السبت - 27 نيسان 2024

إعلان

معضلة عودة أبناء الجهاديّين إلى فرنسا: غسل دماغ وصور مطبوعة في الأذهان تصعّب الاندماج

المصدر: "أ ف ب"
مشهد من مخيّم روج حيث يُحتجز أقارب الأشخاص المشتبه في انتمائهم لـ"داعش" في في محافظة الحسكة شمال شرقي سوريا (4 آذار 2021 - أ ف ب).
مشهد من مخيّم روج حيث يُحتجز أقارب الأشخاص المشتبه في انتمائهم لـ"داعش" في في محافظة الحسكة شمال شرقي سوريا (4 آذار 2021 - أ ف ب).
A+ A-
ما زال نحو مئتي طفل من أبناء جهاديّين فرنسيّين، محتجزين في عزلة في ظلّ ظروف صحيّة مزرية في الصحراء السوريّة، إذ تبقى فرنسا خلافاً للدول المجاورة لها متمنعة عن إعادتهم، ولو أنّ الذين عادوا منهم اندمجوا في حياة عاديّة استعادوا فيها طفولتهم.
 
إن كانت فرنسا عمدت منذ 2016 إلى إعادة 126 طفلاً التحقَ أهلهم بصفوف "تنظيم الدولة الإسلاميّة" في الأراضي التي احتلّها في سوريا والعراق، فإنّ مئتي قاصر وثمانين امرأة يمثلون القسم الأكبر من عائلات الجهاديّين الفرنسيّين، ما زالوا معتقلين في مخيمات تسيطر عليها الإدارة الكرديّة في شمال شرق سوريا.
 
حذت بلجيكا حذو ألمانيا وقرّرت في نهاية حزيران إعادة جميع أبناء جهاديّيها الذين لم يبقَ منهم سوى خمسة في سوريا. في المقابل، تتمسّك فرنسا بسياسة تقضي بإعادتهم بأعداد ضئيلة وبصورة متباعدة، وهو ما يعرّضها لانتقادات.
 
فقد اتّهمت لجنة حقوق الطفل في الأمم المتحدة فرنسا بـ"انتهاك حقوق الأطفال الفرنسيّين المحتجزين في سوريا عبر الامتناع عن إعادتهم إلى الوطن"، مندّدة بظروف احتجاز "مروعة (...) تعرّض حياتهم للخطر منذ سنوات"، في تقرير نشرته في شباط.
 
وحذّر خبراء الأمم المتحدة من أنّ هؤلاء الأطفال الذين يعيشون في خيم مكتظّة وسط درجات حرارة قصوى ومن دون الالتحاق بمدرسة "محرومون من المقومات الأساسيّة ولا سيّما المياه والطعام والرعاية الصحيّة، ويواجهون خطر الموت الوشيك".
 
وعلّق رئيس مقاطعة سين سان دوني في الضاحية الباريسية ستيفان تروسيل: "حين يتصدر هذا الموضوع أحداث الساعة، أعرف أيّ هواجس يمكن أن يثيرها".
 
وتابع المسؤول الذي يتولّى من خلال برنامج المساعدة الاجتماعية للطفولة، رعاية ثلثي الأطفال الفرنسيّين العائدين من مناطق حرب وبصورة أساسيّة منطقة العراق وسوريا، أنّ "مشاهد أطفال خضعوا لغسل دماغ من قبل (تنظيم الدولة الإسلامية) وبأيديهم قطع سلاح، تبقى مطبوعة في الأذهان".
 
لكنّه شدّد على أنّ "الأطفال ليسوا مذنبين، هم قبل أيّ شيء ضحايا جنوح أهلهم القاتل وما يحتاجون إليه في المقام الأول هو إعادة بناء أنفسهم إن أردنا لهم أن يتمكّنوا من الاندماج في المجتمع".
 
غير أنّ هذا الموقف مخالف للرأي العام السائد، إذ أعرب  نحو 70 في المئة من الفرنسيّين عام 2019 عن معارضتهم لعودة أبناء الجهاديّين، وفق استطلاع للرأي أجراه مكتب أودوكسا دنتسو للاستشارات لحساب إذاعة "فرانس إنفو" وصحيفة "لو فيغارو".
 
 
"ارتهان مستقبلهم"
تُبقي فرنسا عدد الذين تسترجعهم من هؤلاء "العائدين" سواء القصّر أو البالغين بالحدّ الأدنى، ولم يصل إلى منطقة سين سان دوني عام 2021 سوى ثمانية أطفال. وتبقى المسألة بالغة الحساسية بالنسبة للحكومة.
 
لكن مع تخطّي الاستحقاقات الانتخابيّة، تأمل "جمعية العائلات الموحدة" التي تضمّ عائلات فرنسيّين التحقوا بمنطقة العراق وسوريا، في أن يقوم الرئيس إيمانويل ماكرون بـ"بادرة" خلال ولايته الثانية.
 
ولم تشأ وزارة الخارجية التعليق على المسألة ردّاً على اتصال من وكالة "فرانس برس"، ويعود آخر تصريح بهذا الشأن إلى نيسان، حين أكّد الرئيس عبر "فرانس إنفو" أنّ الأيتام لن يبقوا في المخيمات، من دون أن يحدّد أيّ جدول زمنيّ لعودتهم.
 
وقالت ماري دوزيه، محامية عدد من النساء والأطفال الفرنسيّين المحتجزين في سوريا: "يجب عدم تركهم في الأتون، الكلّ ينهار نفسيّاً".
 
بدوره، أوضح رئيس قسم الأمراض النفسيّة لدى الأطفال في مستشفى أفيسين في بوبينيي بضاحية باريس، البروفسور تييري بوبيه: "إنّهم يختبرون في المخيّمات العنف والخذلان والعزلة".
 
وشدّد خبير الطب النفسيّ للأطفال الذي تقوم طواقمه بتقييم كلّ طفل عائد، على أنّ "مدّة التعرّض هي من العوامل التي تحدّد خطورة الصدمة. التخلّي عنهم يعني إساءة معاملتهم وارتهان مستقبلهم".
 
ووصفت نائبة رئيس محكمة الأطفال في بوبينيي موريال إيغلين الأطفال لدى عودتهم قائلةً إنّ "بعضهم كانوا في وضع نفسي سيّء جدّاً، يعانون نوبات قلق كثيرة ونوم مضطرب وتساقط الشعر، في حين أنّ الأكبر سنّاً كانوا على العكس مبهورين بما يرونه من حولهم".
 
وأوضح جهاز المساعدة الاجتماعيّة للطفولة في منطقة إيفلين الباريسية أنّ استقبال هؤلاء القصّر كان "مغامرة" أحاطت بها عند بداياتها محاذير عدّة. وقالت رئيسة الجهاز في سين سان دوني لوسي دوبوف إنّ "بعض عائلات الاستقبال أو المربّين كانوا يتخوّفون من إدراج أسمائهم وعناوينهم على الرسائل الموجهة إلى المحكمة" خشية أن يربطهم ذلك بملفات الإرهاب ف حقّ الأهل.
 
 
نقل "الحقيقة"
لكن بعد هذه الخطوات الأولى المتعثّرة، نجحت أجهزة حماية الطفولة في ترتيب نظام تكفّل يأخذ بكلّ حالة على حدة، بالتنسيق مع أجهزة الحماية القضائيّة للطفولة وخبراء علم النفس. وأكّدت مديرة جهاز المساعدة الاجتماعيّة للطفولة في إيفلين ساندرا لافانتورو أنّ الكلّ يعمل بشكل جماعي بهدف أن "يعود الأطفال أطفالاً".
 
ولا يترك عناصر رعاية الطفولة أيّ مسألة للصدفة، من إدخال الأطفال إلى المدارس التي كانوا محرومين منها، إلى زيارات أقربائهم أو أمهاتهم في السجن، وصولاً إلى مراقبة رسائل "واتساب" والرسائل الإلكترونية التي ترِدهم من سوريا، كما يدقّقون في كل جوانب ماضي العائلة الموسعة.
 
وأوضحت إيفلين أن "أكثر من 65 في المئة من الأهل في السجن. ندرس إن كانت الزيارة إيجابيّة للطفل. هناك حالات قليلة جدّاً حيث يعُلّق الحقّ في الزيارة. وحين يحصل ذلك، يكون بسبب تلقين لعقيدة التطرف لا يزال جارياً من خلال خطاب بالغ الهجوميّة، أو حين يخضع أطفال لضغوط بشأن تصريحات قد تكون صدرت ويمكن أن تلحق ضرراً بالأهل الذين سوف يحاكمون بتهمة ارتكاب عمل إرهابيّ".
 
وتابعت أنّ السلطات القضائيّة تحاول كذلك الحصول على "تأييد الأهل والعائلة الموسعة للبرنامج التربوي، وهو أمر أساسيّ لنمو شخصية الطفل"، مؤكّدة أنّها تسعى "للتثبّت من أنّ الأطفال سوف ينمون في ظلّ رواية حقيقيّة لقصّتهم من دون أسرار تُضاف إلى كلّ صدماتهم".
 
ورأت المحامية جوزين بيتون التي تمثّل عدداً من الأطفال: "ليس من السهل أن يكون للطفل والدان في السجن، وبالتالي يجب أن نشرح لهم حيثيّات سلوك أهلهم"، وهي تحضر جلسات محاكمة الأهل "لجمع فتات قصّتهم" حتى "تنقلها سواء الآن أو لاحقاً إلى الطفل".
 
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم