقولون "أملنا بالتغيير"! عن أي تغيير يتحدّثون وكيف لي المساهمة بذلك؟ هل تعلمون أنني ممنوعة من الانتخاب ليس لأنني محرومة من حقوقي المدنية أو غيرها، بل لأن قريتي لم تشملها حتى الساعة "مصالحة الجبل"، وهذا بفضل زعماء اليوم والبارحة وغداً بالتأكيد.

إلى متى؟ لا أعلم! لكن الأكيد أنني مكبّلة وتائهة، في رأسي حفرة سوداء... حالة أحاول الخروج منها مثل جميع اللبنانيين.
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم