الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

استراتيجية "جديدة" لأميركا... هل تتعثّر روسيا في دونباس؟

المصدر: "النهار"
جورج عيسى
دبابات روسية بالقرب من ماريوبول - "أ ب"
دبابات روسية بالقرب من ماريوبول - "أ ب"
A+ A-

مع انتقال روسيا للتركيز في "عمليتها العسكرية الخاصة" على منطقة دونباس في شرق أوكرانيا، توقع مراقبون أن تكون العملية أسهل نسبياً مما كانت عليه في المحور الشمالي باتجاه كييف. استندت نظرية هؤلاء إلى أنّ ظروف المرحلة الثانية ستكون مختلفة تماماً عن تلك التي سادت المرحلة الأولى: في دونباس، ستكون المناطق سهلية ومكشوفة بما يمنع القوات الأوكرانية من الاقتراب من أهدافها لضربها كما أنّ روسيا معتادة في تدريباتها على طبيعة تلك المناطق. وبعدما كانت خطوط الإمداد بعيدة على الروس وقريبة على الأوكرانيين في كييف، ستجد القوات الأوكرانية نفسها مضطرة لحماية خطوط إمداد بعيدة جداً من العاصمة، في وقت أنّ دونباس محاذية للحدود الروسية. لهذه الأسباب وغيرها، إنّ احتمال انتصار روسيا في شرق أوكرانيا أعلى بكثير من احتمالات انتصار أوكرانيا.

نظرياً، تبدو هذه الحسابات مطابقة للواقع الميداني. مع ذلك، يرى قسم آخر من المراقبين أنّ أوكرانيا لا تزال تتمتع باليد العليا في دونباس. ويرجعون ذلك إلى حدوث تطوّرات سياسية وعسكرية في الولايات المتحدة كما إلى استمرار الأوكرانيين في التمتع ببعض المزايا.

 

ما هي الاستراتيجية الجديدة؟

بعدما كانت الولايات المتحدة ترغب برؤية نهاية ديبلوماسية للحرب على أوكرانيا، بالاستناد إلى دعم كييف حتى يتعادل الميدان العسكري وتضطر روسيا للذهاب إلى طاولة المفاوضات، انقلب الهدف الأميركي اليوم، بحسب صحيفة "واشنطن بوست". باتت واشنطن تريد فوز كييف عسكرياً وإضعاف القوات الروسية إلى أقصى حدّ ممكن. يشير كاتب العمود في الصحيفة ديفيد إغناشيوس أولاً إلى ما قاله وزير الدفاع الأميركي لويد أوستين الاثنين: "نريد أن نرى روسيا قد ضعفت إلى درجة لا تستطيع أن تقوم بالأمور التي فعلتها عبر اجتياح أوكرانيا". وقال مسؤول في مجلس الأمن القومي الأميركي لإغناشيوس: "نريد أن تفوز أوكرانيا. ننوي جعل هذا الغزو إخفاقاً استراتيجياً لروسيا. أحد أهدافنا هو الحد من قدرة روسيا على فعل أمر كهذا مجدداً".

ما يؤكد هذا التحليل تقارير عدة بدأت تشير منذ أيام إلى إرسال أسلحة ثقيلة للأوكرانيين. والرئيس فولوديمير زيلينسكي نفسه أعلن الأسبوع الماضي أنّ الأسلحة التي طالبت بها أوكرانيا منذ فترة طويلة بدأت تصل "أخيراً". وأضاف أنّه لو وصلت هذه الأسلحة في وقت أبكر "لكُنّا قد أنهينا هذه الحرب. لكنّا قد استعدنا السلام وحررنا أراضينا من المحتلين".

ليس وصول الأسلحة الحديثة وحده ما قد يقلب المعادلة. هنالك وقت يحتاج إليه الأوكرانيون للتدرب عليها وعلى عمليات الصيانة. وثمة صعوبة اعتيادية في تكييف الأسلحة الغربية مع بنية تحتية عسكرية مختلفة في أوكرانيا. بالتالي، يتعيّن انتظار فترة من الوقت قبل رؤية النتائج الميدانية.

بدأت الولايات المتحدة بشحن ما يساوي 1.2 مليار دولار من مدافع "هاوتزر" ونحو 200 ألف قذيفة مدفعية وعربات مصفحة ورادارات مضادة للبطاريات وطائرات مسلحة تجريبية جديدة بلا طيار. وأعلنت فرنسا وكندا يوم الجمعة عن خطط لإرسال أنظمة مدفعية بعيدة النطاق كما تدرس لندن إرسال مدرّعات إلى بولونيا مع استعداد الأخيرة لإرسال دبابات بولونية إلى أوكرانيا. هذا التحول السريع في نوعية المساعدات يعكس الاعتراف بأنّ المرحلة الجديدة من القتال سيهيمن عليها القصف المدفعي ومعارك الدبابات.

حتى ألمانيا المترددة أعلنت يوم الثلاثاء عن خطتها إرسال دبابات "غيبارد" المضادة للمقاتلات إلى أوكرانيا. ووعدت ألمانيا أيضاً بإعادة ملء ترسانة دول أوروبا الشرقية التي أرسلت أسلحة سوفياتية إلى أوكرانيا. تحدثت وزيرة الدفاع الألمانية كريستينا لامبرشت عن هذا القرار خلال محادثات دفاعية استضافتها الولايات المتحدة ممثلة بأوستين في قاعدة رامشتاين الجوية غربي ألمانيا. وحضر المحادثات قرابة أربعين دولة.

 

بين "التفاؤل" والحذر

من المراقبين القلائل الذين توقعوا احتمالاً كبيراً لهزيمة روسيا أمام أوكرانيا، وفي مرحلة مبكرة نسبياً من المعركة، العالم السياسيّ فرنسيس فوكوياما. اليوم، وعلى الرغم من اختلاف التكتيك والميدان العسكري في الشرق، لا يزال فوكوياما عند رأيه. السبب الأول هو نوعية الأسلحة المرسلة إلى أوكرانيا وفقدان روسيا تفوقها في عدد المدرّعات الذي يحتاج إليه نجاح أي هجوم (3/1). والسبب الثاني هو استمرار انخفاض معنويات الجيش الروسي الذي سُحب مباشرة من الشمال للتوجه إلى دونباس من دون فرصة لالتقاط الأنفاس وإعادة التجمع. كذلك، ليست واضحة بالنسبة إليه قدرة روسيا على التعلم من الأخطاء وقيادة هجوم منسّق، كما أنّها لا تمتلك القوة البشرية أو قوات الاحتياط لاستبدال تآكل الجيش الروسي البطيء في دونباس.

قد يثبت فوكوياما أنّه على حق مجدداً. مع ذلك، تختلف قراءة الميدان بين الزاويتين السياسية والعسكرية. حذّر المقاتل الأسبق في البحرية الأميركية بينغ وست من أنّ الأسلحة الغربية المرسلة إلى أوكرانيا لا تزال قليلة جداً. بعكس المساعدات الأميركية لكييف اليوم، ساعد الاتحاد السوفياتي فيتنام الشمالية بأسلحة هجومية: 400 مقاتلة "ميغ"، و2000 دبابة و7000 مدفعية. وحين حوصر فريق الاستطلاعات التابع له، اضطرت واشنطن إلى قصف نحو 10 أطنان من الذخائر الشديدة الانفجار وقنبلتين وزنهما نحو طن لدعم خمسة رجال فقط.

وفقاً لحسابات وست، تحتاج أوكرانيا إلى مساعدة عسكرية بقيمة 40 مليار دولار بدلاً من الـ4 مليارات "البائسة" التي حصلت عليها. "بعد التنازل عن السيطرة على الأجواء، إنّ احتمالات استعادة أوكرنيا للمدن التي يسيطر عليها الروس منخفضة، وتقترب من الصفر بدون مدفعية ضخمة".

بالفعل، رأى خبراء عسكريون من "أتلانتيك كاونسيل" أنّ روسيا تتمتّع بالتفوق العددي في دونباس وبمزية نسبية في القوة النارية الجوية والبرية متوقعين أن يقلب هذا التفوق المعركة لصالح الروس إلا إذا تمكنت أوكرانيا من تطوير وحماية إمدادات فائضة.

رأى إغناشيوس أنّه بفعل تغيير واشنطن استراتيجيتها في أوكرانيا وتصاعد الكلفة البشرية والاقتصادية على روسيا سيكون المخرج أكثر إقناعاً لبوتين اليوم من أجل وقف الحرب على أوكرانيا. لكن يبدو أنّه لكي يصحّ توقّع الصحافيّ، يجب على تغيّر الاستراتيجية أن يترافق مع استدامة بل مضاعفة الإمكانات النارية لأوكرانيا. ولن تتاح معرفة ذلك قبل أسابيع من اليوم.

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم