الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

تهدئة أم تصعيد بعد اعتراف روسيا باستقلال دونباس؟

المصدر: "النهار"
جورج عيسى
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين (أرشيف) - "أ ب"
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين (أرشيف) - "أ ب"
A+ A-

أقدم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على خطوة مفاجئة إلى حدّ بعيد عندما أعلن اعترافه باستقلال منطقتي لوغانسك ودونيتسك في منطقة دونباس يوم الاثنين بعد قانون صدر عن مجلس الدوما الأسبوع الماضي يناشده اتّخاذها. كانت الخطوة مفاجئة لسببين على الأقلّ: طوال الفترة الماضية، ركّزت التوقعات الغربية، سياسية كانت أم استخبارية، على احتمالات شنّ هجوم عسكريّ روسيّ ضدّ أوكرانيا. قلّة من التحليلات والتصريحات كانت معنيّة برصد موقف الكرملين وروسيا تجاه الوضع القانوني لدونيتسك ولوغانسك، وغالبيتها برزت بعد خطوة مجلس الدوما. السبب الثاني أنّ بوتين نفسه أقنع المجلس منذ أسابيع قليلة بعدم إصدار مسوّدة قانون تعترف بالمقاطعتين الانفصاليتين. ربّما أراد الرئيس الروسيّ إفساح المجال أمام الديبلوماسيّة وبشكل محتمل أمام المفاجآت أيضاً.

 

بالرغم من استدعائها إدانة دولية، لم تكن هذه الخطوة الأولى من نوعها في تاريخ روسيا الحديث. فهي اعترفت أيضاً باستقلال مقاطعتي أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية الجورجيّتين بعد حرب خاطفة سنة 2008. كيفية تعامل الغرب مع ما يمكن أن يرقى إلى إنهاء اتفاقيتي مينسك سيكون مدعاة تكهّن. حالياً، تكاد تنحصر الأسئلة في إشكالية واحدة: هل اعتراف روسيا باستقلال دونباس هو منعطف نحو مزيد من التصعيد أو نحو تراجع عن سياسة حافة الهاوية التي اعتمدها بوتين خلال الشهرين الماضيين؟

 

تصعيد في غياب الردّ

أجرى "مركز تحليلات السياسة الأوروبية" أمس مقابلات مع عدد من باحثيه لاستطلاع آرائهم حول هذا الحدث. مارك فوياجر من "برنامج الدفاع والأمن العابرين للأطلسيّ" التابع للمركز نفسه قال إنّه بغياب أيّ ردّ عسكريّ وأخلاقيّ وقانونيّ واقتصاديّ، سيحاول الكرملين مواصلة تفكيك الدولة الأوكرانية وفقاً لما يناسبه.

لكنّ موقف الغرب من روسيا بعد الاعتراف كان لافتاً للنظر قياساً بما كان يعانيه (وعلى الأرجح لا يزال) من اهتزازات عميقة. قبل إعلانه اعترافه باستقلال دونيتسك ولوغانسك، أبلغ بوتين قراره إلى الرئيس الفرنسيّ إيمانويل ماكرون والمستشار الألمانيّ أولاف شولتز. الأجوبة عن سبب حرص الرئيس الروسيّ على إخطار باريس وبرلين بخطوته متنوّعة. ألمانيا وفرنسا جزء من رباعيّ النورماندي التي يحاول معالجة الأزمة في شرق أوكرانيا عبر اتفاقيتي مينسك. ثانياً، تبقى ألمانيا وفرنسا من أكثر الدول الغربية ليونة في التعامل مع روسيا، بالمقارنة مع الولايات المتحدة وبريطانيا ودول الجناح الشرقيّ للحلف الأطلسيّ.

الفرنسيّون رأوا ضرورة أخذ المطالب الأمنيّة الروسيّة بالاعتبار، والألمان رفضوا مساعدة أوكرانيا عسكرياً وواجهوا ضغوطاً لوقف مشروع استجرار الغاز من روسيا. ويبدو أنّ هذه الضغوط قد نجحت. جمّدت برلين في الساعات القليلة الماضية العمل بـ"نورد ستريم 2" علماً أنّها كانت تفضّل ألّا تصل الأمور إلى هذا الحدّ. طبعاً لا يمكن حصر موقف روسيا من الدولتين في إطار "ردّ الجميل"، بل هو جزء من محاولة دائمة لتوسيع الشرخ في العالم الغربيّ. لكن يبدو أنّ الغرب صامد في اتّحاده لغاية اليوم.

 

أبرز العقوبات

أعلن البيت الأبيض فرض عقوبات على مصرفي VEB و PSB الروسيين وعلى الدين السيادي الروسي. بحسب تغريدة للباحث في المجلس الأطلسيّ إيدي فيشمان إنّ بنك VEB هو خامس أكبر مصرف في روسيا وهي المرّة الأولى التي تستخدم واشنطن هذه الأداة ضدّ مصرف حكوميّ كبير. وفرضت أوروبا عقوبات تطابق من حيث شدّتها العقوبات الأميركية على الدين السياديّ الروسيّ، وهو أمر شكّل "مفاجأة" للباحث نفسه حيث رأى أنّ الرسالة تمكن في كون الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي أقرب اصطفافاً ممّا قاله المشكّكون. وأعلن الطرفان أنّهما مستعدّان لتشديد العقوبات في حال دعت الحاجة إلى ذلك. وفرضت كندا أيضاً عقوبات على روسيا.

من جهته، أعلن وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن إلغاء اجتماع كان محدداً الخميس مع نظيره الروسي سيرغي لافروف. كان من المرتقب أن يناقش الوزيران احتمال عقد قمّة بين الرئيسين بوتين وبايدن كما أعلن الإليزيه منذ أيام قليلة، قبل أن يخفّف الكرملين من هذا التوقّع يوم الاثنين. مع ذلك، أوضح الوزير أنّ الولايات المتحدة جاهزة للانخراط في حوار ديبلوماسيّ لو غيّرت موسكو أسلوبها. وقال بايدن خلال كلمة متلفزة إنّ الإجراءات بحقّ الدين السياديّ الروسيّ تعني أنّ الحكومة الروسيّة ستكون معزولة عن العالم الماليّ الغربيّ. وأضاف: "بينما تتأمّل روسيا الخطوة التالية، هيّأنا خطوتنا التالية أيضاً". ويعدّ بنك PSB مؤسّسة ماليّة لإجراء الجيش الروسيّ تعادقاته العسكريّة.

وصنّفت وزارة الخزانة عدداً من "النخب" الروسيّة المقرّبة من بوتين وفقاً لبيانها، من بينهم ألكسندر بورتنيكوف مدير جهاز الخدمة الفيديرالية "أف أس بي" (وريث كاي جي بي السوفياتيّ) والمدير التنفيذيّ لبنك PSB بتر برادكوف ورئيس الوزراء الروسيّ الأسبق سيرغي كيريينكو. هذه العقوبات تشكّل "الحزمة الأولى" من الإجراءات بحسب واشنطن.

 

"لست متأكداً الآن"

الباحث البارز غير المقيم في "مركز تحليلات السياسة الأوروبية" إدوارد لوكاس قال (قبل فرض الغرب عقوباته) إنّ "روسيا كسبت هذه الجولة". لذلك بإمكان بوتين وضع المكاسب في جيبه والابتعاد عن طاولة التفاوض بعد تحقيق التالي بحسب رأيه: فشل الاستخبارات الغربيّة في توقّع خطوته، عزل أوكرانيا، تطبيع الستاتيكو السابق، اقتراب اتحاد بيلاروسيا مع روسيا، وكأسين جيوسياسيّتين جديدتين (لوغانسك ودونيتسك). مع ذلك، وقبل الخطوة الروسيّة الأخيرة، كان لوكاس يرجّح عدم مخاطرة بوتين بغزو عسكريّ. "لكن الآن لست متأكّداً".

قد تعتمد خطوة بوتين التالية على تماسك الموقف الغربيّ. هل ينجح بايدن في إبقاء الأوروبيين المترددين تحت العباءة الأميركيّة؟ إعلان برلين تجميد "نورد ستريم 2" نجاح آخر لبايدن. كذلك إعلانها الاستعداد لإرسال قوّات عسكرية إلى ليتوانيا. فرنسا دانت خطاب "جنون الارتياب" الذي ألقاه بوتين عن أوكرانيا قبل اعترافه باستقلال المنطقتين الانفصاليتين ودعت إلى فرض عقوبات على روسيا وعقد اجتماع طارئ لمجلس الأمن. ثمّة دول أوروبية أخرى متردّدة في التصعيد مع موسكو مثل إيطاليا والمجر. لكنّها قد لا تؤثّر على السياسة الخارجيّة العامّة للاتّحاد. كلّما صمد الغرب، لا أمام روسيا وحسب، بل الأهمّ أمام خلافاته الداخليّة ازدادت احتمالات خفض التصعيد إنّما من دون أن يعني ذلك انتفاءها تماماً. لا تزال الحسابات معقّدة ومسار سحب فتيل التفجير طويلاً جداً.

 

 

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم