الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

رغم رفض أوروبا تسديد ثمن الغاز الروسي بالروبل... لماذا لا يزال الغاز يتدفّق إليها؟

المصدر: النهار
تعبيرية.
تعبيرية.
A+ A-
بعد أن وجّه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، إنذاره النهائي إلى الدول "غير الصديقة" لدفع ثمن طاقتها بالروبل اعتباراً من الأول من نيسان أو المخاطرة بقطع الإمدادات الحيوية، لا تزال الدول الأوروبية "غير الصديقة" تستفيد من الغاز الروسي، على الرغم من دخول قرار بوتين حيز التنفيذ اعتباراً من 1 نيسان الجاري. وفيما أكّدت روسيا عدم قطعها مدّ الغاز فوراً، إنّما احتمال التقليل في مرحلة ما من تدفقاته، شكّل تهديد بوتين المحفوف بالمخاطر موجات صدمة عبر أوروبا، التي لا تستطيع الحفاظ على عمل اقتصادها لفترة طويلة بدون الطاقة الروسية.
 
وبينما تعتبر ألمانيا المشتري الأكبر والصناعة الضخمة فيها تستهلك كميات هائلة من الغاز والطاقة التي تولدها، خلُصت التوقعات الاقتصادية المشترَكة من قِبل المعهد الألماني للبحوث الاقتصادية (DIW Berlin)، ومعهد ifo (ميونيخ)، ومعهد Kiel للاقتصاد العالمي (IfW Kiel)، ومعهد Halle للأبحاث الاقتصادية (IWH) ، وRWI إيسن، في شأن ما سيعنيه وقف روسيا تدفق الغاز عن ألمانيا وتأثير ذلك على الاقتصاد الألماني، إلى أنّ في حالة الانقطاع الفوري لإمدادات الغاز الروسي، فإنّ ذلك سيكلّف الناتج الاقتصادي الألماني ما قيمته 220 مليار يورو (238 مليار دولار) في كل من العامين 2022 و2023. وتوقّعت المعاهد أن يصل التضخم إلى 6،1 في المئة في عام 2022، وهو أعلى رقم في 40 عاماً، وفي حالة توقف إمدادات الطاقة، فإنها سترتفع إلى 7،3في المئة، وهو رقم قياسي في ألمانيا ما بعد الحرب.
 
ما هي الآلية التي وضعتها روسيا للدول الأوروبية للاستمرار في مدّها بالغاز، وتسديده بالروبل؟
 
تُسعَّر معظم عقود تصدير الغاز الروسي حالياً باليورو أو بالدولار الأميركي. ووفقاً للمرسوم الذي وقعه الرئيس بوتين، يجب على "الدول غير الصديقة"، بما في ذلك في الاتحاد الأوروبي، فتح حسابات بالعملة الروسية في البنوك الروسية، بدلاً من التعامل مباشرة مع شركة الغاز العملاقة المملوكة للدولة "غازبروم"، ومن هذه الحسابات سيتم سداد مدفوعات الغاز الروسي. وسيقوم البنك ببيع اليورو مقابل الروبلات وتحويلها إلى حساب آخر باسم المشتري لاستخدامه في دفع ثمن الغاز.
وقد ألزمت روسيا "غازبروم" (وغيرها من المصدرين الروس الكبار) تحويل 80 في المئة من عائداتها من العملات الأجنبية إلى روبل.
كذلك، تعتبر روسيا أنّ مشتري الغاز الطبيعي في "الدول غير الصديقة" قد خرقوا العقود المبرَمة إذا رفضوا شراء الغاز الروسي بالروبل، وفي هذه الحالة سيتم إيقاف العقود الحالية.
 
لكن ألمانيا وفرنسا وحكومات الاتحاد الأوروبي الأخرى ترفض إنذار الكرملين، وتؤكّد أنّها لن "تبتز" من قِبل موسكو لتغيير شروط العقود الحالية. واعتبر أكبر مسؤول اقتصادي في الاتحاد الأوروبي، باولو جينتيلوني، لـ "سي إن إن" أن العقود الحالية لا تتضمن التزاماً بالدفع بالروبل وأنّه يجب احترامها. وهذا يعني أنّ آلية مبادلة اليورو بالروبل كما اقترحتها موسكو لن تجدي نفعاً.
 
وفيما ذكرت شبكة "دويتشه ويل" الألمانية أنّ الأموال ستدُفع إلى "بنك غازبروم" ستحوَّل بالروبل إلى روسيا، أكّد الكرملين أنّ تبديل العملة ضروري بسبب حقيقة أن احتياطيات النقد الأجنبي لبنك روسيا قد جُمّدت من قِبل الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، وقد اتُفق على أن يواصل خبراء من روسيا وألمانيا التفاوض بشأن هذه المسألة. وبحسب ما نقلت "CNBC، قال بوتين في اتصال مع المستشار الألماني أولاف شولتز، "إن الشركات الأوروبية قد تستمر في دفع تكاليف إمدادات الغاز باليورو أو الدولار".
 
وألمحت ألمانيا، إلى جانب مجموعة السبع، إلى أنّه لا يمكن تعديل اتفاقيات إمدادات الغاز من جانب واحد. ويقول المشترون الأوروبيون للغاز الروسي إن الكرملين لا يحق له إعادة رسم العقود طويلة الأجل. لذلك، تدفع معظم الدول حالياً ثمن الغاز الروسي باليورو أو بالدولار.
 
كيف يستمرّ إذاً الإمداد بالغاز الروسي؟
 
أثار تهديد الغاز مقابل الروبل احتمالية قطع الإمدادات عن الدول الأوروبية، حيث اتخذت ألمانيا والنمسا خطوات احترازية تجاه تقنين الغاز لتجنب احتمال توقف عمليات التسليم، وآخر هذه الخطوات دعوة وزير الاقتصاد الألماني روبرت هابيك الألمان إلى البدء في توفير استهلاك الطاقة الآن لا سيما عبر العمل من المنزل، ليصبحوا أكثر استقلالاً عن الوقود الأحفوري الروسي.
ومع ذلك، بحسب ما أوردت CNBC، يقول المحلّلون في مجموعة "أوراسيا" الاستشارية للمخاطر السياسية، إنه من غير المرجح أن تنتهك شركة "غازبروم" عقودها الحالية برفضها تزويد الغاز للعملاء الذين يرفضون الدفع بالروبل على المدى القصير.
 
وعلى الأرجح، ستسعى "غازبروم"، بدلاً من ذلك، إلى إعادة التفاوض على العقود الحالية، وهي عملية تستغرق وقتاً طويلاً في أفضل الظروف، في سياق المراجعات الدورية التي تسمح بها معظم العقود طويلة الأجل. وعلى المدى الطويل، من المرجَّح أن تصرّ "غازبروم" على أنّ العقود الجديدة تعكس السياسة الجديدة، بمجرّد أن يتم تجديدها"، كما قال المحللون في مجموعة "أوراسيا". وأضافوا أنّ "هناك خطراً من أن تتحرك روسيا بقوة أكبر، وهو ما قد يعني ضمناً، فرصة أكبر لتعطّل إمدادات الغاز على المدى القصير. لكن من المرجح أن تستمر عملية التفاوض المطوَّلة".
 
وبحسب CNN، على الرغم من زيادة مخاطر تعطّل الإمدادات الأوروبية، لا يزال الغاز الروسي يتدفق غرباً على اثنين من خطوط الأنابيب الثلاثة الرئيسية، إذ لم توقف روسيا على الفور تدفق الغاز إلى أوروبا، لأنّ مدفوعات الغاز التي يتم تسليمها الآن ستنخفض مستحقة نهاية الشهر الجاري أو بداية شهر أيار، بحسب المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف. وأكّد أنّ عدم الموافقة على تسديد ثمن الغاز بالروبل، لا يعني وقف الإمدادات في الأول من نيسان الجاري، أي تاريخ دخول القرار الروسي حيّز التنفيذ، معتبراً أنّ "غازبروم" ستعمل مع عملائها لتطبيق القواعد الجديدة"، وأنّ "التفويض بالروبل يمكن إلغاؤه".
 
روسيا بحاجة إلى الأموال من صادراتها من الطاقة
 
على خطٍّ موازٍ، يورد تقرير لـ CNBC، أنّ روسيا تحتاج إلى الأموال من صادراتها من الطاقة أكثر من أي وقتٍ مضى، نظراً للعقوبات التي وضِعت على اقتصادها. ويتوقّع محلّلون أن يتقلّص الناتج المحلي الإجمالي الروسي بنحو الخمس هذا العام. ولا يمكن لروسيا بيع الغاز الطبيعي بسهولة إلى دول أخرى، مثل الصين، لأنّ البنية التحتية لخط الأنابيب غير موجودة بعد.
 
وقد يأتي قرار موسكو بالتهديد بوقف إمدادات الغاز بنتائج عكسية من خلال تعزيز الجهود المبذولة لكسر اعتماد أوروبا على الطاقة الروسية. وقد كتب محلّلو "أوراسيا" أنّه "بالنظر إلى طموح الاتحاد الأوروبي إلى استبدال غالبية الواردات الروسية بمورّدين بديلين بحلول نهاية العام، يبدو من المرجَّح أن يختار معظم المشترين الأوروبيين، إن لم يكن جميعهم، عدم تجديد صفقات التوريد".
 
ورأت الباحثة في مركز سياسة الطاقة العالمية في جامعة كولومبيا، آن صوفي كوربو، في حديث لـ CNBC أنّ الفشل في حل أزمة مدفوعات الروبل قد يؤدي إلى عملية تحكيم مطوّلة. فالشركات لديها عقود طويلة الأجل مع شركة "غازبروم"، وإذا كان هناك بند في هذه العقود يسمح للشركات بتبديل العملات للدفع بالروبل، فقد تكون هذه إحدى النتائج المحتمَلة.
 
 
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم