الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

إبادة خلايا النحل في الشوف تسلّط الضوء على معاناة القطاع... من يشتري العسل اليوم؟ (فيديو)

المصدر: "النهار"
فرح نصور
النحل المُباد.
النحل المُباد.
A+ A-
 ما أصعب أن يرى صاحب الرزق رزقه يُتلَف أمام عينيه. في بلدنا، لا يكفي وابل الأزمات التي يمرّ به المزارع المستثمِر، إلّا وتمدّ يد الإجرام يدها على قطاع باتت سلعه للمقتدرين فقط، وبات تصريف الإنتاج فيه أصعب ما يمكن مع الضائقة الراهنة.
 
جزء من مربّي النحل يعتمدون على هذا الإنتاج كمدخولٍ أساسيّ، لكنّ قنوات التصريف حاليّاً ضيّقة أمامهم. ما يشفع في إنتاجهم، دون قطاعات إنتاجيّة لأغذية أخرى، هو أنّه لا يُتلَف مهما طالت مدّة تخزينه، فالعسل دائماً مطلوب لغايات العلاج والغذاء.   
 
في جريمة لم تُعرف أسبابها بعد، أقدم مجهولون على تسميم وإبادة 300 خلية نحل في منطقة سرجبال-الشوف، مكبّدين خسائر ماديّة وبيئيّة وزراعيّة واقتصاديّة كبيرة.
صاحب أكبر منحلة على مستوى جبل لبنان، وصولاً إلى جونيه والمتن وجبيل وعاليه، الشيخ نبيل العيّاص، يروي لـ"النهار" بحرقة ما حلّ برزقه.
 
 
يربّي الشيخ النحل منذ العام 1986 "ونربّيه كأولادنا". وبحسب وصف الشيخ، "وقعت الجريمة البيئيّة في بستان أحبّائنا حيث نضع فيه النحل منذ 20 عاماً في الشتاء".
لدى فتح الخلايا يوم الجمعة صباحاً، فحّت رائحة الديمول وكان النحل كلّه ميتاً، وأُتلف العسل كلّه، "كانت المفاجأة غير متوقَّعة ومجزرة لا يتخيّلها أحد، فنحن نربّي النحل هذا منذ 40 عاماً"، يقول الشيخ. 
 
يبلغ عدد الخلايا المُبادة، 300 خليّة من النحل. وتقدَّر خسائر الشيخ الماليّة أقلّه بـ80 ألف دولار، "لكن أسفنا ليس على الخسائر الماديّة، إنّما على الخسائر البيئيّة التي لا تقلّ عن مجزرة". والـ300 خليّة من النحل هذه، تعادل نحو 50 مليون نحلة، فكلّ خليّة تحتوي على نحو 100 إلى 250 ألف نحلة. 
 
وعن كميّة إنتاج النحل هذا، يورد الشيخ أنّ قبل حلول الموسم، "تركنا في هذه المناحل ما معدّله طنّين من العسل، لكن كلّها ذهبت للحرق بشمعها ونحلها، فالسمّ قاتل". وتنتج الخليّة في الموسم الواحد، معدَّل 15 كيلواً من العسل.
 
لكنّ الخسارة البيئيّة أكبر بكثير من الماليّة، وفق الشيخ. لأنّ النحل حشرة لها بركة. فمن جرّاء هذه الجريمة، خسرت الطبيعة تلقيح الأزهار ومواسم الأثمار. وفيما يضع الشيخ نحله صيفاً في محميّة "أرز الشوف"، كان يؤمّن النحل استمرار وجود أزهار المحميّة، إلى الحفاظ على المحاصيل الزراعيّة في المنطقة، مثل الأفوكا والليمون وغيرها. فكلّ بستان مزوَّد بنحل يتّسم بإنتاج مضاعَف. 
 
لذلك، الضرر يلحق بالمزارعين أيضاً، فالنحلة تجول نحو 50 كيلومتراً بالطول والعرض، فإبادة النحل هي خسارة كبيرة للمزارعين الموجودين في المنطقة. 
 
 
ويؤكّد الشيخ أنّ تعويض الخلايا المُبادة، من حيث الوقت، يحتاج إلى سنين. ومن حيث الكلفة، "سأبيع كلّ ما يُباع لديّ لكي أعاود تجديدها، فتربية النحل هي بيتي الثاني وغرامي".
 
وبينما كان يتراوح عدد الخلايا في مناحله نحو 1000 خليّة، يشدّد الشيخ بحسرة على أنّ "ما حصل هو أمر جوهريّ أظهر غيرة ومحبّة زملائنا من جميع المناطق، إذ عرضوا إرسال خلايا جديدة، لكن مع شكري وامتناني، وضعت الأمر بين يديّ الله، وهو وليّ التدبير، لكن نطالب بكشف المجرم لإنقاذ مجتمعنا".
 
 
وقد اهتمّت وزارة الزراعة بالقضيّة، وطلبت فتح تحقيق فوريّ بهذه الحادثة، والأمر بانتظار تحاليل عيّنات الخلايا. ومن جهته، رئيس مصلحة الزراعة في جبل لبنان، عبّود فريحة، وفي حديث لـ"النهار"، يؤكّد أنّ "ما وقع على الشيخ نبيل هو كارثة، وخسارته كبيرة، ودعَونا الشيخ إلى أخذ العيّنات لتحليل وجود المبيدات، وزوّدناه بأرقام الجهات المعنيّة لمتابعة القضيّة".
 
لكن لجهة التعويض، يورد فريحة أنّ عند انتهاء التقرير الفنّيّ، يُرفع إلى الهيئة العليا للإغاثة، التي بدورها تحسم الأمر وفقاً لنتيجة التقرير". 
 
 
 
وإذا ما ألقينا نظرة واسعة على قطاع تربية النحل في هذه الأزمة، ما هو واقعه؟
 
في لبنان نحو 6000 آلاف مربي نحل، وهو عدد أكثر من كافٍ للتوازن البيئيّ والأمن الغذائيّ، بحسب نقيب مربّي النحل في لبنان، جورج حنّا.
 
لكنّ الأزمة أثّرت بشكلِ مباشر على تربية النحل، فجميع مستلزمات هذه التربية هي بالدولار، ونسبة نحو 40 في المئة من هذا القطاع، هي من صغار المربّين. لذلك، وجود النحل في المساحات الزراعيّة والحرجيّة، مساعِد جدّاً في إنتاج المحصول. 
 
وعن تأثّر أسعار العسل، يفيد حنّا أنّ سعر العسل هبط بشكلٍ كبير بفعل الأزمة، وأصبح اليوم سعر المرطبان، كحدّ أقصى 15 دولاراً، بعد أن كان قبل الأزمة نحو 30 أو 35 دولاراً.
 
وفي ما لا يمكن تجديد كمية العسل المنتَجة لأنّ إنتاج العسل خاضع للتغيّرات الطبيعيّة والبيئيّة، لكن لبنان ينتج بشكل تقريبيّ ما لا يقلّ عن 100 طنّ من العسل سنويّاً، ويصدّر نحو 650 طنّاً. 
 
العسل: هبوط في أسعاره وصعوبات في تصديره.
 
لكن هناك صعوبات في تصدير العسل. فبنظر حنّا، لا يمكن الاعتماد اليوم على السوق المحليّة. ومع تراجع قدرة الناس الشرائيّة، "أصبح العسل سلعة من الكماليات". 
 
وبحسب فاتن المصري، مربية نحل، تؤكّد لـ"النهار" أنّ سوق العسل تراجع نحو 80 إلى 90 في المئة، "فغير المقتدِر، لا أحد يشتري العسل، إلى جانب المضاربات الكبيرة في السوق من أصحاب العسل المغشوش والتجاريّ"، مضيفةً أنّ "هناك عسلاً يصدَّر إلى الخارج لكنّه دون المعايير، ولدى وصوله إلى الخارج يُرفَض، وبذلك يضرّون بسمعة العسل الأصليّ وصيته، رغم أنّ العسل اللبنانيّ من أجود أنواع العسل".
 
إنتاج العسل لم يتراجع، على ما تورد، فالنحل كائن حيّ يحتاج إلى اهتمام دائم. لكن هذا العام، ومع تفاقم الأزمة، اضطرّت فاتن إلى بيع نحو 250 خليّة نحل، بعد أن كان لديها نحو 500 خليّة، "فالكلفة عالية ولا تصريف يغطّي المناحل كلّها".
 
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم