الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

حذارِ الورقة البيضاء!

المصدر: "النهار"
جودي الأسمر
جودي الأسمر
نبيل اسماعيل. (تعبيرية)
نبيل اسماعيل. (تعبيرية)
A+ A-

هل تجدي الكلمات نفعاً بعد مغرقة 23 نيسان التي قضى بها أهلنا من طرابلس ومجموعة سوريين وفلسطينيين؟ بلى، تعجز الكلمة عن المواساة لكنّها لا تعجز عن التغيير. نحن صابرون على العجائب ولن نملّ الصبر، فلنصوّت!

تردّدت في الآونة الأخيرة نوايا البعض الانتقام من وجوه السلطة والتعبير عن عدم رضاهم بالوجوه التغييرية، فقرروا الاقتراع بالورقة البيضاء، لكنّ الحقيقة أنّ الورقة البيضاء ستأتي بالنتيجة العكسية، لأنّها تحتسب من نسبة المقترعين، فترفع الحاصل الانتخابي، والحاصل المرتفع تصطاده عادة اللوائح التقليدية ووجوه السلطة، فحذارِ أن تنقلب النقمة ضدّ السلطة ضدك أنت، المواطن الذي يريد الانتقام ممن أفقروه وظلموه وسرقوه وحرموه أبسط مقوّمات الحياة.

اليأس استفحل بنا واستبدّ، سقوطه المدوّي نعيشه جماعة، ولا نزال نئنّ تحت آلام ارتطامه في مغرقة "زورق الموت"، مروراً بخيبات الثورة التي أشعلناها بكلّ طاقة وأمل، فهبّت ريح التّغيير عكس ما اشتهينا، وإن تغيّر شيء فهو أنّ طرابلس كانت في الهاوية لكنّها هبطت نحو الدّرك الأسفل. ماذا بقي لنا إذاً سوى الانتخابات؟

لست أتحدث عن الـ"لالا لاند"، بل عن طرابلس. الشعور بالشلّل لا يستثني أحداً، يسري بنا بالقدر الّذي يجعلنا نشعر بانعدام القدرة على النهوض صبيحة 15 أيار ووضع أصواتنا في الصناديق، وهذا أمر طبيعي، وعكسه في بلد مثل لبنان هو غير الطبيعي، ولكن علينا أن نستنزف القطرة الأخيرة من الواجب تجاه مدينتنا، فنتحرك وننتخب. أقول "واجب" الانتخاب لا "حقّ" الانتخاب، فالحقّ عادة ما يكون مرتبطاً باحتياجات ورغبات، فيما لا أمل يرتجى من كلّ السّاسة في طرابلس. لكن، علينا أن ننتخب. 

القانون الانتخابيّ أعوج ويدفعنا بالمصادقة على نظرية التآمر لأنّه ومن تجربة 2018 أثبت أنّ الساسة فصّلوه فقط للحفاظ على الطبقة السياسية لتعيد إنتاج نفسها أو ورثتها. هذا عن القانون الانتخابي، أضف إليه أكبر أزمة بتاريخ لبنان وأكبر فضيحة ماليّة في العالم. كلّ المرافق الاقتصاديّة معطّلة فيما هي تمتلك المقومات تجعل طرابلس عاصمة اقتصادية للشرق الأوسط... ساستنا الأغنياء استغنوا، هجروا المدينة وفهموا أنّ الاقتتال على "جثّة" طرابلس ليس غنيمة. 

الطفل يولد دائناً لدولة لبنان بالمليارات. أي خطّة تعافي اقتصاديّة إن انطلقت اليوم لن تعيد البلد إلى العام 2019 قبل 15 سنة. الثورة؟ لم تنجح في توحيد الوجوه وإنتاج مشروع مشترك، ولا مفاجأة، فبوادر التفكّك في المزاج التغييريّ كانت واضحة منذ الأسابيع الأولى، الأنا والتخوين والتفكير الصبياني الذي يعتقد أنّه لا يقبل التصويب.

كلّ ما تقدّم بانوراما عاجلة حول الوضع السيّئ الذي يكرّس الشعور بأنّ لا جدوى من الانتخابات، لكنّه ينطبق أيضاً على كلّ المناطق اللبنانيّة الأخرى بدون استثناء.

ما يميز طرابلس هو العصيان على التجديد. بيروت، ومهما كثرت فيها العائلات العريقة وأصحاب الثروات، تحتضن تعددية طائفية واجتماعيّة تسحب بساط الزعامة والمونة أو بالأحرى تقلّصه، فيكون الزّعيم التقليدي زعيماً في دائرة محدّدة، أو حتى بضعة أحياء من هذه الدائرة. أمّا في طرابلس، فلا تزال الطبقة السياسية التقليدية محصنة بسبب ديناميكية اجتماعية خاصة صنعتها المصاهرات والقرابات بين العائلات الطرابلسية التي تشغل المشهد السياسي منذ عقود من جهة، وما يمكن تسميته بـ"النخبة" من أبناء الطبقة المقتدرة.

أعلم أنّ الخناق يشتدّ، وأنّ لا مناص من "لعنة" زعامات غير مسؤولة، وهي إن انكفأت عن الانتخابات، فأشباحها لا تزال تطاردنا. التحدّي والخلاص في آن واحد هو بالتصويت وبورقة غير بيضاء.

لا شكّ أنّ القانون الانتخابي هو الحاجز الأكبر الذي يحول دون التعبير عن اقتناعاتنا بالكامل، فنضطرّ لمنح أصواتنا للائحة لا تمثّلنا، لأنّ مرشحاً واحداً فيها يمثلنا، فنعطيه التفضيلي، ونزيد رصيد اللائحة في الحاصل الانتخابيّ.

لا نمتلك "أداة" قريبة تعبّر عن اقتناعاتنا ولو بالحدّ الأدنى المتاح لنا سوى الانتخابات. تقدّر التّرجيحات بأنّ الوجوه الجديدة لن تخرق أكثر من 15 مقعداً في كلّ لبنان... لماذا لا نعاكسها، ونحاول إعطاء الفرصة لمن تجسّد مسيرته التزامه بالشأن العام، وغيرته على مصلحة المدينة، وبأنّه مترفّع عن المال وإغراءاتها، وبيده اقتراحات علميّة للأزمة اللبنانية، كما أنّه واقعيّ ولا يدّعي امتلاك فانوس علاء الدين؟

الانتخابات محطّة تحكيم الضمير والرجوع للعقل.

والصّناديق، إن لم تستقطب أصواتاً تعبّر عن الدروس التي استقيناها منذ انتهاء الحرب الأهليّة وكلّ تجاربنا الفاشلة مع الساسة القدماء، ستمتلئ بأصوات مؤيّدة لهؤلاء الذين سيحكموننا لأربع سنوات إضافية.

فحتى اليوم وبمرور أربع سنوات من الاستحقاق الأخير، يندم الكثير من المواطنين لأنّهم صوّتوا لفلان الّذي خذلهم. الامتناع عن التصويت في الانتخابات القادمة هو خذلان لطرابلس، وللنفس. لن ينجح الناخب في قلب الطاولة رأساً على عقب، لكنّه على الأقل سيكون راضياً عن صورته أمام نفسه، لأنّه حاول أن يكون مسؤولاً.

نحن نخوض معركة بقاء في كلّ صغيرة وكبيرة، فلمَ لا تكون معركة وجود نعبّر عنها في صناديق الاقتراع؟ لقد نسي السّاسة أنّ أبناء طرابلس موجودون، فنلصوّت لنقول لهم أنّنا موجودون، ومعنيّون، وأنّنا نحاسبهم.

 

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم