الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

بيسكوف عن قتلى روسيا في أوكرانيا... اعتراف أم زلّة لسان؟

المصدر: "النهار"
جورج عيسى
الناطق باسم الكرملين دميتري بيسكوف - "أ ب"
الناطق باسم الكرملين دميتري بيسكوف - "أ ب"
A+ A-

لم تكن الإطلالة الإعلامية للناطق باسم الكرملين دميتري بيسكوف على شبكة "سكاي نيوز" البريطانية يوم الخميس إطلالة عادية. قلّة توقّعت أن يعلن بيسكوف سقوط "عدد كبير" من القتلى في صفوف القوات الروسية خلال غزو أوكرانيا. وعلى الرغم من أنّه تفادى تحديد هذا الرقم، يبقى أنّ الاعتراف بهذا الواقع خالف المسار العام للخطاب الرسمي الروسي، خصوصاً أنّه وصف الخسائر بـ"المأساة الهائلة".

تحدّث الرئيس فلاديمير بوتين مراراً عن أنّ العملية العسكرية "تسير بنجاح". لكن في الوقت نفسه، تجنّبت وزارة الدفاع الروسية الإشارة إلى عدد قتلى الجنود الروس خلال الحرب. خرجت الوزارة مرتين عن صمتها. الأولى بعد أسبوع على انطلاق الغزو حين قالت إنّ موسكو خسرت 498 قتيلاً. أما الثانية فكانت في نهاية آذار عندما قالت إنّ عدد القتلى الروس وصل إلى 1351. بين هذين التاريخين، نقلت صحيفة "كومسومولسكايا برافدا" في 21 آذار عن وزارة الدفاع قولها إن 9861 روسياً قتلوا خلال العملية العسكرية. لكن بعد دقائق قليلة تم حذف الخبر.

بالمقابل، كانت وزارة الدفاع الأوكرانية تنشر تقريراً يومياً عن عدد القتلى الروس وخسائرهم المادية. لم يكن بالإمكان التأكد من صحة هذه الأرقام من مصدر محايد، لكنّ قدرة كييف على نشر صور وفيديوهات كثيرة عن دبابات ومدرعات محترقة أكسب أقوالها صدقية إلى حد معيّن. بطبيعة الحال، برزت تباينات كبيرة بين الأرقام الروسية والأوكرانية عن خسائر الجيش الروسي. حين تحدثت موسكو عن فقدان أكثر من 1300 جندي، كانت أوكرانيا تتحدث عن تحييدها قرابة 17 ألف جندي روسي.

 

صعوبة التحقّق من الأرقام

في حديث إلى شبكة "سي بي سي" الكندية، قال ستيفن سَيدمان من كرسي باترسون للشؤون الدولية في جامعة كارلتون إنّ الخبراء لا يحبون وضع ثقتهم بالأرقام التي تقدمها روسيا أو أوكرانيا بسبب مصلحتيهما في تضخيم أرقام الخسائر التي تكبّدانها للطرف الآخر وتقليل الخسائر التي تتكبّدانها.

لهذا السبب، كان حلفاء كييف الغربيون أكثر حذراً في تقديراتهم. في 29 آذار، قالت مساعدة وزير الخارجية الأميركي فيكتوريا نولاند إنّ روسيا فقدت أكثر من 10 آلاف جندي. وقال مسؤول في حلف شمال الأطلسي (ناتو) إنّ تقديرات الحلف عن عدد القتلى الروس تتراوح بين 7 و 15 ألفاً. وهذا يجعل معدّل تقديرات الأطلسيّ قريبة من الأرقام التي تحدّثت عنها نولاند.

يقول سيدمان إنّ خبراء الولايات المتحدة والناتو يستخدمون نماذج لاحتساب الخسائر التي تبلغ عنها الاستخبارات الميدانية وصور الأقمار الاصطناعية والدراية بالعتاد الروسيّ مما يجعل أرقامهم الأكثر مصداقية بشكل نسبي. وتابع: "نعرف حجم الكتيبة الروسية، ونعلم عدد الشبان الذين يدخلون دبابة روسية، أي دبابة تستقبل أربعة، أي دبابة تستقبل ثلاثة، ولدينا الكثير من الفيديوات والصور".

 

زلّة لسان؟

حتى بين التقديرات الروسية والغربية، كان الفارق كبيراً جداً حتى أواخر آذار. مع ذلك، تحاشى الروس إعطاء أيّ تلميح حتى عن صعوبات ميدانية يواجهونها، إلى أن خلط بيسكوف الأوراق يوم الخميس. هل كان الاعتراف بسقوط عدد كبير من القتلى "خروجاً عن النص" وزلّة لسان مدفوعة بضغط من الإعلاميّ مارك أوستين؟ قد يكون الأمر مرجّحاً إذا ما قيس بالسياق العام للسرديّة الروسيّة عن عملية الغزو.

قال أوستين: "...السبب الذي دفعني إلى القول إنّها (العملية العسكرية الخاصة) لا تجري وفقاً للمخطط هو أنكم انسحبتهم من العاصمة، الرئيس زيلينسكي لا يزال في السلطة، لقد خسرتم آلاف القوات، خسرتم ستة جنرالات، مئات المعدات وتجهيزات أخرى، إنّها إهانة، أليست كذلك؟"

نفى بيسكوف كلام الإعلاميّ قائلاً إنّه "فهمٌ خاطئ لما يجري". استوقفه أوستين لمعرفة أين مكمن الخطأ، فأجاب بيسكوف: "كل شيء تقريباً". ردّ الإعلاميّ: "لقد خسرتم آلاف القوات، كم جندياً فقدتم؟"

"لدينا خسائر كبيرة من القوات وإنها مأساة هائلة بالنسبة إلينا". بعدها مباشرة، انتقل بيسكوف للحديث عن أنّ الانسحاب من كييف وتشيرنيهيف هو بادرة حسن نيّة روسيّة تهدف إلى خلق أجواء مواتية للمفاوضات.

 

تصريح آخر يثير الفضول

أعلن بيسكوف أيضاً عن أمله بأن تحقق العملية العسكرية أهدافها "في الأيام المقبلة، في المستقبل المنظور"، "أو سننهيها عبر المحادثات بين الوفدين الروسي والأوكراني". قد يكون المقصود بـ"المستقبل المنظور" هو التاسع من أيار ذكرى احتفال روسيا بـ"يوم النصر" على النازيين. سيكون إنهاء العمليات العسكرية في ذلك التاريخ مناسباً لروسيا بما أنّه يساعدها على تفادي حرب مطوّلة ويطابق سرديّتها في "اجتثاث النازية" من أوكرانيا.

حديث بيسكوف عن إمكانية التوصل إلى اتفاق ديبلوماسي مع الأوكرانيين حمل أيضاً مقداراً من التفاؤل لا يعكس تماماً الأجواء السائدة في وزارة الخارجية. فرأس الديبلوماسية الروسية سيرغي لافروف قال الخميس إنّ كييف قدّمت إلى موسكو مسودة اتفاق سلام تضمّنت عناصر "غير مقبولة"، لكنّه أضاف أنّ روسيا ستواصل المفاوضات لتوفير مطالبها.

مؤشّرات التباين الصادرة من موسكو قد تعكس ضبابية ناجمة عن الإخفاق العسكري الميداني. الكلام عن العدد الكبير من القتلى دفع الصحافي المقيم في نيويورك والباحث في شؤون مكافحة التطرف جاك باكبي إلى التساؤل عما "إذا كانت روسيا قد اعترفت للتو بأنها تخسر الحرب في أوكرانيا؟"

 

الاعتراف صعب

لن تقدم روسيا على اعتراف مباشر أو غير مباشر بالخسارة العسكرية، لما في ذلك من ارتدادات محتملة على المفاوضات مع كييف وربّما على استقرار الحكم في موسكو. لهذا السبب، من المرجح أن يكون كلام بيسكوف خطأ غير مقصود علماً أنّه خطأ مبهم أيضاً. طالما أنّ بيسكوف لم يحدّد رقماً مناقضاً لأرقام وزارة الدفاع الروسية بشأن الخسائر العسكرية، ستظلّ أضرار هذا الكلام محدودة. وهذا ما حصل.

ففي اليوم التالي، حاول بيسكوف تصحيح الانطباع الذي رسمه كلامه عن عدد القتلى الروس: "أنتم وأنا شاهدنا الأرقام نفسها التي نشرتها وزارة الدفاع (1351 قتيلاً). هذا رقم كبير"، وفقاً لما ذكرته صحيفة "الغارديان".

ربّما خفّف بيسكوف من حدّة التكهّنات بشأن تصريحه. لكنّ التكهّنات بشأن مسار الحرب، وتحديداً كلفتها على روسيا، ستزداد مع مرور الوقت.

 

 

 

 

 

 

 

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم