السبت - 27 نيسان 2024

إعلان

المياه... تضع الخليج في دائرة الخطر؟

حمزة عليان
حمزة عليان
حاملة الطائرات نيميتز (ا ف ب)
حاملة الطائرات نيميتز (ا ف ب)
A+ A-
عندما يتحدث رجل في اختصاصه، تنصت إليه ففي جعبته ما قد ينفع البلاد والعباد. وهذا ما حصل بيني وبين أول شخصية عربية تشرع في تأسيس أول بنك للمياه في العالم، سيكون مقره في هولندا، وهو السيد رشاد الشوا. ففي جلسة طويلة تحدث فيها عن حال الأمن المائي في دول الخليج العربي، وبالأخص ما له علاقة بالكويت، استدرك الكلام ليهمس في أذني قائلاً: "هل تعلم أن الله حباكم بلداً وأعطاه نعمة لم يعطها لأحد؟". وأضاف: "لبنان لديه مصادر مياه تقدّر سنوياً بمليار و300 مليون متر مكعب تذهب هدراً وبدون أيّ فائدة. مياه تتجمع من الأمطار والثلوج، ومياه جوفية وتخزين سطحي، بحيث أصبح لديه فائض مائي يمكنه أن يلبّي حاجات دول الهلال الخصيب". إضافة إلى وجود ثروة مائية في البحر، وعلى مسافة 800 متر من الشاطئ، تحتاج إلى قليل من التجهيزات لإخراجها، توازي بقيمتها الاستراتيجية كميات الغاز الذي يتقاتلون عليه ولا يزال في باطن البحر!!
بحسب قراءاته ومن وجهة نظره، دول الخليج كلها في خطر مائي، وإن تباينت الدرجات بين دولة وأخرى، فالكويت وقطر والبحرين تحتلّ المرتبة الأولى من حيث الخطورة، فيما تأتي الإمارات والسعودية في المرتبة الثانية.
أما لماذا الحديث عن الأمن المائي؟ فذلك مرتبط بالأمن الوطني والغذائي على حدّ سواء، فالماء أساس الوجود وعماد حياة البشر.
والقصّة تبدأ من محطات تحلية المياه الآتية من بحر الخليج العربي، وهي مصدر التغذية ومياه الشرب وكل الأنشطة الاقتصادية التي تعتمد عليها دول المنطقة، وتحديداً منظومة مجلس التعاون الخليجي.
وبما أنّ بحر الخليج العربي عبارة عن بحيرة مغلقة، فحركة تجدد المياه فيه قبل 45 سنة تقريباً كانت تكتمل بأربعة أشهر، واليوم تحتاج إلى سبع سنوات. والسبب عائد إلى كمية الملوّثات التي تُرمى فيه!
يدخل مياه الخليج سنوياً نحو 60 ألف سفينة تنقل النفط والمواشي، إضافة إلى البواخر التجارية، وهذه السفن تلقي بفضلاتها في مياهه!
عدا الناتج من الصناعات النفطية والبتروكيماوية المنتشرة على طول سواحل الخليج. فتخيَّل كمية "الأوساخ" وما سينتج عنها من مخاطر بيئية تطال الجميع.
يكفي أن تلقي نظرة وأنت في الطائرة فوق مياه الخليج، لتجد أنّ المياه مالت إلى اللون الرمادي، فيما يصاحبك اللون الأزرق فوق مياه البحر الأحمر أو المتوسط. وعليه لن يكون بمقدور تلك الدول الحصول على مياه صالحة، والقدرة على تشغيل محطات التحلية بكفاءة مقبولة نظراً لتلك الأسباب.
ولذلك يرى أنه بعد 30 سنة من الآن، ستجد أنّ "التحلية" ستُحتضَر وتتراجع. وإذا أخذنا دولة الكويت مثالاً، فسنرى أنّ عدد السكان تقريباً بعد 1991 لم يزد عن مليون ونصف. اليوم بعد 30 سنة، وصل تعداد السكان إلى أربعة ملايين ونصف. أما عام 2050 فتشير التقديرات إلى أنّ الرقم سيصل إلى 18 مليون نسمة، فمن أين ستوفر لهم الماء!
هذا المثال ينطبق على معظم دول مجلس التعاون الخليجي. بالطبع هناك مخاطر لا شك بأنّ المعنيين يدركونها ويمكن إيراد بعضها.
أولاً، إذا حصل انقطاع للكهرباء فستتعطل محطات التحلية لأيّ سبب، وهو أمر وارد حدوثه. ثانياً، احتمال تسرب إشعاع نووي من مفاعل بوشهر الإيراني الذي لا يبعد أكثر من 160 كلم عن الكويت. ثالثاً، ازدياد نسبة الملوحة في مياه الخليج ضعفي الدرجة العالمية المقبولة، ما يعني الوصول إلى مرحلة صعبة جداً، ولن يكون بالإمكان تأمين الحاجات الضرورية والكاملة.
وإذا ما توسعتَ في الدائرة ونظرتَ إلى ما جرى لدول عانت من شحّ في المياه وماذا فعلَت، فستدرك حتماً حجم المخاطر.
عام 2008 عانت قبرص من نقص وشحّ في المياه، فلجأت إلى مياه السدود المخزنة بعد موجات جفاف متتالية. اضطرت للذهاب إلى اليونان وبدأت بشحن المياه بواسطة سفن عملاقة، ونقلت خلال 8 شهور نحو 9 ملايين طنّ من المياه لكي تسدّ حاجاتها!
عام 2009 حصل ما يشبه "الحالة القبرصية" في برشلونة الإسبانية، فدفعت السلطات للاستعانة بجلب المياه من أنهار مرسيليا الفرنسية.
وما جرى في كاليفورنيا العام الماضي، وإدخال المياه كسلعة في بورصة "وول ستريت" على أثر موجات الجفاف التي ضربت أهم اقتصاد زراعي في العالم وسلة الغذاء في أميركا، أدّى بها للذهاب إلى ألاسكا لنقل المياه من هناك وتخزينها، تلبية لحاجات المزارعين ودائرة المياه والكهرباء، الذين يلجؤون لعمل عقود طويلة الأمد، ويدفعون ثمنها سلفاً قبل حصولهم على تلك الكميات من المياه!
نخلص في النهاية إلى دقّ ناقوس الخطر باستشعار ما هو قادم، وتقدير المخاطر الناجمة عن العجز بتوفير الحدّ الأدنى من الأمن المائي، في السنوات العشرين القادمة. ونحن هنا لا نتحدث عن تأمين المياه في حالات الطوارئ أو الأزمات، فهذا في حكم المؤمن والمستقر ولا خوف من ذلك، بل عن المستقبل وما يحمله من تحديات تتصل باستقرار الدول والمجتمعات.
قد تكون البدائل منظورة ومدروسة على الورق، وقد تتعدد الخيارات أمام أصحاب القرار. يبقى خيار نقل المياه من مصادر لديها فائض مائي قائماً ومعمولاً به، وهذا ما فعلته بعض الدول باستئجار ناقلات عملاقة تقام عليها مصانع تحلية وخزّانات مياه، قد تكون أكثر استدامة وأمناً وأقلّ كلفة مالية!
الحروب من أجل المياه، عبارة ملازمة لمشاكل السدود والأنهار العابرة للحدود، وغالباً ما يتم التحذير من اللجوء إليها أو الوقوع في حبائلها. لكنّ الخبراء الدوليين يميلون إلى القول بأنّ من يملك مصادر المياه، ولديه اكتفاء ذاتي، ومحصّن بالأمن المائي، فسيكون سيد قراره والمطمئن لمستقبل حياة المجتمع والاقتصاد والدولة في آن معاً.
 
حمزة عليان: إعلامي وباحث لبناني مقيم في الكويت 
[email protected]

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم