السبت - 27 نيسان 2024

إعلان

تلوّث المياه... عقود من الإهمال والحلول ليست معقدة

المصدر: النهار
علي عواضة
علي عواضة
أرشيفية. (تصوير حسام شبارو).
أرشيفية. (تصوير حسام شبارو).
A+ A-
يعدّ التلوث في لبنان من الأزمات المستعصية التي تعيشها البلاد، فالسنوات الأخيرة كانت شاهدة على العديد من المشاكل البيئية المستفحلة مع وجود المطامر غير الصحية والتي يزيد انتشارها على طول الشاطئ اللبناني، وأزمة بحيرة القرعون، وتلوث نهر الليطاني وما يسببه من ارتفاع في نسبة الإصابات بمرض السرطان، هذا عدا عن ريّ المزروعات بالمياه الملوثة، وغيرها من المشاكل البيئية المتعلقة بالمياه والتي تتغاضى الدولة عن إيجاد حلول لها رغم أنّ بعضها لا يتطلب سوى قرار سياسي، كتشغيل محطات التكرير للمياه الآسنة الجاهزة للعمل.
 
وفي ظل غياب أي ثقافة بيئية تحمي الثروة المائية، لا تزال الكارثة البيئية تتفاقم عاماً بعد عام، خصوصاً بعدما ضربت لبنان أزمتان بيئيتان في الأشهر الأخيرة لا تقلان خطورة عن بعضهما البعض، أولهما حادثة التسرّب النفطي الذي امتدّ على مساحة أكثر من 40 كيلومتراً من الشاطئ، وحادثة نفوق عشرات الأطنان من الأسماك في بحيرة القرعون.
 
بدءاً من نقص الثقافة البيئية عند المواطن ورمي النفايات في مزاريب الصرف الصحي، مروراً بالمبيدات الزراعية المستعملة، والمصانع المنتشرة على طول ضفاف الأنهر وما تحدثه من صرف صناعي، وصولاً إلى الدولة نفسها التي تساهم في زيادة نسبة التلوث كرمي نفايات المطامر في البحر دون معالجة، وتغاضيها عن تفعيل المخالفات البيئية، كلها عوامل تعدّ المساهم الرئيسي في زيادة نسبة تلوث المياه في لبنان.
 
ويرى مدير برنامج إدارة المناطق البحرية الساحلية في الاتحاد الدولي للحفاظ على الطبيعة (IUCN)، زياد سماحة أنّ المواطن هو المسؤول الأول عن التلوث في لبنان، بعيداً عن تقصير الدولة، فرمي زيوت السيارات داخل المجاري، إضافةً إلى رمي النفايات والصرف الصحي داخل الأنهر والتي تصبّ في البحر هي مسؤولية المواطن والدولة معاً. وينقسم التلوث المائي إلى نوعين رئيسيين، الأول هو التلوث الطبيعي، ويظهر في تغير درجة حرارة الماء، أو زيادة ملوحته، أو ازدياد المواد العالقة. والنوع الآخر هو التلوث الكيميائي، وتتعدد أشكاله كالتلوث في مياه الصرف الصحي، والتسرب النفطي والتلوث بالمخلفات الزراعية كمبيدات الحشرات والمخصبات الزراعية.
 
وعلى مشارف فصل الصيف، ومع غلاء أسعار المسابح الخاصة نظراً لتدهور العملة الوطنية، تكتظ المسابح الشعبية بزوارها، إذ يقصد المواطنون في عطلة نهاية الأسبوع الشواطئ المنتشرة على طول الساحل للاستمتاع بالمياه المصنّفة ملوّثة بمعظمها. ورغم تحذيرات المركز الوطني للبحوث العلمية من بعض الشواطئ إلاّ أنها تبقى المنفذ الوحيد لمحدودي الدخل، فقضاء يوم كامل على شاطئ خاص، يتطلب دفع مبالغ طائلة توازي مصروف أسبوع لهذه العائلات.
 
يعتبر شاطئ الرملة البيضاء نموذجاً حياً لما يحدث على الشواطئ اللبنانية الأخرى، فالشاطئ الممتد على ساحل العاصمة يتعرض للتلوث بشكل مباشر عبر مصب للصرف الصحيّ يفرغ المواد الملوثة دون أي تكرير، وصنف المركز شاطئ الرملة البيضاء بالملوث جداً، إذ صنف معدلات نسبة التلوث البكتيري فيه، 10 آلاف مستعمرة/ 100 ملل للعقديات البرازية، و10 آلاف مستعمرة/100 ملل للقولونيات البرازية.
 
معظم مياه الصرف الصحي للعاصمة بيروت من شركات ومؤسسات ومراكز مختلفة ومنازل وغيرها، تصبّ في مصرفين أساسيين لينتهي بهما المطاف إلى شاطئ الرملة البيضاء، والتي تحتوي على محطات تكرير مياه متوقفة عن العمل، بحسب مدير المسبح الشعبي لشاطئ الرملة البيضاء نزيه الريس، الذي أعاد السبب إلى خلاف وقع بين بلدية بيروت وبلدية الغبيري. محطات التكرير المقفلة، لا تحتاج سوى لقرار بالتشغيل، ما يعني أنّ الدولة ترفض الاستفادة من المياه المعالجة، وتفضل رميها في البحر، رغم الأضرار البيئية والصحية والأخلاقية لتوقف تلك المحطات. الأمر لا يتوقف على بيروت فمعظم المناطق اللبنانية تحذو حذو العاصمة، عبر رمي مياه الصرف الصحي إلى البحر مباشرة بدون معالجة.
 
وبينما يسبح الناس في النفايات ومياه الصرف الصحي، يشاركون انفسهم في تلويث الشاطئ، إذ يحتاج الشاطئ عند مطلع كل أسبوع إلى عشرات العمال لتنظيف مخلفات الزوار أنفسهم، بينما الحل الوحيد لهذه المشكلة برأي الريس هو تفعيل المخالفات البيئية والمقرة في القانون، ذاكراً حادثة حصلت مع أحد العناصر المولجة بتسطير المخالفة قبل سنوات، عندما كان يسطر المخالفة بقيمة مليون ونصف المليون ليرة بإحدى العائلات قبل أنّ يتراجع نظراً للوضع المادي للعائلة، ليمنتع من بعددها عن تسطير أي مخالفة، وأشار الريس إلى أن تفعيل المخالفات يمنع أقله الأشخاص من تلويث الشاطئ والبحر، إضافة إلى تشغيل محطات التكرير.
 
أحد الحلول التي ابتكرها الريس للتخفيف من وصول مياه الصرف الصحي إلى البحر هي عبر زراعة القصب بهدف إمتصاص المياه الآسنة. ليبقى هذا الحل، الوحيد المتبقي لدى إدارة المسبح للتخفيف من الأثر البيئي لتلك المياه بعد الصرخات والاعتراضات والشكاوى على مدى سنوات. وفي كتاب "حرّاس المياه"، للدكتور خالد خالد سليمان، أشارت الباحثة أزهار مكي الحاصلة على ماجستير في دراسة قصب البردى إلى أنّ نبات القصب قادر على اختزال الملوثات في المياه الملوثة وليس فقط تصفيتها. وترجع الباحثة السبب إلى قدرة البكتيريا الموجودة في القصب على تفكيك الفوسفات والنترات الموجودة في المياه.
 
وبعيداً عن مشكلة شاطئ الرملة البيضاء والتي تعود لسنوات طويلة، دون إيجاد أي حلّ لها، فقد شهد لبنان خلال الأشهر الماضية حادثة تسرب نفطي ما زالت تداعياتها البيئية تصيب الشواطئ، ورغم مرور عدة أشهر على الحادثة إلا أنّ 90 بالمئة من المياه الجنوبية ما زالت بمعظمها تحت تأثير التلوث، بإستثناء بعض الأماكن خصوصاً المسابح والفنادق، بينما المنطقة الواقعة تحت نطاق محمية صور والشاطئ البحري قد جرى تنظفيه، بينما باقي المناطق لا تزال تحت أثر ذلك التلوث، بحسب مدير المركز اللبناني للغوص، يوسف الجندي.
كيف نتعامل مع التسرّب النفطي؟
 
 
نشر الاتحاد العالمي لصون الطبيعة IUCN عدداً من التوصيات والإجراءات، التي تظهر كيف يمكن للدول التعامل مع التسرّب النفطي، وهي على الشكل الآتي:
 
- الحدّ من كمية النفايات المنتجة.
- الأخذ بالاعتبار الأوضاع الجوية وتأثيرها على العمل.
- تجنّب دفن الزيت أكثر في الرمال.
- تجنّب الإفراط في التنظيف وإزالة كميات غير ضرورية من الرمل.
- تجنّب نقل النفط إلى مناطق غير ملوثة.
- التزام التباعد الاجتماعي وارتداء السترة والقفازات والكمامة والجزمة المخصصة.
- ضمان الإدارة السليمة للنفايات.
- تأمين موقع لنقل النفايات إليه لتجنب التلوث الثانوي.
 
من جهته، يعتبر مدير المركز الوطني لعلوم البحار ميلاد فخري أنّ الدولة تقوم بدورها في ما خصّ معالجة التلوث في البحر، لكن بحدود قدراتها، مشيراً إلى وجود مشاريع طويلة الأمد تسير بها الدولة ويتولاها مركز علوم البحار في هذا الخصوص، لكن الميزانيات المحدودة وتداعيات الأزمة الإقتصادية وانخفاض سعر الصرف، أدى إلى تعثر استكمال تلك المشاريع، إذ انخفضت القدرة على شراء الأدوات والقطع الضرورية لآلات القادرة على فحص نسبة البترول والمعادن في الأسماك.
 
 
أما الباحث في بيئة المياه والمستشار في المجلس الوطني للبحوث العلمية الدكتور كمال سليم، فرأى أنّ المشكلة متكاملة ولا يرمى اللوم على طرف محدد، فالدولة والمواطن مسؤولان عن التلوث معاً، وعلى سبيل المثال هناك 7 محطات تكرير رئيسية على نهر الليطاني لا تعمل منها إلاّ محطة واحدة موجودة في منطقة زحلة، وهي فعالة بنسبة أربعين في المئة فقط، في المقابل يوجد 300 معمل على نهر الليطاني الأعلى، يصبّ صرفها الصناعي في مجر النهر.
 
بالإضافة الى الصرف الصناعي، يعدّ السماد الكيميائي الغنيّ بالفوسفات والنيترات مصدراً رئيسياً لتلوث المياه، وتعدّ هذه المواد ذات سمّية عالية، تتحول لغذاء للطحالب ما يؤدي إلى التشبع الغذائي وهو ما يعني أنها ستكون الغذاء الأساسي للنبات.
 
ويستشهد سليم بحادثة بحيرة القرعون، إذ تم انتشال 120 طناً من الأسماك النافقة من البحيرة، وهو ما يوضح حجم الأزمة البيئة التي حلت بها. وبحسب سليم، فإنّ نفوق أسماك الكارب (Cyprinus Carpio)، أتى نتيجة إصابتها بمرض وبائي وفيروسي خطير قابل للانتقال، من نوع (Aphanizomenon ovalisporum) تم اكتشاف انتشاره عام ألفين وثمانية وبدأ بالتكاثر على مدى السنوات اللاحقة، خاصة في فصل الربيع، وتقوم هذه البكتيريا بفرز سمّ يسمى Cylindrospermopsin"، ويعدّ خطراً على صحة الإنسان، فيتسبب بخلل في وظيفة الكبد والتسمم والقيء والحساسية، كما تم العثور على نوع جديد من البكتيريا ينتشر في الوقت الحالي ويسمى Anabaena circinalis، قادر على إفراز الـ Anatoxin-a، وهو بكتيريا تسبب الشلل وتوقف التنفس ثم موت للأحياء المائية من أسماك أو صدفيات.
 
يتعدى عمر أزمة التلوث في لبنان عشرات السنوات، وتبدو الحلول بالنسبة للمختصين في هذا المجال بسيطة ويمكن تفعيلها، فعلى سبيل المثال لا الحصر، يمكن للدولة تفعيل دور القضاء وتشغيل عجلة التحقيقات والمحاسبة في ضبط الغرامات للمصانع المتخلفة عن تركيب أو تشغيل محطات التكرير، والسير في التحقيق في ما خصّ مصير الأربعمائة مليار ليرة التي رصدت لرفع التلوث عن مجرى نهر الليطاني بقانون صادر عن مجلس النواب حمل الرقم ٦٣، وهو ما طالب به رئيس لجنة الصحة النيابية عاصم عراجي عندما قدم إخباراً إلى المفتش العام المالي علي إبراهيم مطالباً إياه بالكشف عن مصير الأموال خصوصاً أنّ "الأشغال التي نفذت قليلة جدآ وأمراض السرطان والجهاز الهضمي ترتفع في القرى المجاورة للنهر، نتيجة التلوث الصناعي والكيميائي والصرف الصحي".
 
وبالتزامن مع حلّ تلك المعضلة يمكن للدولة اللبنانية تفعيل دور محطات تكرير المياه الآسنة في البحر، والبحث عن حلول تبعد عصارة النفايات عن التسرب إلى البحر كما يحدث في معظم مطامر النفايات على الشاطئ اللبناني.
 
تم إعداد هذه القصة ضمن مبادرة MediaLab Environment، وهو مشروع للوكالة الفرنسية لتنمية الإعلام CFI. 
 
 
للاطلاع على تقرير المجلس الوطني للبحوث العلمية اضغط هنا
 
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم