السبت - 27 نيسان 2024

إعلان

الدولة لا تريد الدولة

سمير قسطنطين
سمير قسطنطين
انفجار المرفأ (النهار)
انفجار المرفأ (النهار)
A+ A-
بعد أيّامٍ قليلة، يكون قد مرّ على اندلاع الحراك الشعبي الاحتجاجي سنة كاملة. الناس نزلت إلى الشوارع بأعدادٍ غير مسبوقة لتعبّر عن عدم ثقتها بأداء الطبقة السياسيّة. بعض هذه الطبقة لزِم الصمت حيال اتّهامات الفساد التي وُجِّهَت إليه، والبعض الآخر أصرَّ على القول: "مش نحنا ... هنّي".
اليوم أُريد أن أغضّ الطرف عن كلّ ما حصل منذ إتّفاق الطائف وحتّى 17 تشرين الأوّل الماضي. لا أُريد أن أتلفّت إلى ما حصل قبل هذا التاريخ. وأودُّ أن أسألَ نفسي: "ماذا تعلّم السياسيّون في لبنان من الاحتجاج الشعبي"؟ لا أريد أن أتّهمَ أحداً بأيّ فسادٍ حصل قبل هذا التاريخ. أحببتُ فقط أن أسأل عن بضع فضائح حَصَلَت بعد هذا التاريخ، وكأنّ الناس لم تقُلْ للسلطة إنّها موجوعة.
أسألُ عن ملفّ الفيول المغشوش. الدولة تعرف من هم وراء بواخر الفيول المغشوش لكنّها لا تريد أن تحاكمهم. القضاء أطلق سراح جميع المُشتَبه بهم بعد توقيفهم صُوَريّاً على ما يبدو – بالإذن من جوليا -، لا بلْ إنّ إحداهنّ نالت ترقية. المضحك أنّ القضاء حصرَ التُهمة بساعاتٍ إضافيّة سجّلها بعض الموظّفين عن غير وجه حق. أين كانت التُهمة في البداية، وكيف انتهتْ!
فضيحة ثانية هي فضيحة التهريب عبر الحدود والتي حصلتْ أيضاً بعد 17 تشرين. الدولة تعرف من هم الذين يهرّبون البضائع عبر المعابر غير الشرعيّة بين لبنان وسوريا لكنّها لا تعتقلهم. تفتّش أحياناً عن راعي قطيع "مقطوع المعتّر من شجرة"، فتعتقله وتوهمنا بأنّها تقوم بواجباتها. من منّا لا يعلم أنّ المهرّبين، وهُم ليسوا من هويّة سياسيّة واحدة، يمتصّون دماء الخزينة ويساهمون في ارتفاع سعر الدولار؟ كلّنا نعلم ذلك، لكنّ الدولة ساكتة عن هذه الفضيحة.
فضيحةٌ ثالثة هي السلاح المتفلّت في مناطق عديدة وفي البقاع تحديداً. كلّنا شاهدنا العراضات المسلّحة لآلِ جعفر وآل شمص. الوجوه مكشوفة. كانوا مُدجّجين بالسلاح. بدوا وكأنّهم أقوى من الدولة ومن الأحزاب الموجودة في المنطقة. بعلبك التي نُفِّذَت فيها عشرات الخطط الأمنيّة في السنوات الأخيرة، لم نلمح فيها عنصراً أمنيّاً واحداً. لا تقُلْ لي إنّه كان على الجيش أن يتدخّل. الجيش يأتمِر بأوامر السياسيّين، والسياسيّون مشغولون بكيفيّة انتزاع صلاحيّات قائد الجيش! ليس ذلك فحسب، بل المضحك المبكي أنّ بياناً واحداً للإستنكار "يا جماعة" ليس أكثر، لم يصدر عن أيّ جهة حكوميّة أو رسميّة أخرى.
فضيحةٌ رابعة، هي قضيّة الدجاج الفاسد الذي إكتُشفَ في زكريت. أين أصبح التحقيق؟ لم نسمع عن توقيفاتٍ ولا أحكام. لا أعتقد أنّ الأمرَ يتطلّب خمس عشرة سنة من المحاكمات الدوليّة في لاهاي لإصدار القرار. إختفى الموضوع. السلطة إقتحمت المكان .. عظيم ... واختفت. ذهبَت ولم تعُدْ. هذه جريمة موصوفة تتسبّب باعتلال صحّة آلاف الناس. ماذا يمنع إطلاع الناس على نتائج التحقيق؟! لو كان هناك تحقيقٌ "عن حق وحقيق" لكنّا عرفنا. الدولة اكتفت بلعب دور The One Hour Hero أي دور "البطل لساعةٍ واحدة". 
فضيحةٌ خامسة هي فضيحة التحويلات المصرفيّة بعد ١٧ تشرين. ظهرَت في الإعلام أسماءٌ كثيرة لشخصيّات سياسيّة إرتكبت هذه الموبقات، لكنّي لا أُريد أن أتّهم أحداً. إلّا أنّ الثابت أنّ ذلك حصل. من هُم أبطال هذه الفضيحة؟ ولماذا لا تُكشف أسماء الأشخاص من أقوياء ومصرفيّين فعلوا ذلك؟ 
فضيحةٌ سادسة هي فضيحة الاتّفاق الذي وقّعه وزير الماليّة في الحكومة المستقيلة غازي وزني مع شركة Alvarez & Marsal. الحكومة وافقت على نصِّ عقدٍ هو غير ذلك الذي وقّعه وزني. "معقول"؟ فضيحةٌ لا وزني استقال في إثرها، ولا الحكومة أو أيٌّ من الأقوياء في البلد نبسَ ببنتِ شفة! لا أدري إن كان ذلك يحصل في جمهوريّات الـ Banana. "مِشْ مسترجي إتّهم" جمهوريّات الموز لئلّا أجرح مشاعرهم.
فضيحةٌ سابعة هي قوارب الموت بين طرابلس وقبرص. الذين أتوا بالقوارب وقبضوا المال من لبنانيّين يئسوا من الحياة، أين هُم؟ أليسوا معروفين؟ هؤلاء ارتكبوا جريمة قتلٍ عن سابق تصوّرٍ وتصميم. عشرات البائسين ماتوا "لا بل قُتلوا" في عرض البحر. ليس من توقيفات وليس من تحقيقٍ جِدّي. من هو القوي الذي يحميهم؟
فضيحةٌ ثامنة وأخيرة، هي فضيحة التحقيق بانفجار المرفأ. التحقيق الذي طُلِبَ منّا أن ننتظر نتائجه خمسة أيّام طال ولم نعرف النتيجة بعد. ألَم تصل التحقيقات مع عشرات الضبّاط والموظّفين في المرفأ إلى نتيجة؟ "بدها دكتوراه من هارفرد يعني"؟ الموضوع بسيط وينتهي بالإجابة عن سؤالين بسيطيَن: السؤال الأوّل هو "من أتى بباخرة الجريمة إلى مرفأ بيروت"؟ والسؤال الثاني: "من هو أوّل مسؤولٍ سياسي أو أمني منع التحقيق"؟ مشكورٌ القاضي صوّان على جهده، لكن الموضوع بسيط. عسى ألّا يُقال لنا في النهاية إنّ ضابطاً أمنيّاً من هنا وموظّفاً لا ظهر سياسيّاً له من هناك قد ارتكبا هذه المعصية.
باختصار، الدولة لا تريد الدولة. الناس تريد الدولة، والدولة لا تريد نفسها. هذا يحدث في بلد الغرائب ولأوّل مرّة في التاريخ. الناس تريد دولة القانون، والدولة تريد دولةً بلا قانون.

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم