السبت - 27 نيسان 2024

إعلان

فاز أردوغان... ماذا بعد؟

المصدر: "النهار"
د. خالد محمد باطرفي
الرئيس التركيّ، رجب طيّب أردوغان (أ ف ب).
الرئيس التركيّ، رجب طيّب أردوغان (أ ف ب).
A+ A-
عندما توقّعت فوز الرئيس التركي، رجب طيّب أردوغان، في مقال نشرته هذه الصحيفة ( 20 كانون الثاني 2023) لم تكن الزلازل التي دمرت مدن جنوب تركيا وقراها، وهجّرت الملايين من أهلها متوقّعة بهذه القوّة التدميرية الهائلة.
 
تداعيات الزلازل
وأهمية هذا الحدث في ذلك التوقيت، أنّ هذه المناطق هي أكثر معاقل حزب العدالة والتنمية، الذي يترأّسه أردوغان، ولاء ودعماً له. ولأنّ اللوم يقع دوماً على الحكومة في طريقة التعامل مع التداعيات، وفي التقصير والأخطاء والفساد الذي حال دون الاستعداد الكافي لمثل هذه الكارثة. ولأنّ ثمانية ملايين متضرّر تمّ نقلهم وتوزيعهم في مدن وبلدات أخرى، للسكن المؤقّت، وأكثرهم لم يستطع التسجيل في القوائم الانتخابية في مناطق إقامته. فقد تغيّرت الحسابات والموازين في غير صالح الحكومة، ورئيسها العتيد.
 
تحسّن أداء المعارضة
كما زاد من حظوظ المعارضة، في حينها، اشتغالها على برنامجها الانتخابيّ، ونشرها وثيقة رؤيتها للواقع السياسي والاقتصادي والاجتماعي، وتوحيد صفوفها رغم التباين بين أقصى يمينها ويسارها، واختيار رئيسها بعد شهور من الخلاف والفرقة، وغياب المشروع والرؤية الموحّدة. ورفعت من أسهمها حملاتها الإعلامية المكثفة على أداء الحكومة تجاه المشكلات الاقتصادية، من تضخّم غير مسبوق وضعف للعملة الوطنية وتراجع للاستثمار المحليّ والأجنبيّ. وتركيزها على تداعيات ومسبّبات الزلازل.
 
ولا يخفى الدعم الأوروبي والأميركي السياسي والإعلامي، الخفي والمعلن، لمرشحي المعارضة، ضدّ رئيس تراكمت مواقفه السلبية والعدائية ضدّ الغرب، وميله لتوثيق علاقاته مع روسيا وإيران، وخلافاته مع حلف الناتو رغم أنّ بلاده من أوّل وأبرز مؤسّسيه.
 
أسباب الفوز
ومع ذلك، لم أتراجع عن ترجيح فوز الرئيس وحزبه في انتخابات 2023، نتيجة لما لمسته خلال زياراتي المتكرّرة إلى تركيا من توجّس الناخب التركي من قلّة الخبرة السياسية والإدارية للأحزاب الستّة التي تشكّل تحالف الشعب (حزب الشعب، حزب السعادة، الحزب الجيّد، الحزب الديمقراطيّ، حزب المستقبل، وحزب الديمقراطيّة والتقدّم)، والمرشّحين الرئاسيين الثلاثة وأحزابهم. مقابل ثقة أغلب الناخبين في قوّة وخبرة ووحدة حزب العدالة، وأبوّة وثقة وصلابة رئيسه.
 
ففي زمن الحيرة وعند الوقوف على مفترق الطريق، يميل الناس الى ما ألفوه وجربوه، ويتخوّفون من المسارات غير المطروقة. وهكذا فاز الرئيس بولاية ثالثة، وحزب العدالة والتنمية، بأغلبية برلمانية. وقد يفوزون في الجولة القادمة للانتخابات البلدية ببعض ما خسروه من بلديات المدن.
 
التفويض المنقوص
ومع ذلك، فقد نجحت المعارضة في الصمود، والدفع بالناخبين الى جولة ثانية لم تحدث في تاريخ الانتخابات التركية. ومعهم اليوم قرابة نصف الشعب، صوّتوا لهم وتبعوهم حتى النهاية، في انتخابات شارك فيها قرابة تسعين في المئة من الناخبين الأتراك وهو في حدّ ذاته رقم قياسيّ. ورغم فوز تحالف الحزب الحاكم بالأغلبية في البرلمان، إلّا أنّها ليست مطلقة. هذا يعني أنّ هناك انقساماً كبيراً، وأنّ الحكومة القادمة لا تحظى بتفويض شعبيّ كامل، وأنّ عليها أن تعمل في الخمس سنوات القادمة على كسب ثقة الجميع، رغم كلّ التحدّيات السياسية والاقتصادية. ورغم كلّ الخصومات الداخلية والخارجية.
 
أسئلة اليوم التالي
هذا يقودنا الى السؤال الأهمّ: ماذا بعد؟ أين تقف تركيا اليوم تجاه الغد؟ والى أين ستتّجه بوصلتها داخلياً وخارجياً؟ هل ستواصل سياسة المصالحات الإقليمية، وتخفيض التصعيد مع الغرب؟ هل ستسحب جنودها المنتشرين في دول الجوار وصولاً الى وسط آسيا وشمال أفريقيا والقرن الأفريقيّ؟ هل ستتوقّف عن الإبحار والتحليق الجوّيّ في سموات وبحار متنازع عليها مع اليونان وقبرص وليبيا والعراق وسوريا والصومال وأذربيجان؟ والى أين ينتهي النزاع والمماحكات الدبلوماسية مع أميركا والاتّحاد الأوروبيّ؟ ورقصة الحبال بين روسيا وأميركا، ناتو وشنغهاي، وبين الشرق المسلم والغرب الليبراليّ؟
 
وأمام التراجع الاقتصادي الكبير، هل سيحسم الرئيس تردّده بين رفع الفائدة وخفضها؟ ودعم الليرة أو مواصلة تعويمها؟ وتخفيض دعم رواتب المتقاعدين ومكافآت الطلاب وتخفيض سعر الغاز وما إلى ذلك من البرامج التي أطلقت خلال العام الماضي والأِشهُر الماضية، أم العودة عن القرارات والبرامج الشعبية "الانتخابية"،  واتّخاذ مسار الترشيد وشدّ الأحزمة والتقشّف؟ هل الدفع في اتّجاه إعادة اللاجئين الى أوطانهم لإرضاء النزعة القومية والتوجّهات الشعبية، وخسارة مليارات الدعم الأوروبيّ والأمميّ المصروفة لهم؟ أم تحسين العلاقات مع دولهم وجدولة عودتهم خلال السنوات الخمس القادمة؟

قرارات وقيود
هذه وغيرها من القرارات الاستراتيجيّة تحتاج الى حكومة قويّة، متماسكة، موحّدة. وطبيعة التحالفات الحزبيّة بين الاتّجاهات المتناقضة، الإسلاميّة والعلمانيّة، الإقليميّة والقوميّة، المحافظة والليبراليّة، تجعل الأمر أكثر صعوبة. فالتوازنات بطبيعتها ملتبسة، مقيّدة، تميل الى تمييع المواقف الحازمة، وتؤجّل القرارات الصعبة، والبحار العاصفة التي تُبحر فيها السفينة التركيّة تحتاج الى حزم وعزم ووحدة قرار. والقبطان بكلّ خبراته وقدراته ومكانته يحتاج الى دعم كامل وثقة كاملة من طاقم السفينة وركّابها على السواء.
 
الرهان على الرشد
وأحسب أنّ العقلانية والبراغماتية السياسية التي أبداها الرئيس رجب طيّب أردوغان في السنتين الماضيتين تشير الى قدرته على المناورة والمشاركة والتعاون مع الداخل والخارج. ولعلّ تصريحاته بعد الفوز عن رغبته في تقوية علاقاته مع السعودية ودول الخليج التي وقفت مع بلاده في أصعب الظروف، وعن خطّته لزيارتها قريباً، والمصالحة مع مصر بعد سنوات عداء طويلة، يوحي باستيعابه لمتطلّبات المرحلة، وتحديد شركائها وحلفائها. وسيجد من شركائه العرب، وخاصّة في مجلس التعاون الخليجيّ، كلّ الدعم والتعاون. فاستقرار تركيا من استقرار المنطقة، وقوّتها مكسب لنا. والطاقة الإيجابيّة التي تضيفها الى منطقة الشرق الأوسط، تساعد على توجيهها نحو مرحلة وصفها ولي العهد السعوديّ بأوروبا الجديدة.
 
تركيا "المفيدة"
تركيا قوّة إقليمية كبرى، ومكانتها، وهي من مؤسّسي مجموعة العشرين السياسية والاقتصادية والعسكرية، على الخارطة الدولية بارزة. وإمكانيّاتها الصناعية والزراعية والتقنية والسياحية يمكن أن تتكامل مع واقع وطموحات دول المنطقة، بما يعود بالنفع على الجميع.
 
فالموقع الجيوسياسيّ يمثّل امتداداً طبيعياً وتوسّعاً أفقياً ورأسياً مع دول الجوار شرقاً وجنوباً. كلّ ما يتطلّبه الأمر العودة الى سياسة تصفير المشاكل التي بدأ بها الرئيس أردوغان ولايته الأولى والثانية، كرئيس للوزراء، وروح التعاون والتقارب مع الشرق والغرب، وتقديم الأولويّات التنمويّة والاقتصاديّة على ما عداها من طموحات وطروحات قوميّة وأيدولوجيّة. وهذا ما تبدو عليه الوجهة منذ العام الماضي، وتميل إليه الكفّة في السياسات الجديدة.
 
مرحبا إذاً بتركيا الجديدة، وبرئيسها المخضرم، في عالم يرتدّ إلى زمن القطبيّة والحرب الباردة، ومنطقة هي أحوج ما تكون إلى العقلانيّة والرشد والتعاون والتكامل.
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم