الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

معجز الترميم في رواية "القتيلة 232" لجمانة حدّاد

المصدر: "النهار"
Bookmark
القتيلة 232.
القتيلة 232.
A+ A-
الدكتور قصيّ الحسينماذا تفعل خبيرة الترميم، حين تقف بعد انفجار هائل، أمام الأكوام العظيمة، من حطام الإنفجار؟ ماذا تفعل أمام أكوام عظيمة من الزجاج المهشم، من النوافذ العجائبية المقتلعة كأيقونات تحطمت قلوبها على الأرض؟ ماذا تفعل خبيرة الترميم، حين تلتقط القناطر الحجر، القناطر الخشب، أكسية الجدران المزينة بنقوش القلب، جرار الفخار المعبأة بنبيذ الحب، غير التقاطها عن الأرض، من بين الهشيم، وشم رائحة الورد والبارود، يختلطان فيها يتمازجان، يذوبان مثل دموع شتوية، مثل عواصف رعدية؟ مثل بريق من العصف والقصف و الرعد؟ إبداع، بل خلق جديد من حطام الرابع من آب 2020، إنما هي رواية "القتيلة 232" لجمانة حداد، لدى "هاشيت/ نوفل".  جمانة حداد. "تيك تاك. تيك تاك. هناك قنبلة مزروعة في لبنان. هناك قنبلة موقوتة مزروعة بين اللبنانيين. مزروعة فوقهم، تحتهم، على يمينهم واليسار. مزروعة فيهم، داخل كل واحد منهم، يتوارثونها منذ أجيال حتى صارت محفورة في جيناتهم"(مدخل ص١).تحيل خبيرة الترميم ما ورد أعلاه إلى محترفها، تلتقطه قطعة قطعة، تضعه على شرشف أبيض، مثل بياض يوم سابق، تستعيره من زنابق تفتحت فوق موج البحر، ولو، قبل يوم واحد من الدخول في الجحيم، تُعمل فيه نظرها، تعيد النظر فيه كرات وكرات، حتى يستوي الإبداع، حتى يستوي الخلق."تيك تاك. تيك تاك... من بين هؤلاء هند وميشا، اللتان كانتا هما الأخريان غارقتين ساعتذاك في شؤونهما وشجونهما الخاصة. عدسة الكاميرا تجمد أمامهما. تفوكس عليهما. آكشن" (المدخل ص أخيرة).تفتح الروائية متحفا، بل محترفا، بين دفتي كتاب. تصوغ فيه، جميع اللقى، جميع الشظايا، جميع الدموع، جميع الدماء، جميع الحطام، المندلق من القلب. تجعل كل ذلك في سفر، في معجز، في رواية: "أنت إمرأة بلا غابة يا ميشا، لأنك لا تريدين الغابة. الغابة ترعبك. أراك جريحة بلا جرح. مجمدة في لوحة رسمتها بنفسك. لا تملكين فيها حتى ترف الصراخ" (ص 51).متحف الغموض، هو هذه الرواية. بل هو "معجز" جمانة حداد. بل هو محترف الغموض: حين تراها تفحص الشظايا. شظية شظية، كخبيرة ترميم. ثم إذا ما استوت لديها، تعرضها في المتحف/ في الرواية، روايتها، تراها وقد انصرفت لجمع العينات، من نوافذ التاريخ المشلعة، من خرائب الوطن/ الجغرافيا المهشمة، كإبريق من الفخار القديم. تنطلق من الجنوب، من جنوب الجنوب، حيث تقيم "أم القضايا"، ثم تدور، من هشيم إلى هشيم، تلتقط ما قذفه الإنفجار...
ادعم الصحافة المستقلة
اشترك في خدمة Premium من "النهار"
ب 6$ فقط
(هذا المقال مخصّص لمشتركي خدمة بريميوم)
إشترك الأن
هل أنت مشترك؟ تسجيل الدخول
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم