الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

خطأ إضافيّ يكلّف روسيا خسارة جديدة لسرديّتها في أوكرانيا؟

المصدر: "النهار"
جورج عيسى
المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية رافائيل غروسي، يشير إلى خريطة لمحطة الطاقة الأوكرانية زابوريجيا وهو يُطلع الصحافة على حال محطات الطاقة النووية في أوكرانيا، في مقرّ الوكالة في فيينا (4 آذار 2022- أ ف ب).
المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية رافائيل غروسي، يشير إلى خريطة لمحطة الطاقة الأوكرانية زابوريجيا وهو يُطلع الصحافة على حال محطات الطاقة النووية في أوكرانيا، في مقرّ الوكالة في فيينا (4 آذار 2022- أ ف ب).
A+ A-

مرّت ثمانية أيّام على انطلاق الغزو الروسيّ لأوكرانيا من دون أن تحقّق موسكو المكاسب العسكريّة المأمولة. لا تزال كييف تقاوم الروس وتحتفظ بحكومة فعّالة بقيادة الرئيس فولوديمير زيلينسكي. اللافت أنّ الاستخبارات الأميركيّة، على ما نقلته وسائل إعلامية متنوّعة، كانت تتوقّع سقوط العاصمة الأوكرانية بعد أربعة أيام على بداية الحرب. لم تصدق هذه التوقّعات بينما نشرت روسيا مشاهد قالت إنّها لقوّاتها بالقرب من تلك العاصمة.

ليس واضحاً سبب فشل الاستخبارات في توقّع صمود كييف. هل فاجأ الأوكرانيّون الأميركيّين كما الروس بقوّة صمودهم؟ هل أخفق الروس لوجستياً وتكتيكياً بشكل أكبر من أكثر الافتراضات الأميركية تفاؤلاً؟ قد يكون الجواب مزيجاً من الاحتمالين. ثمّة احتمال ثالث قد يكون ضعيفاً، لكنّه قائم مع ذلك، وهو بثّ معلومات مضلّلة لنشر نوع من "التراخي" بين القادة والجنود الروس. في نهاية المطاف، تحدّث بعض الكتّاب الأميركيّين، من بينهم الصحافيّ في "واشنطن بوست" ديفيد إغنايشوس عن أنّ الإدارة الأميركيّة نشرت خلال الأشهر القليلة الماضية معلومات غير دقيقة لإرباك الروس ولإبقاء الغرب متقدّماً على موسكو ببضع خطوات. لكن ما قد ينقض هذا الاحتمال هو أنّ نشر تقييم كهذا يمكن أن يضعف الروح المعنويّة بين القوّات والمواطنين الأوكرانيّين. في جميع الأحوال، لا تزال كييف صامدة إلى اليوم. حتى المدن البارزة الأخرى مثل أوديسا وماريوبول في الجنوب وخاركيف في شرق البلاد لا تزال خارج نطاق سيطرة القوّات الروسيّة.

 

قصف أكبر منشأة نووية في أوروبا

اندلع حريق فجر اليوم في أكبر محطّة نووية داخل أوروبا بسبب قصفها من قبل الروس وفقاً للمسؤولين في كييف. على إثره، أعلن وزير الدفاع الأوكرانيّ دميترو كوليبا أنّ القوات الروسية تقصف من جميع الجهات المنشأة النووية الواقعة في مدينة زابوريجيا. وحذّر في تغريدة من أنّها لو انفجرت "ستكون أكبر بـ10 مرات من تشيرنوبيل! على الروس وقف إطلاق النار فوراً، السماح (بدخول) رجال الإطفاء، تأسيس منطقة أمنية!".

علّقت العالمة النوويّة المتقاعدة تشيريل روفر مطمئنة بأنّه ما من مفاعل في المنشأة يرجَّح له أن ينفجر بالطريقة التي انفجر فيها تشيرنوبيل، مع ذلك، طالبت الروس بالابتعاد عن المنشأة. العالم النوويّ جون وولفسثال كانت له أيضاً وجهة نظر مشابهة حيث كتب أنّ مفاعل زابوريجيا أكثر أمناً من مفاعل تشيرنوبيل. مع ذلك، طالب بضرورة إمداد المنشأة بالطاقة والإبقاء على تبريدها. زال الخطر بعد تمكّن فرق الإطفاء من إخماد الحريق، لكن أيضاً بعد ساعات من القلق المحلّيّ والدوليّ. الرئيس الأميركي جو بايدن تابع الحدث مع زيلينسكي داعياً الروس إلى وقف العمليّات العسكريّة هناك وإفساح المجال أمام إطفاء الحريق. لا شكّ في أنّ قصف تلك المنشأة ترك ضرراً إضافيّاً بالغاً على صورة الجيش الروسيّ. وقال رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون إنّ إجراءات بوتين "المتهوّرة" تعرّض أمن كلّ أوروبا للخطر.

 

الخوف نفسه

كان بوتين قد أعلن الأحد الماضي رفع قوّات الردع النوويّ إلى "حالة تأهّب قصوى" ممّا دفع ستيفن ميهم من شبكة "بلومبيرغ" للإشارة إلى أنّ تهديد الرئيس الروسيّ "مرعب" حتى ولو كان يخادع. وذكرت مجلّة "إيكونوميست" أنّ التهديد يعكس الغضب الروسيّ من تعثّر الحرب في أوكرانيا. ومع انطلاق الحرب في 24 فبراير/شباط، حذّر بوتين الدول الغربيّة من التدخّل متوعّداً إياها بـ"أن تكون العواقب كما لم تروها قط طوال تاريخكم" وهو تصريح رأى فيه البعض تلميحاً إلى إمكانيّة استخدام السلاح النوويّ.

ما يحصل أنّ روسيا لا تكسب الحرب الميدانيّة وتخسر الحرب الإعلامية في آن. بينما كانت موسكو بحاجة إلى نشر سرديّتها عن الحرب في أوكرانيا بين الغربيّين، على ما في ذلك من صعوبة، راحت تصعّد المواقف السياسيّة حتى وصل الأمر إلى بلوغ المستويات النوويّة. لا يريد العالم عودة إلى ذكريات الأزمة الكوبيّة سنة 1962، ومن شبه المؤكّد أنّ موسكو لا تريد ذلك هي الأخرى. لكنّ التلميح المستمرّ إلى القدرات النوويّة الروسيّة، كما فعل بوتين أيضاً حين قال في 24 فبراير إنّ "روسيا واحدة من أقوى الدول النووية" وإنّ "لديها مزيّة معيّنة في بعض الأسلحة الفائقة التطوّر"، لا يؤدّي إلى تبديد تلك الذكريات.

 

ما الذي تريده روسيا؟

كتب جون ثورنهيل في صحيفة "فايننشال تايمز" أنّ أوكرانيا تكسب الحرب الإعلاميّة عبر الحشد الدوليّ الذي تمكّنت من مراكمته وعبر صعوبة إقامة روسيا الدليل على أنّ حربها ستكون سريعة وغير دموية. كما أنّ زيلينسكي خاطب الشعب الروسيّ بلغته "ناقلاً الحرب الرقميّة مباشرة إلى روسيا".

علاوة على ذلك، ليست سرديّة روسيا حول أهداف حربها واضحة أو محدّدة. هل هي تريد منع أوكرانيا من الانضمام إلى حلف شمال الأطلسيّ؟ أم إعادة قواعد انتشار الحلف إلى سنة 1997؟ أم "اجتثاث النازية" من أوكرانيا الذي لم تذكره في "الضمانات أمنيّة" التي طالبت بها والذي باتت تركّز عليه مؤخّراً؟ لا تنتهي الأهداف المحتملة للعمليّة العسكريّة الروسيّة عند هذا الحدّ. فقد ذكر وزير الخارجيّة سيرغي لافروف مؤخّراً أنّه يريد منع أوكرانيا من أن تصبح مجدّداً "قوّة نوويّة" علماً أنّ كييف تخلّت عن أسلحة الاتحاد السوفياتي سنة 1994 لصالح موسكو مقابل اعتراف الأخيرة باستقلال أوكرانيا. بمعنى آخر، شعّبت روسيا مطالبها عبر القنوات الديبلوماسية والإعلاميّة بحيث بات ترسيخ سرديّتها صعباً في العالم الغربيّ. وأصبح أصعب مع منع شبكات روسيا الإعلاميّة من البثّ في بعض تلك الدول.

ويرى بيرميت تالانت من "معهد لوي" الأستراليّ أنّ قرار الولايات المتحدة والمملكة المتحدة نشر تقارير استخبارية عن خطط روسيا بالاجتياح لحظة بلحظة كان غير مسبوق، ممّا أجبر بوتين على اللحاق بالغرب عوضاً عن تأسيس السرديّة كما حصل في الماضي. وساعد في ذلك اختفاء الانقسامات السياسية داخل أوكرانيا.

جاء قصف منشأة زابوريجيا ليفاقم أزمة روسيا الإعلاميّة وصورتها السلبيّة حول العالم. لكن في نهاية المطاف، قد لا يهتمّ بوتين كثيراً لهذا الواقع. ما يسعى إليه، أقلّه بحسب وجهة نظر ثورنهيل، هو الإمساك بالسرديّة داخل روسيا. مدى إمكانيّة تحكّمه بهذا المسار أمر حيويّ لاستدامة معركة تسير بشكل أكثر بطئاً، وعلى الأرجح أكثر كلفة من المتوقّع.

 

 

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم