السبت - 27 نيسان 2024

إعلان

غزو أوكرانيا... تأثير على حرية الصحافة في روسيا وأوكرانيا معاً

المصدر: "النهار"
جورج عيسى
مصور وكالة "أ ف ب" يشير إلى الدخان المتصاعد من مستشفى للولادة في ماريوبول بعد تعرّضه للقصف.
مصور وكالة "أ ف ب" يشير إلى الدخان المتصاعد من مستشفى للولادة في ماريوبول بعد تعرّضه للقصف.
A+ A-

"إنها ليست لي. أنا لست المستفيد المناسب، هنالك مستفيدون حقيقيون. ببساطة إن جائزة نوبل للسلام لا تمنح بعد وفاة الأشخاص. بشكل بديهي قرروا منحها لشخص لا يزال على قيد الحياة...".

 

كانت هذه كلمات رئيس تحرير صحيفة "نوفايا غازيتا" الروسية دميتري موراتوف تعليقاً على استلامه جائزة نوبل للسلام بشكل مشترك مع الصحافية ماريا ريسا من الفيليبين سنة 2021 "لجهودهما في حماية حرية التعبير، والتي هي شرط مسبق للديموقراطية والسلام الدائم". وتذكر موراتوف جميع الصحافيين الخمسة الذين كانوا قُتلوا وهم يؤدون مهامهم في "نوفايا غازيتا".

 

"بحيرة البجع"

بحسب منظمة "مراسلون بلا حدود" تراجع مؤشر حرية الصحافة في روسيا أكثر بعد انطلاق الحرب على أوكرانيا من 150 إلى 155 من أصل 180 دولة. وقالت إنّ الحكومة الروسية سيطرت بالكامل على الأخبار والمعلومات لصياغة وجهة نظر الجمهور الروسي تجاه غزو أوكرانيا. وذكرت أنّ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين فرض رقابة واسعة في زمن الحرب على مستوى لم يشهده العالم منذ الاتحاد السوفياتي. واتهمت المنظمة بوتين بشنّ حملة تضليل شاملة لتبرير النزاع.

 

كانت صحيفة "نوفايا غازيتا" إحدى ضحايا هذا النزاع. وفي 28 آذار 2022، أعلنت الصحيفة أنّها ستعلّق نشاطاتها الإلكترونية والورقية بعد تلقيها إنذاراً ثانياً من "روسكومنادزور" وهو الجهاز الفيديرالي للإشراف على الإعلام وتكنولوجيا المعلومات. وكذلك فعلت إذاعة "إيخو موسكفي" (صدى موسكو) التي أسّستها مجموعة من المنشقين السوفيات سنة 1990 وأصبحت رمزاً للحريات الجديدة في روسيا.

 

وكان هذا مصير محطّة "دوجد" (المطر) أيضاً. في اللحظات الأخيرة لبثّها، عرضت "دوجد"، عرضت باليه "بحيرة البجع" في إشارة إلى انقلاب آب 1991، حين عرضت جميع القنوات السوفياتية تلك المعزوفة عوضاً عن عرض صور الانقلاب. وأصبح ذلك في روسيا رمزاً لقمع المعلومات الحقيقية. ويخبر مراسل "سي أن أن" السابق في موسكو جيل دوفرتي كيف تلقى دعوة من أحد صحافيي محطة "دوجد" لإجراء مقابلة سنة 2014، فتوجّه إلى استديو أقيم موقتاً في إحدى غرف المعيشة، بينما كانت غرفة المكياج في حمام. وتم إغلاق جميع النوافذ بالستائر وطلب منه عدم الإبلاغ عن موقع الاستديو.

 

هروب أكثر من مئة صحافي

اتّهم الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي القوات الروسية في بيان باحتجاز أو خطف واستهداف الصحافيين والمجتمع المدني "لمنع العالم من سماع الحقيقة". وبعدما حض الاتحاد الروسي على وقف هذه الممارسات فوراً، ذكر البيان أنّه وفقاً لمنصة حماية الصحافة وأمن الصحافيين التابعة لمجلس أوروبا، قُتل 10 عاملين في القطاع الإعلامي الأوكراني والدولي، كما أصيب آخرون بجروح.

 

تمّ تسجيل العديد من الانتهاكات التي طالت الصحافيين خلال غزو أوكرانيا. وثّق "المعهد الدولي للصحافة" 365 اعتداء أو عملاً رقابياً أو انتهاكاً خطيراً للحريات الإعلامية منذ بدء غزو روسيا لأوكرانيا. وتعرض ما لا يقل عن خمسة صحافيين للاختطاف وواجه بعضهم التعذيب والضرب وانتهاكات حقوقية أخرى على أيدي الجنود الروس بحسب المعهد نفسه.

 

وكانت روسيا قد أقرت قانوناً يقضي بالسجن لفترة تصل إلى 15 عاماً لنقل "أخبار مزيفة" بشأن العمليات العسكرية والتي تحظر تسميتها بـ"الحرب". تصف روسيا اجتياحها لأوكرانيا بأنه "عملية عسكرية خاصة". ونقلت صحيفة "نيويورك تايمس" عن منظمة العفو الدولية إشارتها إلى أنّ قرابة 150 صحافياً هربوا من روسيا لتفادي القانون الجديد. كان ذلك حتى النصف الأول من شهر آذار وحسب.

 

"نافذة وحيدة"

من جهته، قال نائب مدير منظمة "مراسلون بلا حدود" في الولايات المتحدة كلايتون فيمرز في حديث إلى إذاعة "صوت أميركا" إنّه منذ غزو أوكرنيا "يبدو أنّ بوتين أنهى فعلاً الإعلام المستقل مرة واحدة وإلى الأبد" مضيفاً أنه حالياً "من المستحيل صياغة تقارير دقيقة عن الحرب في أوكرانيا".

 

وفي 7 نيسان الماضي، حين كان يهمّ بالصعود إلى قطار في موسكو، تعرّض موراتوف لاعتداء عبر رش طلاء أحمر ممزوج بالأسيتون على وجهه ممّا أدى إلى إصابته بحروق كيميائية في عينيه. وتعتقد وكالات استخبارية أميركية أنّ الاستخبارات الروسية متورطة في الهجوم.

 

لم تمنع هذه الأجواء بعض المراسلين الروس البارزين من مواصلة الكتابة عمّا يجري في روسيا أو في أوكرانيا من الخارج. قال ألكسي كوفاليف من موقع "ميدوزا" الروسي إنّ تلك المنصّة ستكون "النافذة الوحيدة إلى العالم" التي يتمتع بها الروس. أبصرت منصّة "ميدوزا" النور في 2014، ثمّ انتقلت إلى ريغا، عاصمة لاتفيا، وهي مدينة ناطقة بالروسية قريبة من موسكو جغرافياً وثقافياً.

 

ماذا عن أوكرانيا؟

كانت أوكرانيا قد حقّقت تقدّماً أكبر في مؤشر حرية الصحافة قبل انطلاق الغزو بالمقارنة مع روسيا وبيلاروسيا وجمهوريات آسيا الوسطى. لكنّ أوكرانيا انضمّت إلى مجموعة من أربع دول (مع مولدوفا وأرمينيا وجورجيا) لم تستطع تحقيق الاستقلالية والحريات التي تمتعت بها دول أخرى خضعت أيضاً للحكم السوفياتي كما هي الحال مع دول البلطيق.

 

وانتقدت وسائل إعلامية أوكرانية سياسة الرئيس فولوديمير زيلينسكي في التعامل مع الصحافة، حيث ازدادت في الأشهر الأخيرة من 2021 محاولات السيطرة على الإعلام وزيادة الضغط على مالكيها ومحاولات إلغاء فيلم وثائقي والتهديدات بالملاحقة الجنائية ضد إعلاميين ومنصات إعلامية.

 

بحسب منظمة "مراسلون بلا حدود"، تراجع مؤشر حرية الصحافة 9 نقاط في 2022 عما كان عليه السنة الماضية من 97 إلى 106. وإلى جانب المخاطر التي تتعرض لها الصحافة الأوكرانية بفعل الغزو، يشكّل امتلاك الأوليغارشيين غالبية وسائل الإعلام الخاصة إحدى المشاكل الأساسية للإعلام الأوكراني وفقاً للمنظمة. وأضافت أنه حتى قبل الاجتياح، اضطرت منصات إعلامية كثيرة لنشر تقارير منحازة وذات رعاية مالية ممّا غذّى غياب الثقة بالإعلام.

 

ولم يسلم زيلينسكي من الانتقادات في طريقة تعامله مع الإعلاميين. فهو أقر السنة الماضية قانوناً مناهضاً للأوليغارشيين لكنّه فضفاض لدرجة يمكن أن يصبح بسهولة حملة للسيطرة على الإعلام تحت ستار تقييد نفوذ هؤلاء الأثرياء، وفقاً لما كتبته كيرا روديك في مؤسسة "أتلانتيك كاونسيل" شهر كانون الأول الماضي، ذاكرة أمثلة أخرى عن استهداف قضائي مباشر لصحافيين معارضين للرئيس. وأشارت إلى أنّ الرئيس الأوكرانيّ، وعوضاً عن معالجة القضايا التي يثيرها النقّاد، يبدو أنّه يفضّل زيادة الضغط على الصحافيين والمنصات الإعلامية.

 

يظهر أنّ الغزو الروسي لأوكرانيا يفرض تضييقاً على الإعلاميين الروس والأوكرانيين معاً. ومن آثار الغزو المحتملة حجب التحديات التي يواجهها الإعلام الأوكراني في الداخل وتسليط الضوء أكثر على تلك التي تواجه الإعلام الروسي. وبمقدار ما يجلب هذا الغزو من تغيّرات كبيرة في واقع حرية الإعلام والصحافة داخل روسيا وأوكرانيا معاً، فإنّه ربما يجلب تغيّرات أكبر بعد نهاية هذه العملية... نهاية لا يبدو أنّ أحداً يعرف موعدها في الوقت الحالي.

 

 

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم