الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

الزهايمر ووظيفة محلل عسكري

المصدر: "النهار"
مشهد في ألمانيا (تعبيرية- أ ف ب).
مشهد في ألمانيا (تعبيرية- أ ف ب).
A+ A-
 
مصطفى علوش
 
تذكرتُ الآن أني بدأت نسيان قواعد الكتابة الصحافية، والسبب لا يعود إلى مرض الزهايمر الذي عادة ما يصيب الكبار في العمر، إنما بسبب متابعتي اليومية للأخبار. 
 
فحالياً أتابع أخبار الكرة الأرضية مجتمعة، وأجد نفسي دائماً أتابع نشرات الأخبار السياسية والإقتصادية والثقافية والفنية، حتى أني صرتُ خبيراً بآخر أخبار وتطورات الحالة بين ايران والولايات المتحدة الأميركية، ووصل الأمر بي إلى درجة حفظ معظم التصريحات الصادرة عن السيد ترامب، وعن قادة الحرس الثوري ومشتقاته من قادة ميليشيات. 
 
في إحدى المرات شاهدتُ نفسي في المنام ولديّ امتحان مهم، وضمن الإمتحان كان عليّ حفظ كل خطب وكلمات وزير خارجية النظام السوري الراحل. وكان المطلوب مني أيضاً في الإمتحان نفسه، تقليد صوت السيد وليد المعلم وحركات الجسد لديه، فوجدتُني أقرأ وأقرأ وأحاول حفظ كل ما قاله، وفي لحظة صحوتُ من نومي، وتنفستُ الصعداء حين وجدتُ أنّ هذا كان حلماً.
كأن الأمر صار عندي شبيهاً بوسواس قهري، حتى أني تذكرتُ حضن الوطن، وخطب وكلمات رؤساء الحكومات المتعاقبة هناك، خاصة تلك المتعلقة بأحوال الخبز والكهرباء والماء والمستقبل.
حفظتُ عن ظهر قلب، أحوال الفيلة في الغابات الإفريقية، وأحوال الذئاب والثعالب، كما شاهدتُ برنامجاً علمياً يلخّص أحوال العناكب والعقارب والأفاعي والتماسيح وتاريخ ظهورها وتطورها على كوكب الأرض.
 
بسبب انشغالي القهري هذا، صرتُ غير قادر على التركيز على موضوع محدد. فحين أكتبُ زاوية رأي، أضيع وأتجه إلى كتابة تحقيق اقتصادي أو سياسي، وإذا أردتُ كتابة تحقيق صحافي عن الطوائف في الشرق أجد نفسي أكتبُ زاوية رأي عن السلام والعدالة والديموقراطيات العريقة في الشرق الأوسط ومدى قوة الدول فيه ومدى نزاهة آخر انتخابات برلمانية سورية. 
رئيس التحرير طلب مني التوقف عن الكتابة، كما طلب نقلي إلى الأرشيف، أما زملائي في الصحيفة فصاروا يبتعدون عني بسبب إختلاط الأمور عليّ، حيث صرتُ أيضاً أرى الرجال نساء والنساء رجالاً، كما نسيتُ أسماء من أعرفهم ضمن محيطي الإجتماعي، وأحياناً أطلق أسماء جديدة على معارفي القدامى في الحي.
 
ورغم أني أعيش في ألمانيا منذ خمس سنوات ونيف، وهنا بلد ديموقراطي، صرتُ أعتقد أن على المسلمين في ألمانيا هنا إنشاء دولتهم الإسلامية ومحاربة الكفار، والكافر هو كل من هو غير مسلم، كما رحتُ أطالب بتحريم شرب الخمر. 
 
في المصح العقلي، صرتُ أردد أشعار نزار قباني على أنها أشعار غوته، واعتقدتُ أن الروائية أحلام مستغانمي هي أدونيس، وبتُّ أردد أهداف حزب البعث العربي السوري، كلما نادوني لتناول الطعام أو الدواء، ومعها أردد أناشيد طلائع البعث وأهدافه الكبرى ومنها مثلاً أن يسعى الطليعي لبناء المجتمع العربي الإشتراكي الموحد.
 
ساءت حالتي كثيراً وذلك بسبب متابعتي لقناة إخبارية عربية مشهورة في تعاملها ودعمها لأخبار "القاعدة" و"داعش"، وصرتُ أراقب التحليلات السياسية وكنتُ أجد نفسي بعد كل تحليل أصفق وأصرخ، ثم أدخل الحمّام. لقد سيطرت عليّ موجة تقليد أهم مذيع في القناة وهو يقوم بفكّ أحد الإشتباكات القتالية التي حدثت في برنامجه.
 
بدأت أنسى اللغة العربية والألمانية أيضاً، وأعبّر بلغة الإشارة أحياناً ولا سيما حين يقول أحد ما أمامي إن أهم مقومات القومية العربية هي اللغة والدين والتاريخ المشترك.
 
نسيتُ تعريف المفاهيم والتعرف عليها، فصرتُ أعتقد أن الإشتراكية هي نفسها الرأسمالية، وأن الليبيرالية الحديثة هي نفسها الإمبريالية والإستعمار الحديث، والحداثة هي نفسها ما قبل الحداثة. 
 
تعقدت حالتي جداً إلى درجة أن إحدى القنوات الإخبارية العربية عرضت عليَّ وظيفة محلل عسكري برتبة عميد متقاعد، براتب مغرٍ جداً. وقد قبلتُ بهذا العرض وبدأت العمل، وعليكم متابعة تحليلاتي الخارقة بدءًا من الغد. 

 
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم