تمرّ عبارة "وقعت في الحبّ" مرور الكرام لدى قراءتها أو سماعها. وقد يكون البعض لاحظ التناقض الذي تحمله في جزئيها اللذين تتألّف منهما. لكن الملاحظة اقتصرت بالطبع على هذا الحدّ؛ فممّا لا شكّ فيه أن فضولاً رافق أولئك لاكتشاف سرّ هذه العبارة! كان مجرد فضول آنيّ، ولم يتحوّل إلى فضول قاتل.
تُجمع اللغات العربية والفرنسية (Tomber Amoureux) والإنكليزية (Fall in love) على استخدام "وقعت في الحب" ليعبّر الفرد عن مشاعره تجاه الطرف الآخر. تختلف كلّ لغة عن الأخرى. ما جمعها هو اعتقادها أن الحبّ مصيبة. لا نفترِي على هذه اللغات، لا بل هي التي افترت على الحبّ. أليس من المفترض بها أن تشجّع عليه؟
حاولنا العثور على الفرضيات التي توضح مفهوم عبارة "وقعت في الحب". فعثرنا على ثلاث فرضيّات محتملة.
مفاجآت الحب
عالم الحب هو عالم تحدّث عنه العديد من الشعراء والأدباء، ووصفوه انطلاقًا من تجاربهم أومن خيالهم الواسع. بعضهم أظهره ورديًّا، والبعض الآخر أظهره سوداويًا، فيما البعض الآخر جعله عجائبيّاً، والبعض مظلماً. مهما كانت طبيعته، لا يُمكن للإنسان سوى أن يزوره ليكتشفه. ما من وقت محدّد لزيارته. لا يعطي مواعيد محدّدة مسبقًا. إنّه يحبّ المفاجآت. يأتي عندما لا يكون المرء جاهزًا لاستقباله. لا يطرق بابه، يجتاحه مباشرةً. لو كان الإنسان يدري أن الحبّ سيزوره لما كان أتاح له هذه الفرصة، تمامًا كالحفرة، ما دام الإنسان يستطيع تفادي الوقوع فيها، فسيفعل ذلك. ولكن تفادي الوقوع فيها مرتبط بمدى تيقّنه من وجودها.
خشية من الحب
في أغلب الأحيان، يرتبط السقوط أو الوقوع بالضعف. وعندما يُغرم الإنسان بأحدهم، سيتغيّر. ربما سيتم تحديث نسخته السابقة. فالحبّ يبدّل المرء - هكذا يقال - أحيانًا إيجابًا، وأحيانًا أخرى سلبًا. كل ذلك يتعلّق بملامح شخصيّة كلّ من الشريكين. يخشى بعض الناس الحبّ، لئلا يصبحون ضعفاء. يبحثون دائمًا عن استقلاليتهم. لا يودّون التخلّي عنها. فهامش المساحة لكلّ شريك في الحب محدود. لا يكون الحبّ حرية إلا في بداياته، ثم سرعان ما تدخل العقبات والأحداث المفاجئة لتقلب مشهدية الرومانسية الفاقعة. مثل أيّ صدمة، هناك تأثير ما بعدها. وهذه الصّدمة لا يُمكن التعبير عنها إلا بمصدر الوقوع، لكون الحبّ ليس سوى صدمة، ما قبلها ليس كما بعدها.
للحبّ آلام
الحياةُ فيها الأبيض وفيها الأسود، والحبّ مثلها لا يدوم بياضه، وقد يخترقه السواد. وقد يوصل المرء إلى أسعد لحظات حياته، كما قد يوصله إلى أتعسها. وهنا تكمن معضلته. هو يقرّب الإنسان من الهاوية، ويتركه لمصيره. مدى الوعي والعقلانيّة التي يتمتّع بها الفرد هو الكفيل بإنقاذه، فالحياة لا تقف على إنسان، ولعلّ من توصّل إلى توصيف الحبّ على أنّه وقوع هو شخص ذاق مرارته، وقد حاول من خلال هذا التّعبير تنبيه مَن سيقع في شِبَاك الحبّ أنّه سيكون عرضة لمختلف أنواع الألم. أراد إرشاد الناس، انطلاقًا من تجاربه الخاصة، ولكنّه تناسى أنّ الإنسان لا يتعلّم إلا من "كيسه".
يساعد الذّهاب أحيانًا إلى ماورائيّات التعابير التي تستخدم في حياتنا على اكتشاف ما قد يرشدنا في هذه الدنيا. "وقعت في الحب" تعبير يتطلّب التفكير مليًّا قبل اللجوء إلى استخدامه.