الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

على وقع الغزوة الشيشانية: دعوة لتصحيح "الخطاب المسجدي"

حمزة عليان
حمزة عليان
جدارية لضحايا اعتداء "شارلي إبدو" في شارع نيكولا أبير، شرق باريس (أ ف ب).
جدارية لضحايا اعتداء "شارلي إبدو" في شارع نيكولا أبير، شرق باريس (أ ف ب).
A+ A-
إذا أقدم أحد على شتم السيد المسيح، هل أحمل المسدس وأقتله؟ 
طيب إذا تجرأ أحد على إهانة النبي محمد، هل أقطع رأسه؟ 
طيب، إذا وجد أحد واستهزأ بالنبي موسى، هل أسحب السكين وأجز رقبته؟
 
وقائع الاستهزاء بالأنبياء حصلت من قبل وليست هذه المرة الأولى، ولم تحدث فظائع غير آدمية بل سلكت سبل الاحتجاج والاعتراض والمحاكم وبما فيها المقاطعة، وهي قنوات مشروعة ولا غبار عليها. 
 
الرسول عليه الصلاة والسلام، كان يبتعد عمن يستهزئ به ولا يجالسه، هذا أقصى ما فعله، فكيف بنا نبرر اليوم لفعلة شيشاني شاب لم يتجاوز عمره الثانية والعشرين وجاء إلى فرنسا يطلب اللجوء السياسي ليعيش حياة كريمة هرباً من بلاده، أو لشاب تونسي يقاربه في العمر ينحر ثلاثة أشخاص أمام كنيسة في مدينة نيس. 
 
الرسول، أعلى وأكبر من أن ندافع عنه بهذا السلوك العدواني المخيف، لأن هذا النوع من الانتقام سيزيد المعتدين وسيجدون في إثارة بعض المتشددين المسلمين ضالتهم! 
 
لماذا لم يغضب المسلمون مثلاً من قتل بعضهم بيد البعض الآخر؟ لماذا لم ترتعد فرائضهم من الاضطهاد والظلم الذي يقع عليهم من حكام مسلمين! أليس هذا سؤالاً مشروعاً؟ 
 
وفي خضم المساجلات الدائرة في الأزمة المشتعلة بين فرنسا والإسلام السياسي، ووسط الاندفاعات المتطرفة والمغالاة من "علمانيي فرنسا" والمتعصبين الإسلاميين الذين أشهروا السكاكين بقطع الرؤوس..! وجدت في كتاب الباحث الكويتي محمد حمود البغيلي التأويل السياسي في القرآن الكريم والذي نال عليه شهادة الدكتوراه أخيراً فسحة من التأمل ومراجعة المضمون. 
 
المراجعة نحتاجها اليوم للتأكيد على الدعوة لتجديد ثقافة الفكر الديني وتصحيح "الخطاب المسجدي" الذي استولد أمثال هذا الشيشاني! 
 
وفي المراجعة أن سنوات الفكر الظلامي التي عشناها طوال أربع سنوات من دخول داعش إلى حياتنا لم تنته بعد بالرغم من تقاذف المسؤولية السياسية عمن وظفها واستخدمها وأنفق عليها المال؟ هل هو نوري المالكي وإيران من ورائه؟ كما تقول وثائق "ويكيليكس"، أم السعودية وحلفاءها، والذين هيئوا المسرح لها بالبيئة الدينية التي أنتجت هؤلاء؟ أم أنها صنيعة للمخابرات الأميركية؟ التي نفخت في روح هؤلاء وقذفت بهم إلى بلاد الشام كما نفخت بأرواح المجاهدين الأفغان من قبل!
 
تنطلق الدراسة من التمييز بين التأويل والتفسير، حيث أن التفسير لغة يأتي بمعنى الإيضاح والتبيين، بينما يأتي التأويل بمعنى الرجوع إلى أول الشيء أي أصله. 
 
على أن مكامن الاختلاف عند التعامل مع التراث تظهر مع تعدد القراءات التأويلية وتنوع مستوياتها الثقافية وتبدو على الشكل التالي: 
 
1- موقف سلفي تقليدي محافظ متعصب، يتميز بإصراره ووضوحه في رفض كل جديد وهو إن مجد التراث إلا أنه يمثل أدنى درجات الوعي. 
 
2- موقف حداثوي تحرري يناظر الموقف السلفي ويقاطعه على اعتبار أن التراث معرقل للنهضة ومواكبة روح العصر، وهو موقف تورط بالاغتراب في كفاحه ضد الجمود السلفي. 
 
3- موقف إصلاحي توفيقي يدعو إلى الملاءمة بين التراث والحداثة، والتوفيق بين قيم الأصالة ومتطلبات العصر، وقد تعرض هذا الموقف إلى ضبابية بين منظومات فكرية غير متجانسة. 
 
4- موقف توظيفي نفعي، وهذا موقف ذرائعي تبرر فيه الغاية الوسيلة ويسخر التراث كأداة تبرير وتسويغ لممارسات الحاضر. 
 
5- موقف معياري انتقالي، وهو الذي يعتمد إلى تحليل التراث تحليلاً منهجياً بقصد التمييز بين الجيد والرديء منه، والصالح والفاسد. 
من هنا كان الاطلاع على النماذج العربية في التأويل مدخلاً مناسباً لتلك المشاريع. 
فالمفكر محمد أركون يذهب إلى تفكيك النص التراثي ويخلصه من الأساطير والتهويمات ليعيد تركيبه من جديد، معتبراً أن نزع المهابة عن النص القرآني ضرورة لفهمه.
 
أما نصر حامد أبوزيد فعنده أن العلمانية هي التأويل الحقيقي للدين وليست دعوة للإلحاد او حتى فصل الدين عن المجتمع هدفه قراءة الخطاب الديني على أسس معرفية ومن خلال الواقع والثقافة. 
 
في حين أن مشروع محمد شحرور قائم على عدم وجود ترادف في القرآن الكريم، فالمنطق الرياضي لديه مهم في كشف تأويل القرآن. 
 
وأخيراً يجد في محمد عابد الجاري والذي انتهى في تحليله إلى رفض جميع القراءات المعاصرة للتراث، مستنداً إلى إحداث قطيعة مع بنية العقل العربي القائمة على القياس، وتحويل العرب من كائنات تراثية إلى كائنات لها تراث. 
 
اتضح من خلال الدراسة أن ذم ابن رشد والفارابي للديموقراطية انطلاقاً من تأثرهما بأفلاطون، حيث يريان أنها تؤدي إلى الفوضى، كما اتضح للمؤلف، تزود الفقهاء المسلمين بالآداب السلطانية والساسانية لتحديد معالم العدل بوصفه قيمة سياسية وصولاً إلى العصر الحديث وأفكار المودودي وسيد قطب والخميني بكونها قراءات إسلامية تأثرت بمفاهيم غريبة وحديثة، كالدولة والثورة والأيديولوجيات. 
 
* إعلامي وباحث لبناني مقيم في الكويت 
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم