الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

ما هي أسباب المخاطر التي تواجهها المصارف اللبنانية حاليّاً؟

المصدر: "النهار"
من أمام أحد المصارف (أرشيف "النهار").
من أمام أحد المصارف (أرشيف "النهار").
A+ A-
 
 

أحمد محمّد قاسم

*متخصّص في القروض المصرفيّة والديون المتعثّرة.

تتعرّض المصارف التقليدية والإسلامية في لبنان لأنواع كثيرة من المخاطر، خصوصاً في ظلّ الظروف التي يمرّ بها لبنان، سواء أكانت اقتصاديّة نتيجة لتدهور قيمة العملة الوطنية والعقوبات المفروضة على سوريا، عبر قانون قيصر وآثاره السلبية على لبنان لناحية غلق المنفذ الحيوي الاقتصادي للبنان عبر سوريا، وكذلك توقّف لبنان عن سداد استحقاقاته الدولية وانعكاس ذلك على تصنيفه الائتمانيّ الذي أصبح في أدنى مستوى، أو صحّية نتيجة لجائحة كورونا وأثرها على توقّف العديد من المؤسسات عن العمل، أو نتيجة للظروف السياسية التي يمرّ بها لبنان من خلال انعدام الاستقرار وغيرها من الأمور، كلّ ذلك قاد المصارف الى تجربة كلّ أنواع المخاطر المتعارف عليها.

ولكن على ماذا تعتمد المصارف اللبنانيّة لمواجهة هذه المخاطر؟

تعتمد المصارف اللبنانية على الممارسات والقواعد التنظيمية والرقابية التي تستند اليها الصناعة المصرفية العالمية في هذا المجال وملتزمة تحديداً بالنظم والضوابط التي تضعها السلطات النقدية والرقابية في البلاد، كما في جميع الدول التي تعمل فيها، لكن هناك معايير يفرضها الواقع اللبنانيّ، إضافة الى المعايير الدولية التي تمّ تكييفها لتتناسب مع البنية المصرفية اللبنانية وخصوصيّتها، وترك هامش من المرونة في التطبيق وتدرجيّة التنفيذ وفق الحاجة.

وكيف تنشأ هذه المخاطر؟

تنشأ هذه المخاطر بالأساس عند تعثّر الديون المصرفية نتيجة لجوء المصرف الى منح القروض للأفراد والمؤسسات والشركات، وامتناع الأخيرة عن سداد القروض وفوائدها لأيّ سبب كان، سواء رجع السبب الى المقترض أو الى المصرف أو الى الظروف المحيطة بهما وعندها تنشأ المخاطرة المصرفية وهي تتمثل في الخسائر التي يمكن أن يتحمّلها المصرف بسبب عدم قدرة المقترض على السداد.

ما هو تعريف المخاطر المصرفية؟

عرفت لجنة التنظيم المصرفي وإدارة المخاطر المنبثقة عن هيئة قطاع المصارف في الولايات المتحدة الاميركية المخاطر كما يلي:" هي احتمال حصول الخسارة إمّا بشكل مباشر من خلال خسائر في نتائج الأعمال، أو خسائر رأس المال، أو بشكل غير مباشر من خلال وجود قيود تحدّ من قدرة المصرف على تحقيق أهدافه وغاياته، حيث أنّ مثل هذه القيود تؤدّي الى إضعاف قدرة المصرف على الاستمرار في تقديم أعماله وممارسة نشاطه من جهة، وتحدّ قدرته على استغلال الفرص المتاحة في بنية العمل المصرفي من جهة أخرى.

ما هي أهم أسباب هذه المخاطر؟

إنّ المخاطر المصرفية لا تنشأ بدون أسباب موجبة لها، ذلك أنّ هذه المخاطر ارتفعت مع التطوّر التكنولوجيّ وانفتاح الأسواق والعولمة الجديدة، ولا بدّ من الإشارة الى أنّه منذ بداية السبعينات من القرن الماضي مرّت المصارف التجارية عبر مرحلة مهمة من التطورات المستمرّة والتي يتوقع لها أن تستمرّ في السنوات القادمة نتيجة للتطورات الحاصلة والتي ستترك آثاراً مميزة ومهمّة في حجم هذه المخاطر التي ستواجهها المصارف التقليدية والإسلامية في عملها ومداها، ومن هذه الأسباب نذكر:

1- التغيرات النظامية والإشرافيّة: فرضت العديد من الدول قيوداً تنظيمية على المصارف من اجل خفض حدّة المنافسة فيما بينها ولتشجيع المصارف على العمل بالمبادئ المصرفية السليمة، مثل الالتزام بعلاقة معيّنة بين الأصول الخطرة ورأس المال ووضع الحدود القصوى للتسهيلات التي يمكن إعطاؤها لمدين واحد، الأمر الذي كانت له آثار إيجابية في الحدّ من المخاطر.

2- عدم استقرار العوامل الخارجية: إنّ عدم استقرار العوامل الخارجية وتأثيرها على أسعار الفائدة والتغيّر الشديد في أسعار العملات على أثر الانهيارات التي تحصل في أسواق المال العالمية ولجوء الشركات الكبرى الى الاسواق المالية لتجنّب الخسائر المستقبلية او لتحقيق ارباح منها، وابتكار المصارف للعديد من ادوات التغطية المستقبلية، أدّى الى ظهور مخاطر من نوع آخر أضيفت الى المخاطر المصرفية، كما انّ عدم الاستقرار والحاجات التي نتجت عنها وابداع المصارف في تطوير الهندسات المالية والذي يعدّ براعة من قبلها وقدرتها على التعامل مع المتغيرات، ادّى كذلك بالرغم من براعتها الى ظهور مخاطر جديدة.

3- المنافسة: انّ من مزايا المنافسة انّها تفرض على المتنافسين تقديم أفضل الخدمات بأقلّ الأسعار، كما انّها تقوم بمكافأة الأفضل بين المتنافسين، ولكن مما لا شكّ فيه انّ للمنافسة مخاطرَ ائتمانيةً على الادارة وعلى الدخل لأنّها تضيق من هوامش الربح. وهذا ما لاحظناه مع تزايد أثر العولمة وتوصّل المجتمع الدولي الى تحرير الخدمات المالية والمصرفية سنة 1979 في إطار المنظمة العالمية للتجارة، فقد أخذت المنافسة تشتدّ في السوق المصرفي واتخذت اتجاهات ثلاثة:

أ- المنافسة بين المصارف التجارية فيما بينها وفيما بينها وبين المصارف الاسلامية على السوق المحلي والخارجي.

ب- المنافسة بين المصارف سواء أكانت إسلامية أم تقليدية مع المؤسسات المصرفية التي تقدّم القروض.

ج- المنافسة بين المصارف التقليدية والإسلامية والمؤسسات غير المالية على تقديم الخدمات المصرفية والمالية.

4- تزايد حجم الموجودات خارج الميزانية: إنّ تزايد حجم الموجودات لدى المصارف وتنوعها من أجل زيادة ارباحها أضاف الى العمل المصرفي مخاطر جديدة، فاتساع اعمالها ادى الى تعرضها الى ازمة سيولة بالإضافة إلى مخاطر السوق الأخرى كالتضخّم وتقلبات الأسعار.

5-التطورات التكنولوجية: انّ التطورات التكنولوجية هي من العوامل التي أثرت بشكل ايجابي على المخاطر المصرفية لناحية زيادة قدرة المصارف على تحديد وقياس هذه المخاطر وادارتها بشكل أفضل وادخالها منتجات جديدة تتعلق بعليات الدفع الالكتروني واصدار بطاقات الائتمان، الّا انّها بالمقابل اوجدت مخاطر جديدة لم تكن معروفة في السابق كاستغلال الانظمة الالكترونية من اجل تحويل الاموال او اختلاسها وكذلك تزوير بطاقات الائتمان وسرقة الاموال الموجودة في الحسابات.

لهذا فقد جعلت المصارف مهمة الحماية من الهجمات الالكترونية من اولى اهتماماتها لما لها من عواقب وخيمة، وهذا بسبب اعتمادها الكبير على الانظمة والبرامج الالكترونية في كافة أعمالها ولأنّ الهجمات الالكترونية لن تؤثر فقط على العمليات المصرفية بل ستتعداها الى بيانات العميل السرية، من هنا سوف تزداد أهمية الامن السيبيراني وهذا يتطلب المزيد من نشر الموارد على مستوى المصرف والتعاون فيما بينها وبين الحكومات وسوف تحتاج وظائف المخاطر الى قدرات وعمليات جديدة لإدارتها من أجل تتبع هذه المخاطر الناشئة عن التطور التكنولوجي.

6- العوامل الخارجية، وهي العوامل الخارجة عن نطاق المصرف، كالتغيّرات الحاصلة في الاقتصاد واتجاهه نحو الركود او الكساد او انهيار مفاجئ وغير متوقع في اسواق المال.

7- العوامل الداخلية، كضعف ادارة المصرف وعدم وجود سياسة اقراضية رشيدة وضعف اجراءات متابعة المخاطر والرقابة عليها.

8- المخاطر المهنية، وهي المخاطر التي ترتبط بالتطورات الحاصلة على نشاط اقتصادي معين كالتطورات التكنولوجية ومدى تأثيرها على شروط ونوعية تكاليف الإنتاج والتي تهدّد المنظمات التي لا تخضع لتحديث مستمرّ بالزوال من السوق وتؤدّي الى عدم التسديد.

9- خطر القرض والخطر السياسي، في خطر القرض يكون المقترض غير قادر على الوفاء بالتزاماته نتيجة لأسباب عديدة كعدم الملاءة مثلاً او نتيجة للتدهور المفاجئ في حالته المالية مما ينعكس سلباً على مخاطره، أمّا خطر البلد السياسي فهو ناجم عن عدم الاستقرار في الدولة مما يؤدّي الى ظهور وضعيات مختلفة ومتعددة بالنسبة للدائن كإعادة النظر في العقود والتأميم الحاصل بدون تعويض أو معه، او تحديد او منع الاستثمارات الاجنبية.

واخيراً، فإنّ هذه الاسباب سوف تقود الى تدمير القطاع المصرفي في حال عدم وجود إرادة وتعاون بين مصرف لبنان والدولة اللبنانية والمصارف، ويجب العمل بأقصى جهد من أجل وضع الحلول لها خوفاً على القطاع الأهمّ في الدولة اللبنانيّة.

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم