السبت - 27 نيسان 2024

إعلان

الفرق الجسيم

المصدر: "النهار"
عقل العويط
عقل العويط
الإعلام.
الإعلام.
A+ A-

ما هي المعلومة الصحيحة، وأين نعثر عليها، وكيف نتوصّل إليها، ومَن يملكها، ويبثّها، ويطبعها، وينشرها، ويذيعها، ويعمّمها، في لبنان؟

لامتلاك المعلومة الصحيحة، لا بدّ من العودة إلى أصول المهنة. الأصول وحدها تعلّم. والأصول وحدها تعرّف، وتحدّد، وتعيّن، وتصف ناقل هذه المعلومة، وتحكم عليه، وصفًا وحكمًا دقيقَين وحاسمَين، غير قابلَين للالتباس أو الجدل.

هذا يتطلّب تظهير الفرق الجسيم بين الناطق باسم، والبوق، والمرتزق، والمأجور، والسمسار، والمرتشي، والصحافيّ، والإعلاميّ، والناشر، وصاحب الرأي، والكاتب.

مَن يريد تعريفًا بكلٍّ من هؤلاء، فليذهب إلى كتب المهنة. لن أضع تعريفًا لكلٍّ من هؤلاء، لأنّ غاية هذا المقال ليست أكاديميّة، بل أخلاقيّة وقيميّة، علمًا أنّ لكلٍّ من هؤلاء المذكورين أعلاه، تعريفًا "مهنيًّا" يختصّ به دون سواه، ويتمايز به عن سواه.

لكنّ مَن يهمّه، من اللبنانيّات واللبنانيّين، إعمال العقل والعلم والأصول والنقد، أو التنقيب عن فرقٍ مضمونيٍّ ومهنيٍّ ما، بين كلٍّ من هؤلاء، وبين كلّ ما ينطق به أحد هؤلاء، فليس عليه سوى أنْ يتابع ما يجري في وسائل التواصل الإعلاميّة، خلال الأعوام الأخيرة، وخصوصًا خلال العهد الحالي، أمكتوبةً كانت، أم مرئيّةً، أم مسموعةً، أم افتراضيّة.

والحال هذه، أرجّح أنّ واقع أصول المهنة من جهة، والمشهد الإعلاميّ من جهةٍ ثانية، عند الرأي العامّ، أي عند المتلقّين العموميّين والمتنوّعين والمختلفين، يُختصَران في أنّ التوصّل إلى حقيقة المُرسَل (أي المادّة الإعلاميّة – أي الخبر – أي الموضوع) يصبح شبه مستحيل، بسب العماء المسيطر، حيث يُمرَّغ المضمونُ الأصليّ الصحيح، ويُحزَّب، ويُشوَّش عليه، فيندثر، بعد أنْ يُذبَح على مشرحة المذكورين أعلاه، حيث يروح هذا وذاك يدسّان السمّ هنا وهناك، وحيث يروح هذا ينتش من ذاك، ويروح ذاك يختلط بهذا، ويروح ذلك يتطاول على هذا وذاك، فيتعطّل المعنى عند المتلقّي، أكان هذا المتلقّي موضوعيًّا، أم محايدًا، أم لامباليًا، أم مريدًا، أم منتميًا، أم حزبيًّا، أم محازبًا.

لماذا أكتب هذا التعليق؟

إنّي أكتبه لضرورته القصوى في هذا الزمن اللبنانيّ اللئيم، الذي يوضَع فيه المصير الوطنيّ، بل وجود لبنان برمّته، على المحكّ، حيث تُغتَصب في وسائل الإعلام والتواصل، الوقائعُ والمعطيات والأوصاف والدلالات والتأويلات، وتُنتَهك، وتُشَوَّه، بعد أنْ تُستَدرَج غصبًا عنها، إلى حيث يُحرَف مضمونها عن طبيعته البحتة، وعن حقيقته الأصليّة، وعن المرجوّ والمأمول منه.

كان ثمّة زمنٌ من التهيّب النسبيّ، في احترام أصول المهنة الإعلاميّة والصحافيّة، قبل أنْ تُصاب الصدقيّة والموثوقيّة والموضوعيّة والأمانة والدقّة بأمراضٍ مستعصية، وتنهار المعايير والأخلاقيّات، ويعمّ الجهل، وتنتشر الأمّيّة، ويسهل التسلّق، وتستولي على المعلومة أشكالٌ وأنواعٌ مخيفةٌ من ديكتاتوريّة التعميات والأكاذيب والاختلاقات والتخرّصات والتوهّمات والاستيهامات والثارات والنعرات والأحقاد والعنصريّات، واستبداد الغلبة والاستكبار والترهيب والترغيب والتقيّة والذمّيّة على السواء.

اليوم، يعمد كُثُرٌ من "أهل المهنة"، عن جهلٍ، أو عن سذاجةٍ، أو عن حسن نيّة، أو عن مكرٍ وخبثٍ وشرّ، إلى الخلط بين هذه "المهن" و"الصناعات"، خلطًا من شأنه تدمير أصول المهنة، وإيذاء "الكلمة"، وتجييرها، والتعمية عليها، وإفساد معناها، وإهانة سمعتها ومهابتها.

شخصيًّا، ليس عندي أحكام قيمة، حيال الإعلاميّ "الحزبيّ"، أو "المريد"، أو "الناطق باسم"، بل فقط حيال "البوق"، و"المرتزق"، و"المأجور"، و"العميل"، و"السمسار"، و"المرتشي"، و... "الكاذب".

وهذا ما أردتُ أنْ أقوله، ليس لكلٍّ من هؤلاء المذكورين والموصوفين أعلاه فحسب، بل أردتُ أنْ أقوله للبنانيّات واللبنانيّين عمومًا، وخصوصًا منهم الكثر الكثر الذين لا يزالون غير قادرين على تظهير الفرق الجسيم بين كلٍّ من هؤلاء، أو غير راغبين في ممارسة أيٍّ جهدٍ عقليٍّ وأخلاقيٍّ لإعلاء شأن هذا الفرق الجسيم.

لبنان موضوعٌ على طاولة "المؤتمِرين" و"المتآمرين".

لبنان هو بلادنا وملاذنا. وهو يحتاج الآن، أكثر من كلّ وقتٍ مضى، إلى كشف أخطار الفرق الجسيم في "المهنة"، بين ثلاثة:

1- المهنيّ وصاحب الرأي والموقف والتحليل؛

2- "الحزبيّ"، و"المريد"، و"الناطق باسم"؛

3- "البوق"، و"المرتزق"، و"المأجور"، و"العميل"، و"السمسار"، و"المرتشي"، و... "الكاذب". والسلام!

[email protected]

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم