إعلان

الإبادة الجماعيّة للأرمن... مئة سنة بلا محاسبة

المصدر: رفقا عطا الله
صورة من الإبادة
صورة من الإبادة
A+ A-

قبل أكثر من مئة عام، وفي منتصف الحرب العالمية الأولى، قامت السلطنة العثمانية بمجازر بحقّ الأرمن المتواجدين على أراضيها والبالغ عددهم نحو مليوني شخص، عام 1914. إلّا أنّ هذا العدد انخفض إلى 400 ألف شخص فقط في حلول عام 1922. هذا وإن دلّ على أمر فعلى أنّ الأرمن تعرّضوا لمختلف أنواع الاضطهاد من قبل السلطنة العثمانية، الأمر الذي أدى إلى تقلّص عددهم داخل أراضيها. يعتبر المؤرّخون ما حدث أوّل عملية إبادة جماعية في القرن العشرين. فهي أدّت إلى وفاة ما بين 1.2 و1.5 مليون أرمني بحسب التقديرات. 

الحكم الذاتيّ

كان الأرمن، وهم أقليّة مسيحية في أمبراطورية مسلمة، يعاملون كمواطنين من الدرجة الثانية. حالهم كحال العديد من الأقليات التي كان لها وجود داخل السلطنة. ويخضعون للمحظورات القانونية والالتزامات الضريبية الناشئة عن حالتهم من الكفر. في أواخر ثمانينيات القرن التاسع عشر، شكّل بعض الأرمن منظّمات سياسية تسعى إلى المزيد من الحكم الذاتي. هذا الأمر أثار شكوك الدولة العثمانية حول مدى ولاء الطائفة الأرمنية داخل حدودها. 

أحداثها

مع وصول حزب تركيا الفتاة إلى السلطة عام 1908، اختلف المشهد. على الرغم من أنّ هذه الحركة كان هدفها إنشاء نظام دستوري ليبرالي علماني يضع جميع الأفراد على قدم المساواة، إلّا أنّها سرعان ما قادتها قوميّتها إلى مسار عنصري. 

جراء التحالفات التي قامت خلال الحرب العالمية الأولى وجدت الأمبراطورية العثمانية نفسها معارضة لروسيا التي كانت حدودها على مقربة منها، ويتواجد فيها أقلية أرمنية كبيرة. ووقتذاك، شاركت الأمبراطورية في الحرب في تشرين الثاني / نوفمبر 1914 إلى جانب دول المحور (ألمانيا، النمسا والمجر)، التي قاتلت ضدّ قوى الوفاق (بريطانيا العظمى وفرنسا وروسيا وصربيا). تظاهرت عندها السلطنة بأنّ الأرمن ليسوا عناصر آمنة وأنّهم انفصاليّون سيتحالفون مع روسيا ضدّها. وهكذا تشكّلت الشرارة الأولى لهذه الإبادة. 

بدأ كلّ شيء في 24 نيسان / أبريل عام 1915. إذ أمر مدير الشرطة في القسطنطينية باعتقال النخبة الأرمنية في المدينة. تمّ إعدام 600 مثقّف في أيام قليلة. في الأشهر التي تلت ذلك، تمّ استهداف السكّان الأرمن في جميع أنحاء الأراضي العثمانية. تمثّلت الأوامر الصادرة عن الحكومة المركزية بقيام ضبّاط الإقليم بعمليات إطلاق نار واسعة وترحيل بمساعدة مدنيين محليين.

 

الإجراءات المتّخذة في حقّ الأرمن

قتلت الأجهزة العسكرية والأمنية العثمانية ومساعدوهم غالبية الرجال الأرمن الذين هم في سنّ القتال إلى جانب الآلاف من النساء والأطفال. وخلال المسيرات القسرية عبر الصحراء، تعرّضت قوافل كبار السنّ والنساء والأطفال الناجين إلى هجمات وحشية من ضبّاط الإقليم والعصابات الإجرامية والمدنيين. 

واشتمل هذا العنف على عمليات سرقة كتجريد الضحايا من ملابسهم وتفتيشهم بحثًا عن الأشياء الثمينة ومصادرة ممتلكاتهم، إضافةً إلى اغتصاب السيدات والشابات والفتيات واختطافهنّ، إلى جانب التعذيب والقتل. وسيق كثير منهم لمسافات طويلة عبر الجبال والسهول بلا طعام أو شراب. فكان من لم يقتل في المذابح مات جوعًا أو عطشًا أثناء عمليات الترحيل. وتكمن الدوافع وراء هذه الإبادة في رغبة السلطنة العثمانية في التطهير العرقيّ لاستعادة النقاء التركي، تطبيقًا لسياسة التتريك. 

 

المحاسبة

في تشرين الثاني / نوفمبر 1918، هُزمت حكومة تركيا الفتاة عسكريًا وخسرت السلطة. وفرّ قادتها المتمثلين بالثلاثي طلعت باشا وأنور باشا وجمال باشا. بعد محاكمة القسطنطينية في عام 1919، حكم على الثلاثي وغيرهم من قادة تركيا الشباب بالإعدام غيابيًّا لضلوعهم في الإبادة الجماعية للأرمن. لكنّ هذا الحكم لم ينفّذ. غيّرت تركيا موقفها من هذا الموضوع مع وصول النظام القومي لمصطفى كمال أتاتورك إلى السلطة في عام 1923. إلّا أنّ مصير الباشوات الثلاث لم ينتهِ عند هذا الحدّ. إذ استهدفتهم حملة اغتيالات شنّها الأرمن عليهم في عامي 1921 و1922. فقتل جمال باشا في تبليسي – جورجيا. وأعدم الجيش الأحمر أنور باشا في طاجيكستان السوفياتية. واغتيل طلعت باشا في برلين – ألمانيا على يد الأرمني سوغهومون تهليريان. 

نكران تركيا لها

ترفض تركيا بشدّة وصف ما حصل بالأرمن في تلك الحقبة بالإبادة الجماعية، على الرغم من اتّهامها بالضلوع في تلك الأحداث.  وتجدر الإشارة إلى أنّها اعترفت بذلك في العشرينيات من القرن الماضي قبل تأسيس الدولة التركية الحديثة. هذا وتقدّر تركيا بخلاف العالم أجمع أنّ عدد الأرمن الذين لقوا حتفهم لا يتجاوز 500 ألف أرمني. وتزعم أنّها كانت تعيش حربًا أهلية راح ضحيّتها أتراك أيضًا. 

الاعتراف الدوليّ بها

اعترفت الأمم المتحدة بالإبادة الأرمنية إلى جانب ثلاثين دولة من بينها فرنسا ولبنان وبلجيكا وسويسرا والنمسا وهولندا وبولندا والسويد وإيطاليا وقبرص وغيرها من الدول. وفي ما يخصّ الولايات المتحدة الأميركيّة، فقد أصدر الكونغرس الأميركيّ في عام 2019 بأغلبية ساحقة قرارات غير ملزمة في مجلسي النواب والشيوخ وصفت إجراءات عام 1915 بأنّها إبادة جماعية. وبعد ذلك، اعترف الرئيس الأميركي جو بايدن في نيسان / أبريل 2021  بالإبادة بحقّ الأرمن. ليكون أوّل رئيس أميركيّ يصف مقتل 1.5 مليون أرمني على يد السلطنة العثمانية عام 1915 بأنّه إبادة. 

هذا ويتمّ إحياء ذكرى الإبادة الجماعية للأرمن في الرابع العشرين من نيسان من كلّ عام. ويقيمون الصلوات تخليدًا لذكرى شهدائهم. 


الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم