الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

هل يحفّز بوتين الناتو على ضمّ أوكرانيا؟

المصدر: "النهار"
جورج عيسى
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين - "أ ب"
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين - "أ ب"
A+ A-

مع تزايد الحشد العسكري الروسي على الحدود مع أوكرانيا ووصوله إلى 150 ألفاً وفقاً لتقديرات بروكسل، طالب الرئيس الأوكرانيّ فولوديمير زيلينسكي حلف شمال الأطلسي "ناتو" بتسريع مسار قبول بلاده في عضويّة الحلف. رأى زيلينسكي أنّ ذلك هو الخطوة الوحيدة لإنهاء الحرب في إقليم دونباس مشيراً إلى أنّ بلاده أجرت إصلاحات عسكريّة لهذه الغاية آملاً في أن تتلقى دعوة هذه السنة للانضمام إلى خطة عمل اكتساب العضويّة ("ماب") في الناتو.

 

جاء كلام زيلينسكي بعد اتّصال هاتفيّ مع أمين عام الحلف ينس ستولتنبرغ في السادس من الشهر الحالي. أكّد الأخير بعد الاتصال الالتزام بـ"شراكتنا الوثيقة" لكن من دون ذكر موضوع العضويّة. ويعود اتّفاق الشراكة بين الطرفين إلى سنة 1997. حتى الناطقة باسم البيت الأبيض جين بساكي قالت إنّ واشنطن تدعم كييف بقوة، لكنّ قرار الانضمام إلى الحلف هو "قرار على الناتو اتخاذه".

 

ما الذي تخشاه روسيا؟

لا تستطيع الدول المنخرطة في النزاعات الانضمام إلى الحلف، وإلا سيُجرّ سريعاً إليها. من ناحية أخرى، لدى فرنسا شكوك مبدئية في مسألة توسيع "الناتو" كما أنّ العلاقات السياسية المتوتّرة بشكل تصاعديّ منذ 2010 بين كييف وبودابست قد تجعل الأخيرة رافضة لخطوة الانضمام. وكان هنالك تلكّؤ أطلسيّ في توسيع الحدود إلى حدّ جعلها على تماس مباشر مع الحدود الروسيّة.

 

أعرب المسؤولون الأوكرانيّون مراراً عن شعورهم بتباطؤ الحلف في دعوة كييف إلى "خطة العمل"، كما فعلت مؤخراً نائبة رئيس وزراء أوكرانيا لشؤون التكامل الأوروبي والتكامل الأوروبي-الأطلسي أولغا ستيفانيشينا. فبعدما سردت سلسلة الإصلاحات التي اتبعتها البلاد، لفتت نظر الأطلسيّين إلى أنّ روسيا "لا تخشى حدوداً مشتركة مع الناتو لكنّها تخشى من حدود مشتركة مع الديموقراطيّة" التي تشكّل "تهديداً" للنظام الروسيّ. ورأت أنّ المسار الواضح نحو العضويّة الأطلسيّة هو عامل أساسيّ في تحويل "الفضاء ما بعد سوفياتي إلى فضاء ديموقراطيّ وآمن".

 

إحباط

تذكّر أوكرانيا الناتو بأنّها تشاركه العمليّات العسكريّة في أفغانستان وكوسوفو وبأنّ نسبة إنفاقها الدفاعيّ إلى الناتج القوميّ الإجماليّ بلغت 3.4% سنة 2019 علماً أنّ قلّة من الدول الأطلسيّة تلتزم بعتبة 2% التي اتّفقت عليها سنة 2006. فحتى سنة 2017، بلغ عدد هذه الدول 5 من أصل 28. وفي 2020، ارتفع الرقم إلى 11 دولة ملتزمة بهذا النسبة من المساهمة من أصل 30. ولو كانت أوكرانيا منضمّة فعلاً إلى الحلف، لكانت اليوم تحتلّ المرتبة الثانية بعد الولايات المتحدة على لائحة الدول الأكثر إنفاقاً على الدفاع بالنسبة إلى حجم ناتجها القوميّ، بدلاً من اليونان.

 

مقابل جميع هذه الخطوات، لم تحصل كييف سوى على الكلمات من الغربيّين، وفقاً لما يقوله مسؤولون. وقال زيلينسكي نفسه إنّ الإصلاحات التي يشيد بها الغربيّون "لن توقف وحدها روسيا". ومن بين الحوافز التي يقدّمها الأوكرانيّون للناتو كي يقبل بعضويّة بلادهم إقناعهم بإمكانيّة أن تشكّل أوكرانيا (وجورجيا) رافعة أمنيّة للحلف الأطلسيّ في البحر الأسود. في 2008، وعد الغربيّون أوكرانيا وجورجيا بأنّهما ستنضمّان إلى الناتو. لكن بعد 13 عاماً لم يطرأ أيّ تطوّر بهذا الخصوص.

 

ما الذي يخشاه الغرب؟

ثمّة حجّة تقول إنّ ضبط النفس الذي أظهره الناتو من خلال عدم ضمّه أوكرانيا وعدم إطلاق خطّة عمل الانضمام لم يمنع روسيا من احتلال أجزاء من أوكرانيا وجورجيا معاً. علاوة على ذلك، أطلقت موسكو تصعيدها ضدّ كييف في وقت أظهرت الأخيرة مرونة كبيرة تجاه الروس: فرض زيلينسكي قيوداً إضافية على الجيش كي يكتفي بمكاسب الحدّ في الدونباس وكان أكثر تجاوباً من سلفه في قضيّة المفاوضات حول نزع السلاح وفصل القوات، بينما عيّن مقرّبين من الروس في حكومته. لم تنتج هذه الخطوات المثيرة للجدل داخلياً أي تهدئة بين البلدين.

 

وزير خارجيّة أوكرانيا دميترو كوليبا يؤيّد نظريّة خوف الغربيّين من "استفزاز" روسيا عبر قبول بلاده في الحلف. ورأى أنّ الخشية كانت مبرّرة في 2008، لكن بعد جميع الأحداث التي شهدها البلدان، أصبح واضحاً أنّ الأمر كان "خاطئاً". وأضاف في "المجلس الأطلسيّ" أنّ الدرس المستقى من السنوات الأخيرة هو "أنْ لا شيء يستدعي اعتداء الكرملين أكثر من الدعوات إلى ‘عدم استفزاز‘ روسيا".

 

إلى جانب الخوف من الدخول في الصراع مباشر مع روس، يعتقد بعض المسؤولين الأميركيّين أنّه بالإمكان الدفاع عن أوكرانيا بوسائل الدعم التقليديّة، أكانت عسكريّة أم اقتصاديّة. فالتهديد بعزل روسيا عن نظام التراسل الماليّ الدوليّ المعروف اختصاراً باسم "سويفت" قد يردع الرئيس الروسيّ فلاديمير بوتين عن شنّ اجتياح جديد لأوكرانيا وفقاً لوجهة النظر هذه. لكن ليس واضحاً ما إذا كان الاكتفاء بهذا الدعم سيكون ناجحاً بشكل مستدام أو أنّه يكفي لتخفيض التوتّرات الحاليّة فقط.

 

نتيجة عكسية

في حديث إلى مركز "كارنيغي"، تفضّل إليزابيث برو من "معهد المشروع الأميركيّ" اعتماد "الغموض الاستراتيجيّ" من أجل ردع روسيا. فانضمام أوكرانيا إلى الناتو سيعطيها عذراً للتصرّف بشكل "أكثر عدوانيّة" بينما سيضطر الحلف الأطلسيّ إلى تركيز جهوده على هذا النزاع، وهو أمر لا يخدم الدول الأعضاء. فبفضل الغموض الاستراتيجيّ وفقاً لعلاقة الشراكة بين الناتو وكييف، ليس بإمكان روسيا معرفة طريقة ردّ الناتو على الاعتداء، بذلك ستكون عوامل "الردع والخوف والمفاجأة" هي العوامل الحاسمة.

 

اللافت للنظر أيضاً أنّ باحثين كثراً عبّروا عن آراء مشابهة لمؤسّسة الرأي نفسها. وقالوا إنّ الخلافات الداخليّة وضعف رغبة الدول الأعضاء بالانخراط في حرب جديدة قد تجعل من عضويّة كييف، إذا تمّت في وقت قريب وهذا مستبعد، ترتدّ سلباً على العلاقات بين الطرفين وتعزّز من قوّة روسيا إزاءهما.

 

قد يكون أحد أهداف موسكو من التصعيد اختبار العلاقات الدفاعيّة بين الناتو وأوكرانيا في عهد الرئيس الحاليّ جو بايدن. ما من مؤشّرات توحي برغبة أطلسيّة في استقبال كييف بصرف النظر عن الأسباب. الأوكرانيّون يدركون ذلك. "يجب علينا فقط أن نعتمد على أنفسنا"، يقول جنديّ أوكرانيّ على الجبهات الأماميّة.

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم