الأربعاء - 24 نيسان 2024

إعلان

كتاب الأسبوع: سوراليّة الساعة السادسة وسبع دقائق ذاك المساء وشهادة أمل!

المصدر: "النهار"
هنادي الديري
هنادي الديري https://twitter.com/Hanadieldiri
الكاتبة الشابّة كارولين طربيه.
الكاتبة الشابّة كارولين طربيه.
A+ A-
رُقعة صغيرة من الكرة الأرضيّة. إبادة جماعيّة للروح قبل الجسد. والذكريات تزورنا دائماً مرتين. والمحظوظ منّا يستطيع أن يتصالح مع أنينها، فيُحوّلها في زيارتها الثانية، رحلة أمل وقصّة نجاة. الزيارة الأولى؟ نسمح لها بأن تُبعثر أوراقنا، وأن تهزّ كياننا. ننتحب ونسأل: "لماذا؟". نستسلم لصدمتنا ونُهدهد انكسارنا. نتشبث باليأس لكي لا نُجبر على المواجهة، وعلى الاعتراف، تالياً، بأنّ الذي حدث...قد حدث فعلاً!
 
لكنّ الذكريات تزورنا دائماً مرتين. وهذه المعرفة، لا تُزعج الكاتبة الشابة كارولين طربيه كثيراً. إذ أنّ يد الأمل التي دوّنت من خلالها كلّ الذي حصل ذاك المساء، كانت ثابتة.
 
وفي كتابها الأخير Eclat D’Une Vie، تروي لنا شهادتها ذاك المساء في تمام الساعة السادسة وسبع دقائق. وكيف حوّلت الرُعب الذي عاشته وزوجها عندما انفجرت العاصمة وتبعثرت أوراقها وجرفت معها أحلامنا، قصّة عودة. وامتزجت الدماء مع آلاف قُطع الزجاج التي استقرّ بعضها في الجسد والبعض الآخر في الروح. وبالنسبة لابنة الشمال التي نُرافق رحلتها الأدبيّة منذ سنوات طويلة، فإنّ الحياة تعود دائماً مرتين، وإن هجرتنا في لحظة استسلام عابرة. وفي دردشة معها تقول لنا بأنّ الكتاب – الحدث ينقسم إلى جزأين، أولهما ينطوي على سرد مؤلم لكل ما جرى داخل المبنى الزُجاجي القائم في شارع مار متر – الأشرفية لحظة حدوث ذاك الانفجار الذي هزمنا لأشهر طويلة، وثانيهما يأخذنا في رحلة خارج النفق لكي تنصهر صرخات الألم والخوف بنبض الأمل وإيقاعه. ولكي تتحوّل قطع الزجاج مقاطع دامية من قصيدة تلتحم حروفها وينساب إيقاعها في كل الاتجاهات ليصنع حياة جديدة.
 
يطل الكتاب في اللغة الفرنسيّة عن دار "لارماتان" وتتداخل فيه الوقائع مع ومضات أدبيّة محوريّة نستخلص منها العبر بكل تأكيد، ولكنها تُدخلنا رواق الألم الذي تعيشه يومياً العائلات التي تتخطى الـ200 والتي ذبحها انفجار صيف تلك السنة، ومع ذلك، ما زالت مُصرّة على النجاة.
 
تضحك كارولين قائلة، "أنا من الشمال، متلك (وتالياً هي عنيدة، وصلبة!). وأنا مُرتبطة جداً بالبلد. أغادر لبنان؟ إذا أصيب والدي بمرض خطير، أهجره؟ أنا أؤمن بأن الأمل يُسيّج حياتنا لأن الجيل الجديد يُريد التغيير، لأنه بكل بساطة يُريد أن يبقى في البلد. الجيل الجديد يُريد أن يُثابر. أنا شخصياً سأثابر. ولكنني لن أتوسّل العنف. لا أستسيغ السلاح ولا أفهم لغته. أفهم، بطريقة مُعاكسة بالمُقاومة الثقافيّة التي ستُسعفنا في إنقاذ هذا البلد من الموت".
 
 
كارولين، ابنة الـ34، تُساهم في إنقاذ هذا البلد الذي ترنّح ذات مساء في تمام السادسة والسبع دقائق على إيقاع الرُعب، من خلال الكتابة. "وهذا الذي نعيشه لا يقع في خانة الإنسانيّة. لا أتهم أحداً لا في الحياة ولا في الكتاب. أروي الوقائع فحسب". وهذا الكتاب الذي نقرأه بلذّة، وإن كانت الذكريات تزورنا من خلاله مرتين، يضع في الواجهة المرأة اللبنانيّة وصلابتها. "والحقيقة موجودة فقط إذا رواها أحدهم". و(بيروشيما) علّمتنا بحسب هذه "الشماليّة قحّ"، بأن الإنسان "ما بحياتو بيكون جاهز ليهرب أو ليواجه الموت أو الكارثة"، وإن كان يدّعي عكس ذلك. ولكنه أكثر من قادر على تحويل الغضب شهادة حياة. حياة انفجرت آلاف القطع الزجاجيّة. بعضها استقرّ في الجسد وبعضها الآخر يقطن الروح إلى الأبد.
 
والذكريات تزورنا دائماً مرتين، "ولكننا في الحقيقة لا يُمكننا إعادة البناء إلا من شيء دمّر بالكامل".
 
... في الزيارة الأولى، نعيش الهزيمة "بأمّها وأبوها".
 
أمّا في الزيارة الثانية، يُسمح لنا بأن نشفى.
 
وإن لم نتمكن من الشفاء، " ع القليلة"، نكون قد وثّقنا هذا الإجرام الذي ستُرافقنا ظلاله إلى الأبد، وسنذكر دوماً زيارته غير المُرتقبة في تمام السادسة والسبع دقائق من الرابع من آب... في تلك السنة.
 
 
 
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم