الخميس - 16 أيار 2024

إعلان

الأزمة على حدود أوكرانيا نحو "الاحتراق البطيء"؟

المصدر: "النهار"
جورج عيسى
متمرّد موال لروسيا يقفز عن ظهر دبابة في شرق أوكرانيا - "أ ب"
متمرّد موال لروسيا يقفز عن ظهر دبابة في شرق أوكرانيا - "أ ب"
A+ A-

تصدر إشارات متضاربة من عواصم القرار بشأن احتمالات شنّ روسيا اجتياحاً ضدّ أوكرانيا. لا تزال موسكو تنفي بشدّة التصريحات التي تتحدّث عن خطوة كهذه. يوم الثلثاء، قال نائب السفير الروسي في الأمم المتحدة دميتري بوليانسكي إنّ على القادة الغربيين رؤية طبيب مختص بسبب "جنون الارتياب" من إمكانية غزو القوات الروسية أوكرانيا. وذكر خلال حديث مع مراسلين أنّ "قواتنا موجودة على أراضينا، ولا تمثّل تهديداً لأيّ أحد".

ورداً على سؤال من صحيفة "داي فيلت" الألمانية عمّا إذا كانت روسيا ستبدأ الحرب يوم الأربعاء على ما نقلته صحيفة "نيويورك تايمز" عن مصدر استخباريّ أميركيّ، ردّ المندوب الروسيّ إلى الاتحاد الأوروبي فلاديمير شيجوف: "أستطيع أن أؤكد لكم أنّه لن يحصل هجوم هذا الأربعاء" مضيفاً بشكل ممازح أنّ "الحروب في أوروبا نادراً ما تبدأ يوم أربعاء".

نقاش بوتين-لافروف

يوم الاثنين، أعلن وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو أنّ بعض القوات الروسية المنتشرة بالقرب من أوكرانيا عادت إلى قوعدها. واجتمع الرئيس لروسي فلاديمير بوتين في اليوم نفسه مع وزير خارجيته سيرغي لافروف لإحاطته بمستوى التقدّم الذي يمكن أن يكون النقاش الروسي-الغربي قد حققه بشأن "الضمانات الأمنية".

قال لافروف إنّ الأجوبة على مطالب عدم التوسّع الأطلسيّ وعدم نشر أسلحة هجوميّة تهدّد روسيا وعلى العموم عودة الترتيبات العسكرية والعسكرية-التقنية في أوروبا إلى حدود 1997 كانت "سلبية وبالطبع، لا يمكننا أن نرضى بها". لكنّه وصف الجزء الثاني من الأجوبة عن معالجة مشاكل الصواريخ البرية القصيرة والمتوسطة المدى بأنها "بناءة أكثر إلى حد معين" حيث أنّها تضمّنت اقتراحات محددة بشأن إجراءات لتقليص المخاطر العسكرية ولبناء الثقة والشفافية العسكرية. وقال أيضاً ردّاً على سؤال بوتين عمّا إذا كان هنالك من فرصة للتوافق مع الشركاء الغربيين بشأن المشاكل أم أنّهم يريدون جرّ روسيا إلى عملية تفاوض لا حدّ لها: "أعتقد أنّ فرصنا بعيدة من أن تكون مستنفدة. بالطبع، يجب ألا تكون بلا نهاية، لكنني أعتقد أنّه يجب أن نواصل السعي إليها والبناء عليها عند هذه المرحلة".

نشر هذا الاجتماع جواً من التهدئة المحدودة في الغرب. قال وزير الخارجية البريطاني بوريس جونسون يوم الثلاثاء إنّ هنالك "إشارات إلى انفتاح ديبلوماسي" مع روسيا في ما خصّ الأزمة على الحدود مع أوكرانيا. مع ذلك، أضاف في حديث إلى "سكاي نيوز" أنّ التقييم الاستخباري بشأن اجتياح محتمل "لا يزال غير مشجّع". وفي اليوم نفسه، نشرت وزارة الدفاع الروسية تصويراً لبعض قواتها وهي تعود إلى القاعدة بعد التدريبات، في وقت أكّد الرئيس الأميركيّ جو بايدن أنّ "محلّلينا يشيرون إلى أنّها لا تزال موقع تهديدي إلى حد كبير".

وقالت كييف إنّ هجوماً سيبيرانيّاً طال الثلاثاء تعرّضت شبكة الإنترنت في وزارة دفاعها كما مصرفين محليين. لم تتّهم كييف طرفاً بالاسم، لكنها لمّحت إلى روسيا مشيرة إلى أنّ الهجوم وقع لأنّ "الخطط العدوانية" لـ"المعتدي" "ليست فعالة على نطاق واسع".

مستقبل أوكرانيا... داخل أم خارج الناتو؟

إذا كان بوتين يريد تفادي جرّ الأميركيّين بلاده إلى مفاوضات مطوّلة فهذا لا يعني أنّه غير مستعدّ لهذا الاحتمال الذي قد يبدو الأكثر تجانساً مع التطوّرات على الأرض. لا يزال الطرفان بعيدين من الاتّفاق في ما يخصّ توسّع الناتو وإعادة الترتيبات العسكريّة إلى حدود 1997. حتى الوعود بعدم ضمّ أوكرانيا إلى الناتو، أكان لفترة طويلة أو لانهائية، قد لا تجد آذاناً صاغية في الكرملين. وقال المستشار الألماني أولاف شولتز حين زار كييف الاثنين: "إنّ قضيّة عضوية أوكرانيا في تحالفات ليست عملياً على الأجندة"، ردّاً على ما وصفه بطلب روسيا "الغريب" منع كييف من الانضمام إلى الناتو. وأضاف: "هذا أعظم تحدّ نواجهه فعلياً: إنّ أمراً ليس موجوداً حتى على الأجندة يُصنع منه قضيّة". كذلك، أشاد شولتز بزيلينسكي لطمأنته بشأن تحرّك أوكرانيا من أجل تقديم "مسودات القانون المرتبطة التي نحتاج إليها لاستمرار مسار مينسك".

وكان لافروف خلال إحاطته بوتين بالتطورات الديبلوماسية قد أشار إلى أنّ الغربيّين "يطمئنوننا، بين هلالين، أنّ هذا الأمر (عضوية أوكرانيا في الناتو) لن يحصل في أي وقت قريب. ندرك جيداً كيفية عمل هذه التطمينات". بالتالي، يبدو أنّ روسيا لن تأخذ هذه الضمانات، لو حصلت، بالاعتبار. فكيف سيكون الأمر إذا لم يعطِ الغربيون ضمانات كهذه حتى اليوم. في كلمته المتلفزة الثلاثاء، قال بايدن إنّ بلاده تقف إلى جانب "حق الشعوب باختيار مصيرها الخاص وحق الشعوب بتقرير مستقبلها الخاص"، مع ما يعنيه ذلك ضمناً حقّ الشعب الأوكرانيّ في اختيار التحالفات التي يريدها.

"الاحتراق البطيء"

إذا كان الغرب متردّداً في التعهّد بعدم ضمّ اوكرانيا إلى الناتو – علناً أو سرّاً – وإذا كان الروس غير ميّالين لتصديق هكذا تعهّد أساساً (إلّا ربّما في حال كان خطّياً) فيمكن توقّع استمرار هذه الأزمة أسابيع وأشهراً، إن لم يكن سنوات.

في هذا الإطار، رأى الباحث البارز في "مركز سياسات الطاقة الدولية" التابع لجامعة كولومبيا كريستوف روهل أنّ بوتين لا يريد أوكرانيا دولة مزدهرة على حدوده، كما أنّ التحالف الغربيّ، وخصوصا أوروبا المعتمدة على الطاقة، غير قادر على وقف تهديد عسكريّ طويل المدى. لهذا السبب، دعا في صحيفة "ذا هيل" إلى إمكانيّة "أن نعتاد على فكرة نزاع ‘مجمد‘ – مصدر توتير مستمر طويل الأمد وبطيء الاحتراق".

لقد استمرت الأزمة في شرق أوكرانيا ثمانية أعوام وهو نزاع أثبتت فيه روسيا قدرتها على تحمله لفترة طويلة. فهل تثبت روسيا أنّها قادرة على تحويل الحدود الروسية-الأوكرانية وربما الحدود البيلاروسية-الأوكرانية إلى مصدر احتكاك دائم مع كييف وواشنطن وبروكسل؟

على الأقل، يظهر أنّ روسيا تستعدّ لاحتمال تحوّل الأزمة إلى واحدة مستدامة. قال شيجوف، المندوب الروسيّ إلى بروكسل: "لن يكون هنالك تصعيد الأسبوع المقبل أيضاً، أو الأسبوع الذي يليه، أو في الشهر المقبل". بالمقابل، لم يتحدّث عن خفض للتصعيد أو عن اقتراب الوصول إلى حلّ. بهذا المعنى، من المرجّح أن تواصل روسيا في المدى المنظور فرض الحجم نفسه من الضغط على الغربيين لانتزاع التنازلات التي تريدها، بما يجعل استدامة الأزمة أمراً وارداً بشدّة. لكن هل تستطيع روسيا ضمان ألّا تُحوِّل سياسة كهذه – فيما لو اعتمدتها فعلاً – "الاحتراقَ البطيء" إلى انفجار شامل يبدو أنّها تريد تفاديه في الوقت الراهن؟

 
نُشر على "النهار العربي"

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم