الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

ما المكاسب التي حققها ماكرون بعد لقائه بايدن؟

المصدر: "النهار"
جورج عيسى
الرئيسان الأميركي والفرنسي جو بايدن وإيمانويل ماكرون يتصافحان قبل عقد اجتماعهما على هامش أعمال قمة مجموعة العشرين في روما (أ ف ب).
الرئيسان الأميركي والفرنسي جو بايدن وإيمانويل ماكرون يتصافحان قبل عقد اجتماعهما على هامش أعمال قمة مجموعة العشرين في روما (أ ف ب).
A+ A-

"فرنسا شريك قيّم للغاية، للغاية – للغاية – وهي قوّة في وبذاتها". بهذه الكلمات، حاول الرئيس الأميركي جو بايدن تقديم اعتذار ضمنيّ عن إدارة مفاوضات صفقة الغوّاصات النوويّة التي وقّعتها بلاده مع أوستراليا في أيلول الماضي والتي كلّفت فرنسا صفقة شبيهة وقّعتها مع الدولة نفسها سنة 2016. وأدّت الصفقة التي ناقشتها الولايات المتحدة مع أوستراليا بسرّيّة، أو على الأقلّ خلف الكواليس، إلى نشوب أزمة ديبلوماسيّة لم يشهدها البلدان منذ تأسيس العلاقات الثنائية قبل قرابة 250 عاماً. وكانت لبايدن كلمات أخرى عبّر فيها عن ندمه على طريقة خوض المفاوضات بشأن الصفقة.

ردّاً على سؤال أحد الصحافيّين حول الموضوع، وصف بايدن طريقة إدارة الولايات المتحدة للصفقة بأنّها "خرقاء". جاء كلامه بعد مصافحة نظيره الفرنسيّ إيمانويل ماكرون في روما من أجل إصلاح العلاقات المتصدّعة. وأقسم بايدن أنّه لم يكن يعلم بعدم اطّلاع الفرنسيين على عدم نجاح صفقتهم الأساسيّة مع الأستراليّين. لكنّ لغة الجسد لدى الرئيسين عبّرتا عن ارتياح وفقاً لـ"رويترز".

 

عن عودة العلاقات إلى "طبيعتها"

عودة الهدوء إلى العلاقات ليست متوقّعة فقط بل تجلّياتها ارتسمت منذ عودة السفير الفرنسيّ إلى الولايات المتحدة والاتصال الهاتفي بين الرئيسين بعد أسبوع تقريباً على اندلاع الأزمة. بذل الأميركيون جهداً ديبلوماسياً كبيراً من أجل حلّ الخلاف مع توجّه العديد من الوفود والمسؤولين إلى فرنسا خلال الشهر الماضي، ومن بينهم وزير الخارجية أنتوني بلينكن. ومن المتوقّع توجّه نائبة الرئيس كامالا هاريس إلى باريس الشهر المقبل.

لكنّ عودة العلاقات إلى طبيعتها لن تتحقّق في أيّ وقت قريب. هذا إن تمّ أيضاً فهم "طبيعة" العلاقات الثنائيّة من زاوية متانة العلاقة العابرة للأطلسيّ، لا من زاوية الصدامات الديبلوماسية المتكرّرة بين فرنسا والولايات المتحدة في التاريخ الحديث. استعرت الخلافات بين الطرفين حتى خلال الحرب العالمية الثانية حين رفض شارل ديغول مقترحات الإنكليز والأميركيين بالتواصل مع حكومة فيشي، كما عانى وينستون تشرشل في إخفاء التوترات بين ديغول وفرانكلين روزفلت.

وسحب ديغول فرنسا من الهيكلية العسكريّة لحلف شمال الأطلسيّ (ناتو) سنة 1966 ولم تعاود باريس الانضمام إليها إلا سنة 2009. في الواقع، لدى الأوروبيين الذين يعارضون نظرة ماكرون إلى "استقلالية استراتيجية" مخاوف من سياسة "ديغوليّة" جديدة تجاه الاتحاد الأوروبي. واختلف الفرنسيّون والأميركيّون بشأن الحرب على العراق، كما بشأن الانسحاب من أفغانستان، علماً أنّه في كلتا الحالتين لم يكن الفرنسيّون الطرف الأوروبي الوحيد الذي كان على تباين واسع مع السياسة الأميركية. لكن لم يصل يوماً مستوى الحدّة بين الطرفين إلى درجة اتّهام فرنسا الصريح للولايات المتحدة بتوجيه "طعنة في الظهر" و"خيانة" الحلفاء، كما حدث خلال الأزمة الأخيرة.

 

تفويض؟

بعد الاجتماع الذي جاء على هامش أعمال قمّة مجموعة العشرين في روما، أصدر الرئيسان بياناً مشتركاً شدّدا فيه على متانة العلاقات التاريخية بين البلدين والروابط الديموقراطية والدفاعية والاقتصادية وأكدا ضرورة تكييف وتحديث العلاقات العابرة للأطلسيّ ومواجهة التحديات المشتركة. ولعلّ أهمّ النقاط التي أوردها البيان هو الحفاظ على الدفاع والأمن الجماعيّين وهو نوع من التهدئة الفرنسيّة تجاه الاندفاع نحو فكرة "الاستقلالية الاستراتيجية".

بطبيعة الحال، لا يصوّر الفرنسيّون هذه الفكرة كبديل عن التكامل الدفاعيّ مع الولايات المتّحدة. لكنّ مراقبين أميركيّين من بينهم جون بولتون يرون أنّها كذلك من الناحية العمليّة. وفي نقطة أكثر ملاءمة للتطلّع الفرنسيّ، جاء في البيان أنّ "الولايات المتحدة تعترف بأهمية (وجود) دفاع أوروبي أقوى وأكثر قدرة يساهم إيجابياً في الأمن العالمي والعابر للأطلسي وهو مكمّل للناتو" وأنّ "الولايات المتحدة تدعم الاستثمارات المتزايدة للشركاء والحلفاء الأوروبيين في الإمكانات العسكريّة التي تعزّز دفاعنا المشترك".

بمعنى آخر، بات الفرنسيّون يملكون تفويضاً أو اعترافاً أميركيّاً بضرورة تطوير القدرات الدفاعية الأوروبية، وهو موضوع قاربه الأوروبيون أنفسهم – وفي طليعتهم الألمان – بالريبة. وهي إشارة أساسيّة تمكّن ماكرون من توجيهها إلى الحكومة الألمانيّة المقبلة التي ستكون تحت قيادة جديدة خارج عباءة المستشارة أنجيلا ميركل.

 

الدور الفرنسيّ راسخ في تلك المنطقة

ينوي الرئيسان بحسب البيان إطلاق "حوار استراتيجيّ تجاريّ دفاعيّ" لتعزيز رؤية مشتركة حول إمكانية الوصول إلى السوق الدفاعية وقضايا الصادرات. واعترف الرئيسان بأهمّيّة التعاون الصلب في منطقة "الإندو باسيفيك"، كما رحّبت الولايات المتحدة بـ"دور فرنسا المستدام كشريك إندو-باسيفي" حيث له "التزام طويل الأجل وإمكانات عسكريّة وجغرافيّة" منتشرة في المنطقة. يبدو أنّ ماكرون تمكّن من انتزاع اعتراف أميركيّ بالدور الفرنسيّ الأساسيّ في شرق آسيا. لقد نظر الإليزيه إلى صفقة الغوّاصات على أنّها تجاهل لموقع فرنسا في تلك المنطقة. هي تصف نفسها بأنّها "قوة مقيمة" هناك وتملك أربع قواعد بحريّة، وترى أنّ اتّفاق "أوكوس" قوّض إمكانيّة تشكيل أستراليا "دعامة" لحضورها الإقليميّ بحسب مديرة تحرير صحيفة "ألموند" سيلفي كوفمان. على الأقلّ، انتزع ماكرون اعترافاً آخر بسوء التقدير الأميركيّ لموقع فرنسا في الهادئ والمحيط الهنديّ، وضمانة بأنّ واشنطن لن تعرقل علاقات دفاعيّة جديدة بين الهند وفرنسا.

يُذكر أيضاً أنّ الإعلان عن اتّفاق "أوكوس" جاء في اليوم نفسه لكشف الاتحاد الأوروبي خطته لمنطقة الإندو-باسيفيك. تطوّرٌ آخر كاد يحجبه الإعلان عن الاتّفاق الثلاثيّ بسبب تزامن التوقيت، وهو الكشف الفرنسيّ البارز عن اغتيال زعيم تنظيم داعش في منطقة الصحراء الكبرى عدنان أبو وليد الصحراوي. في وقت، كانت فرنسا تؤكّد جهودها المتعاظمة في مجالي الاستخبارات ومكافحة الإرهاب داخل أفريقيا، تلقّت "الصفعة" الأميركيّة السياسيّة ممّا وراء المحيط. لكن يبدو أنّ ماكرون حقّق "انتقامه" المعنويّ عبر التزام الولايات المتحدة في البيان زيادة أصولها العسكريّة في منطقة الساحل لدعم جهود مكافحة الإرهاب التي تقودها فرنسا.

 

عن الحبّ والثقة

لا شكّ في أنّ البيان صيغ إلى حدّ بعيد بأفكار وتطلّعات فرنسيّة في الأساس. لقد استطاع ماكرون أن ينتزع الكثير من الاعترافات الأميركيّة في روما، ومن داخل السفارة الفرنسيّة بالتحديد. سيكون بإمكان ماكرون الذي يستعدّ لانتخابات رئاسيّة العودة إلى فرنسا والحديث عن مكاسب كثيرة ضمَنَها من نظيره الأميركيّ. بطبيعة الحال، تبقى تلك المكاسب نظريّة لغاية اليوم. ماكرون نفسه شبّه الثقة بالحبّ لجهة وجوب اكتسابها بالأفعال لا بالكلمات وحسب. ولبايدن متّسع من الوقت لتحويل كلماته إلى أفعال.

 
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم