الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

ما أهمية الانتخابات الرئاسية الحالية في فرنسا؟

المصدر: "النهار"
جورج عيسى
صورة مركّبة لماكرون ولوبن - "أ ب"
صورة مركّبة لماكرون ولوبن - "أ ب"
A+ A-

تنظم فرنسا انتخاباتها الرئاسية على وقع الغزو الروسي لأوكرانيا. يتنافس في الجولة الأولى اليوم الأحد 12 مرشحاً في السباق نحو الإليزيه. على الرغم من هذا العدد من المرشّحين، ينحصر التنافس الجدي بين ثلاثة مرشحين: الرئيس الحالي إيمانويل ماكرون (وسط)، وزعيمة "التجمع الوطني" مارين لوبن (يمين متطرف) ومرشّح "فرنسا غير الخاضعة" جان لوك ميلانشون (أقصى اليسار). يحلّ على مسافة بعيدة من هؤلاء الصحافيّ والمعلّق السياسي إريك زيمور (يمين متطرف) ومرشّحة "الجمهوريين" فاليري بيكريس (يمين وسط).

 

بحسب استطلاعات الرأي، حصد ماكرون نحو 26% من نوايا التصويت، ولوبن 25%، بينما حلّ ميلانشون في المركز الثالث مع 17%. أمّا زيمور وبيكريس فحصدا قرابة 8% من نوايا التصويت، على ما نقلته شبكة "بي أف أم تي في" منذ يومين. تؤيّد غالبية استطلاعات الرأي هذه الأرقام إلى حدّ بعيد. وهي أيضاً ترجّح وصول ماكرون ولوبن إلى الجولة النهائية من الانتخابات في 24 أبريل/نيسان، كما ترجّح فوز الرئيس الحالي بولاية ثانية لكن بفارق ضئيل. مع ذلك، تمكّنت لوبن بشكل مفاجئ من تقليص الفارق الذي يفصلها عن ماكرون. منذ أشهر قليلة، بدت الانتخابات عبارة عن "نزهة" بالنسبة إليه. انقلب الوضع إلى حد كبير اليوم مع دخول الفارق بين المرشّحين "هامش الخطأ".

يذهب الفرنسيّون إلى التصويت بالتزامن مع صياغة شكل جديد للهيكلية الأمنية بين أوروبا وروسيا. من المفترض أن تؤدّي فرنسا دوراً محورياً في هذا الإطار. حاول ماكرون التوسّط بين أوكرانيا وروسيا لحلّ النزاع وتحدّث مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أكثر من مرّة. لكن جهوده باءت بالفشل. في نهاية المطاف، سيحدّد الميدان الرسم الأولي للهيكلية الأمنية الجديدة، لا علاقات الودّ التي تجمع ماكرون وبوتين.

 

إلى الآن، تمكّنت أوكرانيا من الصمود ودحر القوات الروسية عن غرب البلاد. باتت كييف مبدئياً في مأمن من السقوط، وكذلك حكومتها. ومع اكتشاف مقابر جماعية وجثث مدنيين مقيّدين تعرّضوا لإطلاق النار، يزداد الضغط الدولي لعدم تقديم تنازلات إلى روسيا وزيادة الدعم العسكري لأوكرانيا. تنفي روسيا ضلوعها في تلك المجازر وتتهم أوكرانيا بارتكابها.

 

المصلحة الفرنسية

لفرنسا مصلحة مباشرة في حلّ النزاع. رعت باريس اتفاقيتي "مينسك" (2014) و"مينسك 2" (2015) إلى جانب ألمانيا لوقف النزاع الذي اندلع منذ ثمانية أعوام، مع ضمّ روسيا القرم ودعم انفصاليين موالين لها في منطقتي دوناتسك ولوغانسك. نجحت "مينسك 2" في التخفيف من حدّة الصراع القائم في شرق أوكرانيا، لكنّها لم تضع حدّاً له إذ حتى أوائل 2022، أدّى النزاع إلى سقوط قرابة 14 ألف قتيل. ساهم فشل الجهود الديبلوماسية التي أطلقها الفرنسيّون والألمان في تفجّر الوضع أواخر فبراير/شباط 2022. سيواجه الرئيس الفرنسي المقبل تحدياً كبيراً في إعادة إطلاق مسار التفاوض، لكنّ تخطّي هذه العقبة قد يكون مدفوعاً ببعض الحوافز.

تخوض فرنسا ديبلوماسيّتها عقب مغادرة أنجيلا ميركل منصب المستشارية الألمانية بعد خدمة رسمية دامت أكثر من 15 عاماً. من الناحية النظرية، لا يتمتع المستشار الحالي أولاف شولتس بالخبرة التي راكمتها ميركل. لكنّ ذلك لم يمنعه من نقل ألمانيا إلى مرحلة جديدة تخلّت فيها عن الحذر في الإنفاق العسكريّ ودعم أحد أطراف النزاعات في الخارج بشكل مباشر. اعترفت وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك بأنّ بلادها حقّقت استدارة بـ180 درجة. على الرغم من ذلك، قد تظلّ ألمانيا مفتقدة لفترة طويلة إلى الثقل السياسيّ الذي جسّدته ميركل.

سيكون على الرئيس الفرنسيّ المقبل انتهاز الفرصة لإعادة تحويل بلاده إلى مركز الثقل الجديد لأوروبا. لطالما سعى ماكرون إلى تحقيق هذا الهدف، عبر الدعوة أولاً إلى "استقلالية" أوروبية سياسية وأمنية عن الولايات المتحدة. أثارت هذه الدعوة ريبة الأوروبيين، بمن فيهم الألمان، من وجود محاولة لتزعّم فرنسيّ جديد للاتحاد الأوروبي.

 

مؤشرات للمستقبل

ربّما تؤدّي إطالة أمد النزاع إلى خسارة فرنسا نفوذها للمساهمة بالتوصل إلى تسوية للنزاع. يمكن ملاحظة أنّ تركيا تتمتّع بفرص بارزة لنجاح وساطتها مع استضافتها المحادثات بين روسيا وأوكرانيا. في الوقت نفسه، ثمّة دعوات  لمحللين غربيين، كي تعود ميركل عن استقالتها وتخوض وساطتها الخاصة مع بوتين. فهما يعرفان بعضهما جيداً وقد صاغت الحرب الباردة شخصيتيهما إلى حد بعيد. علاوة على ذلك، تتقن ميركل اللغة الروسية. ليس مؤكداً ما إذا كانت ميركل ستعرض خدماتها الديبلوماسية أو إذا كان سيُقدَّم إليها طلباً رسمياً بهذا الخصوص.

لكنّ المؤكّد أنّ ماكرون، وربما الفرنسيّين، غير راغبين بالعودة إلى ظلّ ميركل في لحظة استراتيجية حاسمة. إذا كانت فرنسا غير قادرة على لعب دور قياديّ في هذه المرحلة، لا بعد مغادرة ميركل المسرح السياسيّ وحسب، بل أيضاً بعد مغادرة بريطانيا الاتحاد الأوروبي، فسيصعب توقّع مستقبل فرنسيّ لافت على المستوى القارّيّ. بالفعل، إنّ زيارة رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون أوكرانيا في الساعات الماضية ولقاءه رئيسها فولوديمير زيلينسكي لإعلان التضامن وتقديم المزيد من الدعم العسكري، يضع فرنسا في موقف ديبلوماسيّ متأخّر. يهدّد كلّ ذلك احتمالات برزت في الأشهر الماضية مفادها بدء تحوّل مركز الجاذبية في أوروبا من الشمال إلى الجنوب (تحالف ماكرون/دراغي).

بطبيعة الحال، لا يتوجّه الفرنسيّون إلى صناديق الاقتراع منشغلين بالحسابات الاستراتيجية لفرنسا وموقعها الأوروبي. أظهرت استطلاعات الرأي أنّ أولوية الناخبين الفرنسيين اليوم هي انخفاض القدرة الشرائية وارتفاع التضخّم وأسعار الغاز. لقد تمكّنت لوبن من تحقيق تقدّم على المستوى الشعبيّ بفعل تركيزها على هذه المسائل. لكن في جميع الأحوال سيعود دور فرنسا الإقليميّ والدوليّ لتصدّر أجندة الفائز بالإليزيه، سواء أكان ماكرون أو حتى لوبن.

 
*نقل عن "النهار العربي"
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم