الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

يوميّات حالمة: يوم آخر في حياة لم أعشها بعد

المصدر: "النهار"
هنادي الديري
هنادي الديري https://twitter.com/Hanadieldiri
يوميات حالمة.
يوميات حالمة.
A+ A-
القصص التي لم تحدث، هي أيضاً قصص حُب.
 
وكل ما أملك منه هو الشال الأسود الذي أرسله من نيويورك قبل أعوام بعيدة لأرتديه، كما قال، وأنا أتبختر في شوارع بيروت، بجمالها المتوحّش.
 
انه يوم آخر في حياتي التي لم أعشها بعد.
وعشرات الرسائل الالكترونيّة التي تعرّيت من خلالها من كوابيسي لأقترب من طيفه.
والقصص التي لم تحدث تسكن أيامي الطويلة. وأحياناً أغلّف جسدي المُتعب بشال القصّة التي لم تحدث.
بعد.
وأزور فصول كتاب العُشق الذي ينتظر تنهيدة البدايات.
 
 
حبيبي زياد.
 
أبدأ رسائلي الإلكترونيّة بهتين الكلمتين. منذ أكثر من 16 عاماً، لم أفكّر في تبديلهما. و"أُغمض هواجسي"، وأترنّح بدلال العاشقة التي ما زالت تؤمن بالبدايات. وأعيش حياة "طويلة – عريضة". وكل الذين خذلهم جُبني، سامحوني. وأسبح في حوض السباحة الصغير خلف المنزل الحميم. وأعيد إلى كل الذين تسبّبت في عرقلة مسار حوادث قصصهم الشخصيّة، روايتهم كاملة، زاهية، "مشعشعة". أحوّلهم أبطالاً، بعدما تعثّروا بشراشيب جُبني. وجنون العظمة الذي ورثته عن ذاك الإمبراطور الذي يطل اليوم، للمرة الأولى على خشبة مسرح قصته، "إنسان عادي"، خلع عنه بدلته الأنيقة واستبدلها بثياب النوم.
"حبيبي زياد".
 
أبدأ رسالتي الإلكترونيّة بالطريقة عينها التي لم تتبدّل منذ أكثر من 16 عاماً.
 
 
"اشتقتلّك حبيبي".
وهو حبيب لم أقف يوماً وجهاً لوجه معه. بعد.
والشال الأسود يربّت بخفت على ثوب انكساراتي التي جمّعتها بالجملة عبر السنوات. لم ألمس تعابير وجهه أو أدنو من رائحة ذكرياته.
ومئات الرسائل الإلكترونيّة التي عشناها عبر السنوات.
ناقص حياة لم نعشها معاً بعد.
 
كيف أفتقد عنق رجل لا أعرفه إلا عبر كلمات نكتبها بتهوّر؟
ونحن نعلم سلفاً بأنّ القصص التي لم تحدث، هي أيضاً قصص حُب.
والحياة حرب. نخوض معاركها يومياً لنبقى على قيد الروح.
وطيف عاشق يضطلع بدور الزائر الموقت باستمرار. وفساتيني الطويلة التي ارتديتها بتهوّر العاشقة التي ما زالت تؤمن بتنهيدة البدايات. ويجب أن أخلق حياة "طويلة – عريضة". في الخارج.
 
على اعتبار أن حياتي الداخليّة "طويلة – عريضة" بما فيه الكفاية.
وأزور قبر خالي سيمون وأحمل بيدي فنجان قهوة "سادة" كما كان يُحب أن يحتسيها. أضعها برفق على "كومة الحجار"، وأقول له وأنا أسمع صدى صوتي يعود إلي وسط صمت المكان المهيب: "لا تحزن لأنك عشت حياتك وحيداً. في النهاية كلّنا لوحدنا". وأرندح أغنيته المفضلة:"مراكبنا ع المينا... وقلبي ناطر ع المينا".
 
أغوص في ذكرياتي التي لم أعش أكثر من بعض طراطيش منها في الواقع.
حوض سباحة صغير، وفتاة صغيرة، أربعينيّة، توهم نفسها، للمرّة المليون، بأن "هالمرّة، راح تظبط".
 
"حبيبي زياد. اشتقت لفنجان القهوة الذي لم نحتسِه بعد في مقهى نيويوركي مُنهمك بانفعالاته". بعض القصص نعيشها أكثر من مرّة.
وأحياناً، إذا حالفنا الحظ، نعيشها في الواقع.
 
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم