السبت - 27 نيسان 2024

إعلان

هل حكومة ماكرون قادرة على انتشال الاقتصاد اللبناني من الانهيار؟

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون خلال مؤتمره الصحافي أمس (نبيل إسماعيل).
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون خلال مؤتمره الصحافي أمس (نبيل إسماعيل).
A+ A-
 

كتب الدكتور أيمن عمر- باحث في الشؤون السياسية والاقتصادية

أزمات عميقة عديدة يعاني منها الاقتصاد اللبناني والمالية العامة، وهي أصبحت معلومة للشعب اللبناني بأكمله، صغيره قبل كبيره، للمواطن العادي قبل المثقف والمتخصص، ولا يفيد تكرارها لتجنّب حدوث الملل أو لزوم ما لا يلزم. تحدّيات جمّة، معوّقات ضخمة تلقي بكامل ثقلها على الحكومة اللبنانية العتيدة، تجعل من مهامها في خانة الإعجاز اللبناني. وإذا كان من الخطأ الجسيم تحميل هذه الحكومة عواقب عشرات السنين من الفشل والانهيار، فإنها هي المسؤول الأول عن المعالجات طالما ارتضت تحمّل المسؤولية. ووفق قاعدة "إذا أردت أن تُطاع فاطلب المستطاع" فإن ظروف تأليف هذه الحكومة وخلفياتها ومهامها السياسية، تدفعني إلى القناعة أنها ليست الحكومة التي بوسعها انتشال الاقتصاد اللبناني من الانزلاق نحو القعر، وإنما بإمكانها لجم هذا التدهور بل تهيئة الأرضية المناسبة والقاعدة المطلوبة للانتقال بالاقتصاد اللبناني من حالة إلى حالة، ووضع البنى اللازمة لبناء نموذج اقتصادي جديد يتناسب مع لبنان الجديد والجمهورية الثالثة. هذه الأرضية والبنى اللازمة للنموذج الجديد يجب أن تبدأ من منطلقات أساسية، تُضاف إلى توفير التمويل اللازم ودعم المجتمع الدولي وهيكلة الدين العام وهيكلة القطاع المصرفي وتوفير الكهرباء، ليتحدد على إثرها المسار والمصير، وهي:

1- الموازنة العامة: الموازنة العامة لأي بلد هي البنيان الأساسي لماليته العامة ولاقتصاده. فهي الانعكاس الحقيقي عن الحالة العامة في البلد، وعن الأهداف الاقتصادية والاجتماعية والمعيشية للسلطات السياسية. وهنا لبّ الإصلاح الحقيقي والذي منه يكون المنطلق لجميع الاصلاحات الأخرى. طوال العقود والموازنة العامة في لبنان موازنة تقليدية على طريقة "النسخ واللصق copy paste" مع تغيير في أرقامها فقط. فهي أقرب إلى مستند محاسبي منه إلى موازنة بالمفهوم الاقتصادي العلمي، تُستنزف بكاملها لصالح رواتب موظفي القطاع العام، الدين العام وفوائده وعجز الكهرباء. إن أي إصلاح دون تغيير جذري في هيكلية الموازنة العامة لن يكون ذا جدوى ومنفعة. يكاد هناك شبه إجماع وطني على ضرورة الانتقال من الاقتصاد الريعي البائس والمسبّب للانهيار إلى الاقتصاد الإنتاجي، وذلك لا ولن يتم إلا عبر إعداد موازنات بهيكلية جديدة تؤسس لهذا الاقتصاد. وهذا يحتّم على الحكومة تغيير في شكل وفي مضمون الموازنة. إن قطاع الزراعة والصناعة والسياحة والمعرفة يجب أن تكون هي القطاعات الريادية الأساسية في بنية النموذج الاقتصادي للبنان الجديد، وعليه فإن وزارات الزراعة والصناعة والسياحة والتربية والتعليم يجب أن تصبح هي الوزارات السيادية، وأن تعكس الموازنة العامة هذا التوجه الجديد. لم يعد مقبولاً تخفيض موازنة وزارة الزراعة من 81.48 مليار ل ل في العام 2019 إلى 76.559 مليار في العام 2020 وهي لا تشكل سوى 0.40% تقريباً فحسب من إجمالي الموازنة، وهذا هو بداية الخرق لأمننا الغذائي واستنزاف للاحتياطي من العملات الأجنبية في عمليات دعم الاستيراد. ومن الخطأ الفادح أن تشكّل كل من وزارتي الصناعة السياحة 0.05% و0.11% على التوالي، فعن طريق هذين القطاعين نستطيع تأمين الدولارات الطازجة وتحريك الماكينة الاقتصادية. والعجب العُجاب في الموازنات السابقة العقلية الأمنية والبوليسية فهي تتضمن اعتمادات للنفقات السرية ب40.83 مليار ل ل وتشكل 0.21%، وهي أعلى من تلك المخصصة للوزارات المنتجة والمهمة للاقتصاد. وكل حديث عن التدقيق الجنائي لمصرف لبنان دون أن يسبقه أو على الأقل يترافق معه عملية قطع حسابات السنوات السابقة لن يؤثر كثيراً في عملية الاصلاح ومحاربة الفساد والمفسدين.

2- التشريعات الضريبية والنقدية: من أهم العوامل الجاذبة للاستثمارات بشقيها المحلي والأجنبي هي الحوافز والجنّات الضريبية، ولعل الثغرات الأساسية في تطفيش رؤوس الأموال عن الاستثمار في قطاعات مهمة للاقتصاد الوطني هي غياب التشريعات الجاذبة للرساميل وخاصة الأجنبية، يقابلها تشريعات وتعاميم نقدية تستقطب هذه الرساميل عبر الفوائد المرتفعة والهندسات المالية، فتجعل هذه الرساميل جثثاً هامدة لا مفاعيل لها في الدورة الاقتصادية. وإن قانون النقد والتسليف هو الركيزة الأساسية للعمل المصرفي والذي يتحكم بالوضع النقدي وهو لا زال قائماً على بنود منذ العام 1963، ومن أخطر هذه البنود هي إعطاء صلاحيات مطلقة لحاكم مصرف لبنان في التحكم بمصير الوضع النقدي بل وبالمالية العامة، وقد تكشفت خلال الأزمة الحالية خطورة تفرّد حاكم المصرف بتعاميمه وتأثيراتها دون التنسيق مع السلطة السياسية وبما قد يتناقض مع أهدافها الاقتصادية العامة، أضف إليها قانون السرية المصرفية. بعد 57 سنة تطورات هائلة حدثت في علم الاقتصاد والمالية العامة وفي الأنظمة الاقتصادية تفرض علينا أن نواكب بشكل مستمر هذه التطورات عبر التشريعات اللازمة وبما يتناسب مع ظروفنا الداخلية والمتغيرات العالمية.

3- نظام سعر الصرف: إن النظام المتبع في لبنان منذ العام 1993 هو سعر الصرف الثابت، والذي انكشفت عوراته مع بدء الأزمة الاقتصادية في نهاية العام الماضي. وما يحدث اليوم من تعدد لسعر الصرف لتصل إلى 4 أسعار لهي من البدع النقدية على الطريقة اللبنانية. لذلك على الحكومة العتيدة السعي إلى بناء نظام سعر صرف يتناسب مع الوضع الاقتصادي. وإن أفضل نظام صرف والذي يضمن الحفاظ على قيمة العملة الوطنية هو نظام التعويم المدار وهو ما يجعله تحت السيطرة ويتناسب مع التغيرات في العرض والطلب، ويكون مرآة حقيقية لحجم الاقتصاد ولمتطلبات السوق مع بناء جدار من الحماية الفعلية وليس الوهمية يقيه شرّ المضاربات السياسية.

كل ما ورد من منطلقات أساسية مبني على فرضية الحصول على الدعم المالي من المجتمع الدولي وصندوق النقد الدولي، وتلمس نتائجها فعلياً من قبل المواطنين أقله البدء باسترجاع جزء من مدخراتهم في المصارف واستقرار نوعاً ما لسعر صرف الليرة ولجم التضخم المالي. وإذا كان في السابق الهدف الأول والأخير للسلطة السياسية هو إعادة الثقة بالنظام اللبناني بكل محتوياته السياسية والاقتصادية والمالية وغيره، أما اليوم وبعد الحادث الجلل في المرفأ وتعاطي المسؤولين مع الأزمة فإن الهدف هو إعادة الأمل مجرد الأمل وبثّ الحياة في الكيان اللبناني ومنظومته. ولكن أخشى ما أخشاه أن تكون وظيفة هذه الحكومة ودورها الاقتصادي مقتصراً على تنفيذ بعض شروط صندوق النقد الدولي الاصلاحية المرتبطة بمعيشة الناس من زيادة TVA إلى زيادة الرسوم على المحروقات ورفع الدعم عن بعض السلع الضرورية كما مهّد لذلك حاكم مصرف لبنان بحديثه الأخير عن احتياطي المصرف، وتكون البوابة إلى الجمهورية الثالثة.

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم