الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

هل تنفع سياسة "احتواء" إيران؟

المصدر: "النهار"
جورج عيسى
الرئيس الإيراني حسن روحاني يحضر استعراضاً عسكرياً بمناسبة الذكرى 38 لاندلاع الحرب الإيرانية-العراقية، أيلول 2018 - "أ ب"
الرئيس الإيراني حسن روحاني يحضر استعراضاً عسكرياً بمناسبة الذكرى 38 لاندلاع الحرب الإيرانية-العراقية، أيلول 2018 - "أ ب"
A+ A-
لعلّ أبرز لحظات الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي كانت لحظة إرسال الديبلوماسيّ الأميركيّ جورج كينان "التيليغرام الطويل" أو ما عُرف بـ"المقال أكس" في مجلّة "فورين أفيرز" سنة 1947. كان التيليغرام عبارة عن تحليل مطوّل يظهر الأسباب التي يجب أن تدفع الولايات المتّحدة إلى احتواء الاتّحاد السوفياتيّ. قد يكون ذلك التحليل جرس الإنذار المبكر الذي مكّن الأميركيّين في نهاية المطاف من إسقاط الاتّحاد السوفياتيّ وكسب الحرب.

فالنظرة الأميركيّة كانت إيجابيّة نسبيّاً تجاه موسكو أواسط الأربعينات، بما أنّها ساعدتها في إسقاط النازيّة. كان كينان قائماً بأعمال السفارة الأميركيّة في الاتّحاد السوفياتي وقد سألته واشنطن عن سبب غياب الحماسة لدى السوفيات تجاه البنك الدوليّ وصندوق النقد الدوليّ. فردّ على التساؤلات بواسطة المقال الشهير الذي لم يحمل اسمه.

يمثّل الاحتواء في تعريفه البسيط اعتماد سياسة وسطى بين السعي الدؤوب إلى إسقاط الأنظمة من جهة وتطبيع العلاقات من جهة أخرى. في ذلك الوقت، دعا كينان الأميركيّين إلى إدخال عنصر جوهريّ في أيّ سياسة سوفياتيّة: "احتواء طويل الأمد، صبور لكن حازم ويقظ للميول الروسيّة التوسّعيّة".
 
وشدّد أيضاً على أهمّيّة مواجهة "ضغط" موسكو على "المؤسّسات الحرّة للعالم الغربيّ" عبر "التطبيق الحذق واليقظ للقوّة المضادّة في سلسلة من النقاط الجغرافيّة والسياسيّة المتغيّرة باستمرار، والتي تتوافق مع التحوّلات والمناورات في السياسة السوفياتيّة". وتوقّع كينان أنّ سياسة كهذه ستؤدّي "إمّا إلى تفكيك أو تليين قوّة الاتّحاد السوفياتيّ تدريجيّاً".


ماذا عن إيران؟
بعد أكثر من 70 عاماً على ذاك المقال، وفي المجلّة الأميركيّة نفسها حضّ الباحث البارز في الدراسات الأفريقيّة والشرق أوسطيّة في "مجلس العلاقات الخارجيّة" ستيفن كوك على اتّباع سياسة الاحتواء تجاه إيران. هذا يعني بحسب رأيه سحب فكرة تغيير النظام من التداول، لكن أيضاً الحدّ من ممارسته سياسة القوة في المنطقة عبر تأسيس قواعد ضمنيّة حول ما يشكّل سلوكاً إيرانيّاً مقبولاً. ويمزج الاحتواء بين أساليب ثلاثة للتعاطي مع إيران: الحوار والديبلوماسيّة، العقوبات الاقتصاديّة، وجود القوّة العسكريّة والتهديد الجدّيّ باستخدامها.

لا يندرج سعي إيران للحصول على السلاح النوويّ ضمن "السلوك الإيرانيّ المقبول"، لذلك، يجب أن يهدف الاحتواء إلى منع إيران من الوصول إلى تلك النقطة بحسب كوك. لكنّ الملاحظة التي يشير إليها هي أنّ الاحتواء أكثر فاعليّة من مجرّد الاكتفاء بالتوصّل إلى اتّفاق نوويّ جديد مع إيران. فمهما كان الاتّفاق مثاليّاً لن تقبل به القوى الإقليميّة وستسعى إلى تقويضه. ولن ينفع تقديم السلاح المتطوّر إليها من أجل طمأنتها كما يضيف. فحتى لو قبلت ظاهرياً بهذا الاتّفاق، ستستخدم الأسلحة الجديدة لضرب إيران أو وكلائها: "بتلك الطريقة، إنّ جهداً لزرع الاستقرار في المنطقة عبر المفاوضات يمكن جدّاً أن يطلق تأثيراً معاكساً".

يعترف كوك بأنّ الاحتواء لن يكون جميلاً وبأنّه لن يُكسب صاحبه جائزة نوبل للسلام. غير أنّ الاحتواء "يَعِد بأمرٍ قابل للتحقيق على الأقلّ" وهو "تخفيف التوتّرات" في الخليج العربيّ.
 
كيف يمكن توصيف سياسة ترامب؟
 
السياسة التي اقترحها كوك من أجل احتواء إيران لا تختلف كثيراً عن تلك التي اتّبعها الرئيس المنتهية ولايته دونالد ترامب. بالرغم من أنّ الأخير فرض، ولا يزال، حملة ضغط أقصى على إيران، مدّ يده مراراً للتفاوض معها حول اتّفاق نوويّ جديد. حتى أنّه فوّض نظيره الفرنسيّ إيمّانويل ماكرون القيام بمبادرة لجمع الطرفين خلال قمّة مجموعة السبع في بياريتز، أواسط صيف 2019. لكنّ ذلك لم ينجح.
 
منذ اللحظة الأولى لفرض العقوبات، راهن الإيرانيّون على خسارة ترامب الانتخابات الرئاسيّة، وهكذا حصل. لا ترغب طهران برفع العقوبات عنها وحسب، بل هي تسعى أوّلاً إلى عدم تعديل الاتّفاق الأساسيّ الذي طالب به ترامب. اِستثمرت إيران كثيراً في بناء "الجسر البرّيّ" الذي يربطها بالمتوسّط وهي تدرك أنّها ستخسره في حال توسيع الاتّفاق ليشمل سلوكها الإقليميّ. غير أنّ هذا النفوذ بالتحديد هو ما تستهدفه سياسة الاحتواء. وجّهت واشنطن ضربة قويّة إلى التوسّع الإيرانيّ عبر اغتيال قائد "قوّة القدس" قاسم سليماني ونائب رئيس الحشد الشعبيّ أبي مهدي المهندس. وأدّت العقوبات إلى تجفيف قسم كبير من الأموال التي تحوّلها إيران إلى وكلائها في المنطقة.

بطبيعة الحال، قد لا تكون الإدارة الأميركيّة المنتهية ولايتها متجانسة الأهداف. من المرجّح أن ترامب كان يفضّل التوصّل إلى اتّفاق جديد مع إيران، لإثبات نفسه أنّه "عاقد صفقات ناجح". أمّا غالبيّة السياسيّين، من مستشارين في مجلس الأمن القوميّ أو في وزارة الخارجيّة بدءاً برئيسها مايك بومبيو، فتفضّل سقوط النظام. لكنّ رسم خطّ بين تفضيلات الرئيس والمحيطين به غير مفيد عمليّاً بما أنّ السياسة التنفيذيّة كانت واحدة. حتى لو سقط النظام الإيرانيّ بفعل العقوبات، يصعب تصوّر أنّ ترامب كان ليبدي أسفه بهذا الشأن. بالتالي، إنّ "الاحتواء" بمفهومه الأساسيّ لا يستبعد سقوط النظام كنتيجة لسياسات هذا الاحتواء بالضبط.

السؤال الأساسيّ
 
لا تشكّل دعوة كوك إلى اعتماد الاحتواء والتوقّف عن السعي إلى إطاحة الجمهوريّة الإسلاميّة في إيران أيّ فارق على الصعيد العمليّ. فقلب النظام على الطريقة العراقيّة أو الليبيّة غير مطروح في الأساس. أمّا العقوبات والحوار واللجوء إلى القوّة العسكريّة فكانت حاضرة في سياسة ترامب. إذاً ليس السؤال الدقيق ما إذا كانت إدارة بايدن ستعتمد سياسة الاحتواء بل ما إذا كانت ستتابع اعتمادها.
 
فعدم سقوط الجمهوريّة الإسلاميّة أو حتى عدم تغيير سلوكها الإقليميّ لا يعني أنّ الاحتواء فشل، خصوصاً أنّ فترة تطبيقه الحقيقيّة بالكاد تخطّت سنتين. والتصعيد الذي تُواصل إيران اعتماده في الخليج قد يدلّ إلى أنّها لم تعد قادرة على الانتظار كثيراً قبل بدء المفاوضات. وهذا سبب محتمل يقف وراء احتجازها ناقلة النفط الكوريّة الجنوبيّة ومطالبة سيول بالإفراج عن أموالها المجمّدة بفعل العقوبات.

بالتالي، هل يستخدم بايدن هذه السياسة كنفوذ ضدّ إيران للوصول إلى اتّفاق نوويّ جديد؟ وهل يكون الاتّفاق الجديد "نهاية" أو "استكمالاً" لسياسة الاحتواء؟ ومع افتراض نجاح الاتّفاق المطوّر، هل ينسحب بايدن من الشرق الأوسط لاستكمال استدارة أوباما نحو شرقي آسيا؟ تتابع "النهار" تناول هذه الأسئلة المترابطة في التقرير المقبل.

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم